المساواة بين الجنسين تبدأ من الأسرة قبل الحكومات

ما تزال الدول العربية متأخرة من حيث إيلاء المرأة المكانة التي تستحقها ما ينعكس على دورها في الأسرة. وفي مصر يتم التعامل مع المرأة بنظرة دونية، إذ لا تتساوى في التعليم والحق في الزواج بحرية ولا تعامل مثل الرجل. ويرى متخصصون في العلاقات الأسرية أنه من الصعب على أيّ مجتمع يُدير علاقاته الأسرية وفق التقاليد أن يعيد النظر في المساواة بين الجنسين.
القاهرة - أظهر تأخر ترتيب عدد من الدول العربية دوليا أخيرا، من حيث المساواة بين الجنسين، وفق تقرير الفجوة العالمية الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، وجود أزمة حقيقية في تعاطي الأسرة والحكومة مع مسألة المساواة، والمشكلة الأكبر تتعلق بالنظرة العائلية لوضع المرأة، كزوجة وأم أو فتاة، وندر تساويها مع الرجل تماما.
ومن الدول التي تأخرت في تصنيف المساواة بين الجنسين، مصر، حيث يستمر التعامل مع المرأة بنظرة دونية، فهي لا تتساوى في التعليم والحق في الزواج بحرية، واختيار الشريك المناسب لفكرها وتطلعاتها ويُفرض عليها شاب بعينه، وكل ذلك يبدو بعيدا عن التشريعات الحكومية العربية التي أنصفت المرأة بشكل نسبي.
وأطلقت الحكومة إستراتيجية وطنية لتمكين المرأة منذ ثماني سنوات وتوسيع حضورها السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وتوفير الحماية للنساء وتغيير ثقافة المجتمع نحوهن، لكن ثمة مشاكل تتعلق بالنمط الثقافي والفكري والعادات والتقاليد التي تمنع تحقيق تلك الإستراتيجية، نتاج ضعف الوعي وهيمنة الرجل على الأسرة.
ومن السهل في أي مجتمع اكتشاف وجود عدم مساواة واضحة في العادات والتقاليد وحتى القوانين، ويظهر ذلك في شرط موافقة ولي الأمر على الزواج باعتبار أن الفتاة طوال الوقت تحتاج إلى وصي، وحرمانها أحيانا من حقوق حضانة الأطفال، وكأنه على المطلقة أن لا تتزوج مرة ثانية لتتفرغ لرعاية أولادها مقابل زواج طليقها لمرات.
التقاليد في بعض المجتمعات العربية تحرم المرأة من التفكير في الاستقلال بذاتها واختيار من يناسبها في الزواج
وإذا كانت هناك تشريعات تبيح للمرأة الزواج دون ولي، لا يزال هذا الأمر في العرف الأسري جريمة أخلاقية باتهام الفتاة بأنها تمردت على العائلة أو ارتكبت فعلا محرما تستحق العقاب عليه، وقد يصل الأمر إلى إجبارها على الطلاق أو الانتقام منها، وإن لم تفعل ذلك تظل موصومة بما قد يؤثر على سمعتها وشرفها وأولادها.
وتُحرم العادات والتقاليد في بعض المجتمعات العربية مجرد تفكير المرأة في الاستقلال بذاتها واختيار من يناسبها في الزواج بعيدا عن تدخلات الأهل أو وصاية الأقارب، لتكون مضطرة إلى الاستسلام للأعراف والتقاليد، والتي يصعب أن تعالجها التشريعات الحكومية، وإن أصدرت قوانين تخص تلك المعضلة، فتطبيقها على الأرض يصطدم بممانعات أسرية.
ورغم أن المؤسسات الدينية في مصر حذرة في التعامل مع فكرة المساواة بين الجنسين خشية اتهامها بالتحرر، لكنها اعتادت إصدار فتاوى تُحرم إرغام الفتاة من جانب الأسرة على الزواج من شخص لم تختره أو تُجبر على العيش معه بغرض الوصاية، وتلك أزمة ترتبط بثقافة دينية تبيح تدخل الأسرة في تقرير مصير الفتاة، بزعم أنها ناقصة عقل.
وتظهر العنصرية الأسرية بشكل واضح في تدخل بعض العائلات لإجبار الزوجة على البقاء في العلاقة ولو تعرضت لعنف لفظي وجسدي من الرجل، بحجة حق الزوج تأديب شريكته وتقويم سلوكياتها، وهو ما سبق أن واجهته الحكومة المصرية بقانون يُحاسب الزوج المعتدي، لكن العادات تُجرم على المرأة أن تشكو الرجل.
وترتب على ذلك أن الرجل المعتدي على زوجته يخرج منتصرا، وتضطر المرأة إلى طاعته، أي أن المشكلة ليست في الحكومة وتشريعاتها بقدر ما تتعلق بالأمية العائلية وعدم اعتراف الآباء بحق المرأة مهما كان وضعها داخل الأسرة، أن تتعامل بآدمية، لها نفس حقوق الرجل، وليس معنى أنه ذكر فرض قراراته على المرأة بالقوة القهرية.
وثمة نداءات نسوية متكررة في مصر لإلغاء قانون بيت الطاعة الذي يُجبر المرأة على العودة إلى منزلها متى طلبها زوجها، إذا خرجت منه غاضبة أو بعد تعرضها لعنف، لكن أغلبية الرجال رفضوا ذلك لأن الاستمرار يعني كسر المرأة وجعلها أسيرة لزوجها، ما يفضح التماهي مع فكرة الوصاية التي يصعب حلها بالقوانين والمحاكم.
يشير الرفض الذكوري للمساواة بين الجنسين إلى أن أسرا عدة تتعامل مع مفهوم الطاعة العمياء للرجل كمقياس للحفاظ على الكرامة ودليل على التحكم والسيطرة، ما يرتبط بالتربية العائلية التي نشأ عليها الرجل ونظره للمرأة ككائن تابع يحتاج إلى الوصاية، وعدم الاكتراث بأن المساواة وحسن معاملة الأنثى من شيم الرجال.
وترتب على الأمية الأسرية التي ترفض نقاش مسألة المساواة أن استمرت أشكال طاعة المرأة لشريك حياتها أو الفتاة لعائلتها من مجتمع إلى آخر، بحسب نظرة الرجل لدور الأنثى داخل الأسرة، وهناك من يعتبرونها شريكة في نطاق محدود وآخرون يرون أنها خادمة، وفريق ثالث يتعامل معها كوسيلة للمتعة، ومرده التربية الأسرية التي نشأ عليها الرجل.
وتوجد حساسية أسرية مفرطة تجاه كل ما يرتبط بالانفتاح على الحريات، وهي معضلة تغذيها تيارات متشددة تروج إلى أن الفقه الإسلامي كرس قوامة تمنح الرجل الحق في ممارسة سلطته على المرأة في كل ما يخص حياتها، ولو بالوصاية على جسدها.
وعلى المرأة دور كبير في نسف الوصاية الأسرية، والعبرة أن تكون أكثر شجاعة وجرأة في مواجهة نظرة الأسرة والمقربين والمجتمع المحيط بها، إذا قررت التمرد والمطالبة بالمساواة والتحرك بحرية لتقرر لنفسها ما ترتاح معه، بعيدا عن النظر إلى الآخرين، وهي ثقافة لا تتمتع بها كثير من الفتيات في المجتمعات العربية.
رغم أن المؤسسات الدينية في مصر حذرة في التعامل مع فكرة المساواة بين الجنسين لكنها اعتادت إصدار فتاوى تُحرم إرغام الفتاة على الزواج من شخص لم تختره
يتفق متخصصون في العلاقات الأسرية أنه من الصعب على أيّ مجتمع يُدير علاقاته الأسرية وفق التقاليد أن يعيد النظر في المساواة بين الجنسين، دون البدء بنشر ثقافة التربية الصحيحة للنشء ليكبر الأطفال أن أدوار المرأة والرجل مكملة لبعضها، ولا تجوز التفرقة بينهما، ولكل طرف حقوقه المتساوية مع الآخر بلا قوامة أو وصاية.
قالت الباحثة الأسرية في القاهرة عنان حجازي إن تربية الأبناء على المساواة بين الجنسين مسؤولية أسرية وليس الحكومة، ويجب تنقية أذهان الأطفال من الثقافة التمييزية عبر مناهج إنسانية تساوي مكانة المرأة بالرجل في كل المجالات والحقوق، وهو ضمان لتنشئة الصغار على المساواة ليكونوا آباء وأزواج أسوياء في المستقبل.
وأضافت لـ”العرب” أن التعليم العصري قاعدة لنسف الأفكار السلبية لحقوق المرأة داخل الأسرة الواحدة، بحيث يصبح لها حق اختيار الزوج وتوقيت الإنجاب ورفض الانصياع لما لا يتناسب معها وحق اختيار نمط الحياة التي تستريح معه، وحق الزواج بعد الطلاق، مثل الرجل، دون إسقاط ولايتها على أبنائها إذا تزوجت مرة ثانية.
وتُحرم المرأة في مصر من أولادها بعد الطلاق، إذا قررت الزواج، مع أن الرجل يحق له الزواج أكثر من مرة، وهنا المشكلة في التشريع وليس الأسرة، لكن الأزمة في نظرة المجتمع لمن تقبل الزواج بعد الطلاق بأنها تبحث عن المتعة، وهو حال من تُمارس الرياضة لتُتهم بفعل يُعادي القيم، أومن تتعرض للتحرش ويقال إن السبب هو ارتداء ملابس مثيرة للرجل.
يمكن البناء على تلك الوقائع للوقوف على أن الأسرة أساس تحقيق المساواة بين الجنسين، مهما كانت التشريعات الحكومية مرنة، ولدى حكومات عربية خططا معقولة لتكريس هذا الحق، والعبرة في التركيز على الأجيال الصاعدة وإقناعها بتلك الحقوق بعيدا عن أسر تجمدت عقول أصحابها عند فكرة أن المرأة تابعة للرجل.