حسابات الحرب ونهاية الوكالة: تصدّع أذرع إيران في العراق

رؤية نتنياهو تتجاوز ضم الأراضي الفلسطينية فهي جزء من خطة أوسع لإعادة تشكيل شرق أوسط جديد يتناسب مع المصالح الإسرائيلية لا مكان فيه لإيران.
الثلاثاء 2025/06/17
النأي بالنفس أو الانفصال

مع قيام الثورة الإيرانية عام 1979، أصبحت سياسة تصدير التشيّع جزءًا من إستراتيجية نظام الملالي لخلق الفتن الطائفية وشق صفوف المجتمعات العربية والإسلامية، متخذةً من شعار التقريب بين المذاهب وسيلة للتغطية على أهدافها الحقيقية. هناك اليوم ميليشيات شيعية عراقية مسلحة، يصل عددها إلى أكثر من 60 فصيلا، مرتبطة بإيران في التمويل والتسليح والتدريب، وتُعد الذراع التنفيذية لإنجاز ما يعتبره خصومها “مشروعها التوسعي المذهبي وتثبيت هيمنتها في العراق”، وقد أسهم في تحقيق ذلك تمتع تلك الفصائل بنفوذ عسكري وسياسي واقتصادي وإعلامي واسع في البلاد.

بعد سقوط نظام الأسد في سوريا، كثر الحديث عن مصير الميليشيات التابعة لإيران في العراق، وكأن الحاسة السادسة لدى تلك الميليشيات تقول: لا مستقبل لكم في العراق بعد دحر حزب الله إلى ما بعد الليطاني وتكبيله باتفاقيات عدم التحرش بإسرائيل، ونهاية نظام الأسد. فجاء دور تصفية الحسابات الأميركية مع ميليشيات إيران في العراق، رغم أنه لا يوجد قرار رسمي من الإدارة الأميركية بوضع حد لتلك المجموعات المسلحة، إلا أنها مدرجة في بنك أهداف ترامب.

أما موقفها من الحرب الدائرة بين إسرائيل وإيران فكان فاترًا، وهذا يدل على أن تلك المجموعات تستشعر الخطر المحدق بها، وربما تكون هناك قرارات من طهران بعدم زجّها في الحرب، لأن اشتراكها قد ينهي وجودها بالكامل، وهو ما لا تريده إيران. في المقابل، يذهب بعض المراقبين إلى أن تلك المجموعات قد صحت من غفلتها وقررت النأي بنفسها عن طهران. ومهما يكن الأمر، فإن العصر الذهبي لهذه الميليشيات قد ولى، ومسألة تفكيكها مسألة وقت، بحيث تتحول إلى أحزاب سياسية، وهو ما يشكّل اليوم مطلبًا أميركيًا. لكن هذا لا يعني أن الفكر السياسي الأميركي يتجه نحو توحيد أطياف الأحزاب السياسية في العراق أو أن يعود البلد متماسكًا سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا؛ فهذا لا يخدم مصالح الغرب، الذي يفضل دائمًا إبقاء بلداننا في حالة من الصراع والاقتتال. لكن طبيعة المرحلة تختلف، وهناك في المقابل رغبة في إعادة من يخرج عن الخط المرسوم إلى صوابه.

◄ هناك اليوم ميليشيات شيعية عراقية مسلحة، يصل عددها إلى أكثر من 60 فصيلا، مرتبطة بإيران في التمويل والتسليح والتدريب، وتُعد الذراع التنفيذية لإنجاز ما يعتبره خصومها "مشروعها التوسعي المذهبي وتثبيت هيمنتها في العراق"

الرئيس العراقي محمد شياع السوداني هو أيضًا أصبح يدرك خطورة المرحلة، وكانت له خلال الفترات السابقة اجتماعات متكررة مع فصائل عراقية، وأهمها الفصائل التابعة لإيران. ومن خلال تلك اللقاءات، استشف أن المكوّن العراقي بات يُدرك حساسية الموقف. فالعراق اليوم بمكوّناته الفصائلية ليس كما كان، مما يدل على عراق قادم قد يكون مختلفًا عن عراق اليوم، وهذا مرهون بتحجيم إيران.

أما ما يجري بين إسرائيل وإيران من حرب طاحنة، فلم تُحسم نتائجه بعد، وفي حال تفوقت إسرائيل حقًا، فقد يكون هناك شرق أوسط جديد. وهذا ما صرّح به بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء إسرائيل، حيث تشير بعض التحليلات إلى أن رؤيته تتجاوز مجرد ضم الأراضي الفلسطينية، فهي جزء من خطة أوسع لإعادة تشكيل الشرق الأوسط بما يتناسب مع المصالح الإسرائيلية، بمعنى شرق أوسط جديد حسب مفهوم نتنياهو. لهذا، فإن أحد أهداف الحرب الدائرة اليوم بين إسرائيل وإيران هو تصفية الوجود الإيراني في المنطقة، لتحقيق ما يصبو إليه نتنياهو، أي تبديد الخطر الإيراني أولًا وأخيرًا، وإبعاد طهران عن امتلاك السلاح النووي. وفي حال تم القضاء على هذا الخطر، فإن اختفاء أذرع إيران سيكون تحصيلا حاصلا.

ما تريده الولايات المتحدة برئاسة ترامب هو إنهاء النظام الإيراني على مرحلتين: الأولى، تتضمن تقليم أظافر النظام لدفع أتباعه إلى إعادة النظر فيه؛ والثانية، تقضي بقطع أذرعه العسكرية التي قد تُثير مشكلات إقليمية غير مرغوب فيها إذا ما انهار النظام الإيراني.

كانت المؤشرات السابقة تدل على أن إيران قد قررت التصعيد المتدرج في المنطقة، وكان العراق، الدولة العربية ذات الوضع الرخو، ساحة لتنفيذ رؤيتها الأيديولوجية لإزاحة أميركا استراتيجيًا والحلول محلها؛ وهي عملية انتقال من السيطرة غير المباشرة إلى الاحتلال الكامل لأرض الرافدين، ما يشكل تهديدًا خطيرًا للأمن القومي العربي. لكن رغم سيطرتها على القرار السياسي في العراق عبر أذرعها، فإن الوضع اليوم مختلف. فقد بدأت تلك المجموعات تتلاشى رويدًا رويدًا، وتحاول الإفلات من العقال الإيراني بعد أن أدركت ما ينتظرها من أيام صعبة.

 

اقرأ أيضا:

       • إيران تحتاج إلى حكمة الفرس وليس فتاوى الخميني

       • الحرب الإسرائيلية - الإيرانية: فصل جديد في تاريخ المنطقة

       • عرب إسرائيل وعرب إيران

       • أيّ إيران تريد أميركا وإسرائيل

9