ما هو السلام الذي ينشده ترامب

سلام ترامب الذي تحدّث عنه مؤخّرًا يبدو غير مكتمل فلا تفاصيل معلنة عن طبيعته: هل هو سلام شامل ينهي الحروب في المنطقة أم سلام جزئي يحايد إيران فقط ويكبح تدخلاتها الإقليمية؟
الخميس 2025/06/26
تهانينا للعالم.. لكن على ماذا؟

فليبارك الله إسرائيل، فليبارك الله إيران، فليبارك الله الشرق الأوسط، فليبارك الله الولايات المتحدة، وليبارك الله العالم بأسره. هذا ما صرّح به الرئيس الأميركي دونالد ترامب قبيل الإعلان عن وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران. وختم منشوره على منصة “تروث” بالقول “تهانينا للعالم، فالآن وقت السلام.”

هنا أستحضر ما دونته قبل أيام قليلة في مقالتي المعنونة: “حرب لا ناقة للفلسطينيين فيها ولا جمل”. فوقف الحرب دون التطرّق إلى القضية الفلسطينية كان متوقعًا، وأدنى ما يمكن فعله هو وقف حرب الإبادة في غزة.

انتهت الحرب الإيرانية – الإسرائيلية دون أن يكون هناك منتصر واضح. لقد تعرضت إيران لصفعة قاسية نتيجة الضربات الأميركية والإسرائيلية على مفاعلاتها النووية، كما تعرضت إسرائيل لضربات موجعة في قلب مدنها، إضافة إلى رشقات صاروخية على قاعدتي العديد وعين الأسد. هناك خسائر بشرية من كلا الطرفين، فضلًا عن الضربة الموجعة التي تلقتها إيران حين اغتالت إسرائيل العشرات من خبراء الهندسة النووية، ومجموعة من العسكريين التابعين للحرس الثوري الإيراني.

إيقاف الحرب بهذه السرعة وبهذا الشكل يثير الكثير من الأسئلة، ويجعل المتابعين في حيرة، وكأن الرئيس الأميركي يتحكّم في مجرياتها عن بُعد. فإعلان ترامب أن “الآن وقت السلام،” لم يترافق مع خطة واضحة لإحلال السلام لا في الشرق الأوسط ولا في العالم. فقد عجز حتى اليوم عن إنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا، ووقف متفرجًا على ما يحدث في غزة من إبادة وتجويع ممنهج.

◄ لا يبدو أن هناك نية حقيقية في أجندة ترامب لإنصاف القضية الفلسطينية. سلامه مبتور، ويمثل تمزيقًا إضافيًا للملف الفلسطيني، مع ترك الحبل على الغارب لحكومة نتنياهو لمواصلة القتل والتجويع في غزة

هل كل ما يهمه هو إحلال السلام بين إسرائيل وإيران؟ أم أن هذا الملف أكثر سخونة وكلفة مادية واقتصادية بالنسبة إلى الولايات المتحدة، خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات الأميركية؟ إذ بمجرد أن لوّحت طهران بإغلاق مضيق هرمز، بدأ القلق يتصاعد من انجرار واشنطن إلى صراع خارجي يتعارض مع تعهدات ترامب السابقة بتجنب الحروب الخارجية. وتشير بعض الوسائل إلى أن إدارة ترامب تلقت رسائل متواصلة من حلفائها تحثّها على عدم الانخراط في أيّ هجوم على إيران، محذرة من عواقب مثل إغلاق مضيق هرمز وتعطيل إمدادات الطاقة العالمية.

هذا السياق يعيد إلى الذاكرة حاجة الولايات المتحدة المستمرة إلى الشرق الأوسط، ويدفعنا لفهم أسباب تحوّل ترامب فجأة إلى “حمامة سلام”. رأينا مغازلته لطهران، التي باركها في تصريحاته، ربما خشية من الشلل الذي قد يصيب الاقتصاد العالمي في حال أُغلق المضيق.

لكن حتى ملامح خطة وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران لا تزال غير واضحة. وكأن الغاية من هذه الحرب القصيرة كانت فقط ضرب المفاعلات النووية الإيرانية، لإرضاء حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية.

لوحظ أن أعضاء حكومة نتنياهو لم يدلوا بتصريحات بارزة بشأن وقف إطلاق النار، باستثناء ما ذكره رئيس الوزراء ذاته حين قال إن “إسرائيل وافقت على وقف إطلاق نار ثنائي، في ضوء تحقيق أهداف العملية وبالتنسيق الكامل مع الرئيس ترامب،” مضيفًا أن “إسرائيل أزالت عن نفسها تهديدًا وجوديًا مزدوجًا وفوريًا، سواء في المجال النووي أو في مجال الصواريخ الباليستية.” لكن في المقابل، صدرت تصريحات عن وزير الأمن الداخلي في حكومة نتنياهو تتحدث عن إغلاق الضفة الغربية وشلّ الحركة فيها، في ما يبدو تمهيدًا لضمها. إذًا، عيون الحكومة الإسرائيلية ليست على إيران، بل على الضفة الغربية وغزة.

وبعد انتهاء الحرب بين إيران وإسرائيل، ما هو مخطط ترامب بشأن مشروعه الرامي إلى تهجير سكان غزة إلى دول أخرى؟ سلام ترامب الذي تحدّث عنه مؤخّرًا يبدو غير مكتمل، فلا تفاصيل معلنة عن طبيعته: هل هو سلام شامل ينهي الحروب في المنطقة، أم سلام جزئي يحيّد إيران فقط ويكبح تدخلاتها الإقليمية؟

في الخلاصة، الجميع خرج مستفيدًا من هذا الصراع – وأقصد هنا الحرب الإسرائيلية – الأميركية ضد إيران – باستثناء فلسطين. فقد بقيت المجازر مستمرة ضد الغزيين، ولا يبدو أن هناك نية حقيقية في أجندة ترامب لإنصاف القضية الفلسطينية. سلامه مبتور، ويمثل تمزيقًا إضافيًا للملف الفلسطيني، مع ترك الحبل على الغارب لحكومة نتنياهو لمواصلة القتل والتجويع في غزة، والسعي إلى ضمّ الضفة الغربية.

9