شبكات الفساد تضاعف من أزمة الطاقة والكهرباء في مصر

الكميات المضبوطة للتهريب والتخزين والإخفاء عن الأسواق كانت ضخمة وبإمكانها أن تحل جزءا من المشكلات للحكومة.
الأربعاء 2025/06/25
تكثيف عمليات الرقابة

القاهرة- كشفت حملات مفاجئة قامت بها جهات رقابية حكومية في مصر على محطات البترول ومشتقاته، عن مخالفات أثارت صدمة شعبية بعد الإعلان عن حجم السرقات الموجودة في قطاعات، مثل البنزين والسولار والغاز الطبيعي، ومحاولة تحقيق المتورطين في شبكات الفساد مبالغ مالية ضخمة.

وبينما كان رئيس الحكومة مصطفى مدبولي يقوم بجولة تفقدية لمعاينة سفن الغاز التي تم التعاقد عليها لمنع وقوع أزمة على وقع تداعيات الحرب بين إسرائيل وإيران، قامت أجهزة رقابية بضبط وقائع سرقة وتهريب مشتقات بترول في مدن مختلفة، وجرى توقيف متورطين في محاولة تهريب شحنات من البنزين إلى دول مجاورة.

وأعلنت وزارة البترول أنها ضبطت مخالفات عديدة متعلقة بالحصول على منتجات نفطية بصورة غير مشروعة، أو التصرف في الشحنات الواردة من المستودعات لجهات غير مصرح لها، والتلاعب في الكميات والتربح من المنتجات المدعّمة في أكثر من محافظة، وتمت إحالة المتورطين في تلك الوقائع إلى النيابة العامة، واستمرار مطاردة شبكات تهريب النفط في البلاد.

وما أثار صدمة الرأي العام أن الكميات المضبوطة للتهريب والتخزين والإخفاء عن الأسواق كانت ضخمة وبإمكانها أن تحل جزءا من المشكلات للحكومة، وهي في ذروة تعرض البلاد لمشكلة مرتبطة بضعف واردات الغاز الطبيعي على وقع تصاعد الأوضاع في المنطقة، وإمكانية تصاعد التقلبات الإقليمية بما يفرض على مصر أن تملك وفرة من مشتقات النفط كي لا تواجه أزمة خانقة.

ويصل عجز الغاز الطبيعي في مصر إلى 3.5 مليار متر مكعب يوميا، وزادت حدة المشكلة بعد أن قررت إسرائيل التي تساهم بمليار متر مكعب من هذا العجز وقف تصدير الغاز إلى مصر من خلال حقل ليفياثان البحري وهو أحد أكبر مصادر الغاز في شرق البحر المتوسط، ويستخدم إنتاجه لتلبية احتياجات محلية داخل إسرائيل والتصدير إلى مصر، ما دفع القاهرة للبحث سريعا عن بدائل آمنة.

وأشارت وسائل إعلام في مصر إلى أن الأوضاع الإقليمية إذا ساءت قد يتم اللجوء إلى تخفيف أحمال الكهرباء لمواجهة نقص كميات الغاز، رغم تعهد رئيس الحكومة بأن هذا الخيار مستبعد بنسبة كبيرة، ما دفع مصريين للتساؤل حول استمرار شبكات الفساد المتشعبة في قطاعات مثل الكهرباء والطاقة وعدم التعامل معها بحزم وصرامة.

ويقول مراقبون إن الضبطيات الأخيرة في قطاع البترول قد تحل جانبا من الأزمة إذا كانت بكميات كبيرة، بينما سرقات الكهرباء مستمرة رغم تعهدات الحكومة بأنها ستضرب بيد من حديد لوقف استباحة التربح كحل لخلخلة بعض المشكلات في قطاعات حيوية، وأكدت الضربات الموجهة لشبكات الفساد على الأرض بأن المشكلة أكبر من مجرد حملات رقابية، وأقرب إلى ثقافة متجذرة في المجتمع.

وأشار مسؤولون في القاهرة إلى إمكانية أن تشهد أسعار الكهرباء ومشتقات البترول ارتفاعات جديدة على وقع التقلبات الإقليمية الراهنة، ما يثير غضب فئة من المصريين يطالبون الحكومة بالوقوف بقوة ضد الفساد قبل اللجوء إلى جيوب الناس، خاصة وأن القضاء على خروقات تحدث في قطاعي الكهرباء والطاقة يحل جزءا من الأزمة.

الحكومة المصرية تواجه خيارات صعبة ومعقدة منذ بدء التصعيد العسكري بين إسرائيل وإيران على مستوى مستقبل الطاقة

وتواجه الحكومة المصرية خيارات صعبة ومعقدة منذ بدء التصعيد العسكري بين إسرائيل وإيران على مستوى مستقبل الطاقة، لأن إطالة أمد الحرب تؤثر بشكل سلبي على احتياطيات الغاز، وما يُمكن أن يسببه ذلك من ضعف الكميات التي تصل إلى محطات الكهرباء بالتزامن مع أزمة اقتصادية وظروف معيشية قاسية.

وعانت الحكومة الصيف الماضي من أزمة طاحنة في قطاع الطاقة، اضطرت بموجبها إلى تخفيف أحمال الشبكة الكهربائية وقطع الكهرباء لمدد متفاوتة يوميا، وسط غضب شعبي استدعى تدخّل الرئيس عبدالفتاح السيسي لسرعة حل الأزمة، ثم تحركت الحكومة لمطاردة سارقي التيار الكهربائي، واكتشاف مخالفات عديدة، وتبين أن الجزء الأكبر من المشكلة مرتبط بالسرقات.

وتعاقدت الحكومة رسميا على ثلاث سفن للتغويز سوف تكون موجودة في البلاد مطلع يوليو المقبل، بطاقة استيعابية تبلغ 2250 قدما مكعبة يوميا، بينما تشير تحركات الجهات الرقابية إلى أن تطهير مصر من سرقات الطاقة يحل جانبا من الأزمة على المدى القصير، بدليل أن ضبطيات يوم واحد فقط على محطات الغاز والسولار كشفت عن كميات ضخمة لم يستفد منها الناس وكادت تباع إلى مافيا البترول.

ويبدو أن الحرب على سرقات المال العام ومحاولة التربح من السلع والخدمات الإستراتيجية في حاجة إلى إرادة حكومية صارمة، وليس حملات مرتبطة بمخاوف من ظروف إقليمية وتراكم الأزمات الداخلية، لأن الحكومة ما لم تتعامل مع مواجهة الفساد كأولوية قصوى لن تستطع حل مشكلات معقدة ترتبط باحتياجات المواطنين.

وأعلنت الحكومة سابقا أن عدد المتورطين في الفقد الكهربائي وصلوا إلى قرابة مليون ونصف مليون شخص، ولو دفع هؤلاء ما عليهم من مستحقات مالية وتبلغ نحو 600 مليون دولار، لما لجأت الحكومة إلى تحريك أسعار فواتير الكهرباء بوتيرة متدرجة ووفرت مستحقات استيراد الغاز لتغذية المحطات الكهربائية.

وقال مدبولي لو أن نصف حالات سرقة الكهرباء غير موجودة، لن تواجه الدولة أزمات أو تحتاج إلى تدبير موارد إضافية لتوفير الكهرباء، ما يعكس عمق المشكلة وسهولة حلها، المهم وجود إرادة لضبط الفساد.

وأكد الباحث والخبير في شؤون الاقتصاد السياسي كريم العمدة أن الضربات التي توجه لشبكات التربح خطوة إيجابية في توقيت دقيق، لأن وجود مخالفات في قطاعات إستراتيجية يعقد المشكلات الداخلية، ويصعب التراخي مع بعض شبكات الفساد والدولة تواجه تحديات ضخمة في ملفات مثل الكهرباء والبترول والغاز، ويجب على الحكومة أن تُظهر صرامة مع كل من يتاجر بالأزمات، لأن القضية مرتبطة بالأمن القومي للبلاد، والتعامل برعونة قد يشجع آخرين على استغلال الموقف.

وأضاف لـ”العرب” أن الأجواء الراهنة تحتاج إلى أن يشعر الناس بحزم وحسم في التصدي للفاسدين، وإعادة النظر سريعا في تشريعات وإجراءات إدارية تساعد الخارجين على القانون في زيادة السرقات، مع منح صلاحيات غير محدودة للأجهزة الرقابية في جميع القطاعات، لأن القضاء على الفساد يحل مشكلات تعاني منها مصر.

i

وتصطدم الحملات الرقابية بثغرات عدة، بالتوازي مع وجود شبكات من العلاقات بين موظفين ومسؤولين يجيدون عمليات التهريب والتربح بشكل خفي وكثيرا ما يتم اكتشاف تلك الشبكات بالمصادفة، أمام استمرار بعض التعاملات الحكومية من خلال العنصر البشري، بعيدا عن الاعتماد على الرقمنة التي يسهل معها اكتشاف أيّ تلاعب دون الحاجة إلى رقابة على الأرض.

ومهما كانت إرادة الحكومة في مواجهة السرقات بقطاعات إستراتيجية تثير الشارع في توقيت حساس، فتأخر اليقظة ضد شبكات الفساد قد يقود إلى تراكم التحديات وتجد الحكومة نفسها في ضغط متواصل، بين تقلبات إقليمية متسارعة وتململ شعبي من كثرة التحجج بمبررات خارجية مع أن هناك حلولا داخلية أهمها وقف السرقات.

ويصعب أن يتقبل الشارع المصري بسهولة رفع أسعار مشتقات البترول بحجة وجود أزمة خارجية، لأن معدل تهريب الغاز والسولار كبير، والمواطن لن يتعامل بصمت مع تحريك أسعار الكهرباء يوليو المقبل ولم تُعلن الحكومة أنها نجحت في وقف سرقات الكهرباء التي توازي وحدها قرابة 20 في المئة من إجمالي ما يفترض أن تحصّله الدولة من متلقي الخدمة في البلاد.

ويفرض الدعم الشعبي للحكومة في حربها على الفساد أن تستفيد منه في مواجهة شبكات التربح واستغلال النفوذ، حيث تحاط بحصانة شعبية، وتساعدها الظروف الإقليمية التي تفرض عليها عدم تحميل المواطن أعباء مالية هو في غنى عنها، وتظل العبرة في مدى اقتناعها بأن حل بعض الأزمات ممكن مع الإرادة وحسن التصرف.

1