حرب لا ناقة للفلسطينيين فيها ولا جمل

اندلعت الحرب الإيرانية – الإسرائيلية قبل أيام، وكثر اللغط حول أسبابها. هناك من قال إنها جاءت نتيجة حالة الاحتقان التي وصلت إلى درجة عالية جداً بين الطرفين، حول ما يجري في غزة، حيث تتهم إسرائيل على الدوام طهران بأنها من تقف خلف ما جرى ويجري في غزة بعد السابع من أكتوبر. في المقابل، تتهم إيران إسرائيل بما يجري في قطاع غزة من تجويع وقتل. هذا ما يردده الطرفان في وسائل الإعلام. لكن الحقيقة واضحة؛ ما جرى من مواجهة عسكرية بين الطرفين مردّه سبب واحد، وهو معركة وجود ليس إلا.
تكفي هنا الإشارة إلى مفارقة لافتة، وهي أنه لم يكن يوماً دافع الصراع والمناكفات السياسية بين إسرائيل وإيران القضية الفلسطينية. ما أصرّح به تالياً ربما لا يجد آذاناً صاغية، وبالتالي لا يروق للكثيرين. بالمختصر، لم تكن القضية الفلسطينية يوماً حاضرة في السياسة الخارجية الإيرانية، ولن تكون. بل هي شماعة وحجة للوصول إلى قلب المواطن العربي أينما وجد. لقد استغل الساسة في إيران هشاشة الموقف العربي، لكي تصبح هي عرّاب من يدافع عن القضية الفلسطينية، ويحرر القدس. وفعلاً نجح هؤلاء القادة في الترويج لهذا الأمر، واحتل محور الممانعة صدارة المشهد، وأصبح السواد الأعظم من الشعوب العربية يمدح هذا المحور ويتغنّى به، وبقي هكذا حتى تم دحر حزب الله، والمشاركة الخجولة لحزب الله في مناصرة حماس، وسقوط النظام السوري الذي لم يقدم شيئاً سوى الكلام الذي لا يُسمن ولا يُغني من جوع.
◄ ستنتهي الحرب خلال أسبوع أو أسبوعين، أو شهر على أبعد تقدير، لأن الطرفين منهكان، ولا يتحملان تبعات استمرار الحرب لفترة طويلة، على صعيد تكلفتها وهشاشة وضعف الجبهة الداخلية لكلٍّ منهما
عاد مناصرو محور الممانعة اليوم، وخصوصاً بعد الحرب الإيرانية – الإسرائيلية، يرفعون شعار المحور، وما تقوم به إيران من إطلاق صواريخ في عمق إسرائيل. لكن حتى نكون منصفين، علينا أن نسأل أنفسنا السؤال التالي: لماذا اشتعلت الحرب بين الطرفين في هذا الوقت بالذات؟ في العلم العسكري والعقيدة الأمنية الإسرائيلية، مفهوم الحرب أن تكون استباقية، وقصيرة، ومباغتة للعدو، وفرض شروط السلم. لا يزال مفهوم الردع ركيزة إستراتيجية في سياسة إسرائيل العسكرية. ومن قام بالحرب وأشعل فتيلها هي إسرائيل. لم تقم إيران مؤخراً، ولا حتى قبل شهور، بشنّ حرب على إسرائيل دون سبب يُذكر. لقد أطلقت طهران صواريخها على إسرائيل قبل أقل من عام، رداً على ما قامت به الأخيرة من قصف السفارة الإيرانية في سوريا، واليوم ردّت إيران على ضرب إسرائيل، عندما تلقت طهران يوم الجمعة الماضي ضربة موجعة على صعيد الأرواح والممتلكات العسكرية والمدنية، ولهذا قامت إيران بالرد.
لقد استغل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو – وهو يسابق الزمن – وجود الرئيس الأميركي دونالد ترامب الداعم له، والمؤيد لما تقوم به إسرائيل في حربها مع إيران، وأيضاً ليُبعد عنه شبح انهيار حكومته التي كانت على وشك التفكك. فهذه الحرب الاستباقية قد تطيل عمر حكومته حتى عدة شهور قادمة، إذا ما انتهت الحرب خلال أسابيع. إذن، لا معنى لهذه الحرب فلسطينياً، وهذا مفهوم. ولا هي قامت لسواد عيون القضية الفلسطينية، ولا تحرّك البتّة في القضية قيد أنملة. لقد قامت الحرب من أجل أن تحافظ إسرائيل على وجودها في المنطقة، وتبدّد الخطر الإيراني الذي تخشاه من تحقيق تمددها في الإقليم. كلاهما له أهداف ومصالح، وهما مشتركان في نفس الأهداف: التمدد في دول المنطقة، والاستحواذ على خيراتها.
لكن شكل ما بعد “اليوم التالي للحرب” لا يبدو واضحاً. الطرفان في أزمة، كلٌّ منهما يريد أن ينزل عن الشجرة، وكما هو معلوم، كفّة الميزان لصالح إسرائيل. كيف ولماذا؟ أسئلة كثيرة شائكة في هذا الجانب. لا شك أن إسرائيل متفوقة على إيران، لما تملكه من ترسانة عسكرية ضخمة، ودعم أميركي وغربي. أما إيران، فلدَيها أصدقاء وحلفاء مثل الصين وروسيا وكوريا الشمالية. هذا لا يعني أن تلك الدول سوف تقف معها وتحارب إلى جانبها؛ ما سوف تقدمه تلك الدول هو بيع السلاح لإيران، كما تفعل روسيا فقط.
الخلاصة: ستنتهي الحرب خلال أسبوع أو أسبوعين، أو شهر على أبعد تقدير، لأن الطرفين منهكان، ولا يتحملان تبعات استمرار الحرب لفترة طويلة، على صعيد تكلفتها وهشاشة وضعف الجبهة الداخلية لكلٍّ منهما. ما أود قوله، وأكاد أجزم به، أن نتائج الحرب سوف تكون لصالح الدولة الأقوى في المنطقة، وهنا أقصد إسرائيل. ومآلات الحرب، بغض النظر عن المنتصر، سوف لن تصب في مصلحة القضية الفلسطينية. الهدف من الحرب هو أن تخرج إسرائيل قوية، وهذا ما يريده العالم، وأن تكون متفوقة كما هو مُرسوم لها منذ أن تأسست، وأن تعود إيران إلى حدودها الجغرافية، خالية من مقوّمات الدولة العظمى وتفقد نفوذها في المنطقة.