هل ترضخ إيران للضغوطات الأميركية

وفقًا لبعض المصادر، باتت المحادثات بين الولايات المتحدة وإيران على وشك التوصل إلى اتفاق شامل بشأن البرنامج النووي الإيراني. في هذا السياق، لا يمكن تجاهل التاريخ السياسي الذي شهدته إيران، حيث استطاع الخميني خلال فترة الثورة الإيرانية تسجيل مئات اللقاءات الصحفية وإلقاء خطابات مؤثرة أمام الشعب الإيراني، ما أثار حراكًا سياسيًا أدى إلى الإطاحة بالشاه. كل ذلك حدث تحت أنظار الأميركيين، وبدعم فرنسي، في مرحلة مفصلية أعادت تشكيل المشهد السياسي الإيراني.
اليوم، تبحث طهران عن مخرج ينقذها من الضغوط الأميركية والدولية، كما تحاول إيجاد حلول للخروج من أزمة الحصار المفروض عليها أمميًا. تشهد بعض المدن الإيرانية حراكًا متصاعدًا قد يقود إلى ثورة عارمة، على غرار الثورة ضد الشاه التي جاءت بالخميني إمامًا للأمة الإيرانية، وكانت مدعومة من الخارج. وفي النهاية، أُطيح بالشاه، رغم كونه حليفًا للولايات المتحدة.
كان لافتًا أنه، خلال السنوات الأخيرة، حاولت طهران إعادة تشكيل تحالفاتها الإقليمية بما يتناسب مع مصالحها الجيوسياسية، وسعت إلى فرض رؤيتها في منطقة الخليج العربي وسوريا ولبنان وفلسطين. هذه السياسة جعلت منها هدفًا للولايات المتحدة.
تمكنت إيران، عبر دعمها لحركة حماس، من إثبات أنها قوة مؤثرة في المنطقة، قادرة على إشعال الأزمات وإخمادها متى شاءت. لكن الأمور لم تسر كما توقعت، بل ازدادت عزلتها الدولية، خاصة بعد دعمها للحوثيين في استهداف إسرائيل بالصواريخ البالستية. عندها، أدرك العالم أن إيران تشكل تهديدًا يجب وضع حدٍّ له، حفاظًا على المصالح الأميركية والأوروبية.
◄ أمام إيران خياران لا ثالث لهما: القبول بالشروط الأميركية والتخلي عن برنامجها النووي، ما سيخفف عنها الضغوط الدولية. أو اللعب على عامل الوقت، وهو خيار محفوف بالمخاطر
الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما استطاع احتواء إيران عبر اتفاق بالشراكة مع الاتحاد الأوروبي، لكن سرعان ما أبطله الرئيس دونالد ترامب في ولايته الأولى. أما الرئيس جو بايدن، فلم يسعَ إلى إحياء الاتفاق كما فعل أوباما، بل ترك الأمور كما هي حتى عودة ترامب إلى السلطة للمرة الثانية، حيث تبنى مخطط احتواء إيران بطرق سلمية، مع إبقاء خيار الحرب كورقة أخيرة.
المفاوضات، التي تتم بوساطة عُمانية وفق بعض التقارير، تبدو إيجابية حتى الآن. فالولايات المتحدة تصرّ على تخلي إيران عن مشروعها النووي لكسب الوقت وترسيخ مكتسباتها الإقليمية دون الدخول في مواجهة مباشرة مع القوى العظمى. في المقابل، تطالب إيران برفع جميع العقوبات المفروضة بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي، إضافة إلى العقوبات التي جاءت ضمن سياسة الضغوط القصوى الأميركية. لكن واشنطن ترى أن هذا المطلب يتجاوز الاتفاق النووي، وأن على إيران الاستجابة لمخاوف أوسع تتعلق بأمن المنطقة.
رغم أن المفاوضات لا تزال في مراحلها التمهيدية، إلا أن نجاحها يعتمد على مدى استعداد الطرفين للتوصل إلى اتفاق تقني في وقت قصير. ومع ذلك، لا تزال حالة عدم الثقة عميقة، خاصة بعد انسحاب ترامب من الاتفاق النووي لعام 2015 وفرضه عقوبات مشددة على إيران، إضافة إلى اغتياله الجنرال قاسم سليماني عام 2020.
حتى الآن، لم تتضح ملامح الاتفاق الجديد الذي تسعى إليه إدارة ترامب، فرغم أنه معروف بموقفه المتشدد تجاه إيران، إلا أنه يحاول تحقيق توازن بين التهديد والترغيب في السياسة الخارجية، ما يجعل الاتفاق النووي خيارًا مطروحًا، لكنه لا يفضل الانخراط في حرب طويلة.
وعليه، لا يبدو أن المرحلة القادمة بين طهران وواشنطن ستشهد صدامًا عسكريًا شاملاً في حال تعثر المفاوضات، لكن الولايات المتحدة قد تلجأ إلى تشديد الحصار الاقتصادي وزيادة عزلة إيران. وكان ضرب أذرع إيران في المنطقة رسالة واضحة لطهران، أدركت من خلالها أن الأمور باتت أكثر جدية.
لهذا، أمام إيران خياران لا ثالث لهما: القبول بالشروط الأميركية والتخلي عن برنامجها النووي، ما سيُنقذها من المواجهة المباشرة ويخفف عنها الضغوط الدولية.
أو اللعب على عامل الوقت، وهو خيار محفوف بالمخاطر، نظرًا إلى تصاعد الحراك الشعبي داخل إيران، والذي قد يقلب الأمور رأسًا على عقب.