التوجيه الجامعي للطلاب لا ينسجم مع طبيعة سوق الشغل في تونس

تونس - يجد الطلاب الحائزون على شهادات البكالوريا في تونس صعوبات كبيرة في اختيار الشعب والاختصاصات التي سيدرسونها في الجامعات، بسبب غياب التنسيق بين ميولهم ومهاراتهم، ومتطلبات سوق الشغل في البلاد.
ويقول خبراء وأكاديميون إن هناك العديد من الاختيارات العشوائية في علاقة باختيار التخصص الجامعي، فبخلاف بعض الشعب العلمية المرتبطة بإحراز الطلاب معدلات جيدة، يقع الكثيرون في فخّ الحلول الترقيعية بدراسة تخصص لا يناسب قدراتهم وميولهم، وهو ما يراكم عدد العاطلين عن العمل ويخلق مشاكل في التشغيل.
ويؤكد الخبراء أن الكثير من خريجي الجامعات يجدون أنفسهم كل سنة خارج اهتمامات سوق الشغل، وسط دعوات للسلطة بوضع إستراتيجية واضحة تأخذ بعين الاعتبار مختلف الجوانب الاقتصادية والمالية والمهنية.
وأفادت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بأن عمليات التوجيه الجامعي للناجحين في الدورة الرئيسية لبكالوريا 2025 تتم حصريا عبر موقع الواب الخاص بالتوجيه الجامعي “www.orientation.tn” باستخدام كلمة عبور سرية وخاصة بكل مترشح.
وأوضحت الوزارة، في بلاغ لها، أنه يمكن للمترشحين للتوجيه الجامعي الحصول على كلمات العبور الخاصة بهم بداية من يوم غد السبت وذلك عبر موقع الواب الخاص بالتوجيه الجامعي، أو باعتماد خدمة الإرساليات القصيرة (SMS).
وبخصوص اعتماد خدمة الإرساليات القصيرة للحصول على كلمات العبور، يتعين توجيه إرسالية قصيرة إلى الرقم 85000 بداية من يوم الخميس 26 يونيو الجاري، حصريا من رقم الهاتف الجوال الذي تم إدراجه أثناء تسجيل الترشح لامتحان البكالوريا 2025 لدى وزارة التربية وذلك على النحو التالي:
“pwd” ثم “فراغ” ثم “رقم البكالوريا”.
وذكّرت الوزارة بأنه ينبغي أن يكون رقم البكالوريا متكونا من 6 أرقام ويتعين استخدام نفس رقم الهاتف المسجل عند الترشح لامتحان البكالوريا.
ويمثل حاملو الشهادات العليا في تونس ثلث العاطلين عن العمل والبالغ عددهم أكثر من 700 ألف بحسب آخر الإحصائيات الحكومية.
ويجمع خبراء الاقتصاد على غياب الرؤية الاقتصادية اللازمة، وغياب التنسيق الأكاديمي بين الجامعات وفرص العمل في سوق الشغل، وسط إقرار بعجز الاقتصاد المحلي عن استيعاب خريجي الجامعات في كل سنة.
وقال محمد الناكوع، الدكتور المتخصص في علم الاجتماع، “قبل الحديث عن التوجيه الجامعي، وجب التطرق إلى التوجيه المدرسي في تونس، لأن المدرسة التونسية تعيش عدة إشكاليات من حيث توزيع الكفاءات المدرسية بين الجهات.”
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “هنالك فجوة كبيرة أيضا في نتائج البكالوريا بين الجهات والمناطق، والشغل في تونس خرج من إطار المؤسسات العمومية واتخذ منحى جديدا، كما أنه لم يعد يُعتمد على الشهادة الجامعية فقط في الشغل، بل تضاف إليها مهارات أخرى على غرار التمكن من اللغات وحسن استخدام المنصات الرقمية والتكنولوجية.”
وتابع محمد الناكوع “هناك العديد من الشعب العلمية ليس لها أي مكان في سوق الشغل، وهناك وظائف مع التقدم العلمي السريع فقدت مكانتها وأخرى ستندثر في المستقبل، على غرار مهنة الأستاذ التي بدأت بصدد التقلص بمرور الزمن، لأننا اليوم يمكن أن ندرّس عددا كبيرا من الطلاب عن بعد دون الحاجة إلى أستاذ.”
واعتبر أن الحديث عن إعداد الطلاب لمهنة معيّنة أصبح أمرا خارجا عما يجب أن يكون، وليس كل من يتحصل على شهادة في الأستاذية قادرا على أن يكون أستاذا فعلا،” لافتا إلى أن “من أسباب النجاح أن يدرس الطالب التخصص الذي يريده وأن يكون نابعا من اختياره دون تأثير من الأسرة أو الأولياء.”
حاملو الشهادات العليا في تونس يمثلون ثلث العاطلين عن العمل والبالغ عددهم أكثر من 700 ألف بحسب آخر الإحصائيات الحكومية
ولاحظ الناكوع أن “تخصص الطبّ في تونس يتوجه إليه طلاب من جهات معينة أكثر من بقية الجهات، وبالتالي لا بدّ من إعادة النظر في التوجيه المدرسي قبل التوجيه الجامعي، مع إمكانية إضافة تخصصات جديدة من ضمنها الشهائد المهنية حتى يصبح هناك تخصص، وهو ما من شأنه أن يقلّص نسبة البطالة في البلاد.”
وبدا واضحا بعد 2011 وجود انخرام في المعادلة بين التأهيل التربوي وميول المتعلمين واهتماماتهم المستقبلية وبين احتياجات السوق التي لم تخضع لدراسات منذ البداية تأخذ بعين الاعتبار كل تلك المعطيات لتفادي تنامي ظاهرة البطالة في البلاد.
ويستعصي على الشباب التونسيين إيجاد وظيفة تتطابق مع اختصاصاتهم الجامعية، كما يفرض قطاع الوظيفة العمومية شروطا مجحفة للتوظيف، الأمر الذي يصيب الشباب بخيبات أمل كبيرة ويعرضهم للمزيد من الإحباط في ظل الأزمات الاقتصادية المتتالية.
وتقول أوساط تربوية إنه تمت التضحية بقطاع التدريب المهني، وسط دعوات لضرورة توجيه أكثر من نصف خريجي الجامعات نحو الميدان التقني الذي تحتاجه البلاد، مع الحرص على وضع التلميذ التونسي في مسار مهني في سنّ مبكّرة.