زواج المصابين بمتلازمة داون يثير جدلا أسريا في مصر وسط مطالبات بمنعه

استمرار النظرة السلبية للمعاقين ذهنيا يقود إلى حرمانهم من حق الزواج.
الخميس 2025/06/12
زواج قبله الطرفان ورفضه المجتمع

رغم أن المؤسسات الدينية في مصر لم تمنع زواج المصابين بإعاقات ذهنية سوى في حالة انعدام التمييز العقلي الكلي، إلا أن المجتمع يرفضه بشدة، ما يؤكد استمرار النظرة السلبية تجاههم، وهو ما واجهته عروس مصرية تزوجت من رجل مصاب بمتلازمة داون. ويدعو استشاريو العلاقات الأسرية إلى تعميم ثقافة إجراء فحوصات ما قبل الزواج لتكون بصيرة أمام أطراف العلاقة.

القاهرة - أثارت واقعة زواج شاب مصري مصاب بمتلازمة داون من فتاة سليمة صحيا، جدلا أسريا واجتماعيا وقانونيا واسعا، وسط مطالبات بتدخل حكومي لمعرفة أحقية تلك الفئة في الزواج والشروط والمعايير المطلوب توافرها، بعيدا عن التعامل مع القضية من منظور إنساني، لوجود عواقب سلبية سوف تطال المجتمع إذا اتسعت دائرة زواج ذوي الإعاقات الذهنية.

وارتبط الجدل المثار في مصر بأن واقعة الزفاف شهدت تصرفات غير طبيعية من جانب الشاب الذي بدت عليه علامات الإعاقة الذهنية، بينما كانت العروس طبيعية، وغير سعيدة أو تم إجبارها على تلك الزيجة، بشكل أثار شكوك الكثيرين حول أن الزواج حدث دون رضاها بإكراه من العائلة.

وانتشر فيديو الزواج، ما دفع المجلس القومي لشؤون ذوي الإعاقة (جهة حكومية) للتقدم ببلاغ إلى الجهات القضائية للتحقيق في الواقعة والوقوف على ملابساتها وما إذا كان الزواج حدث برضا الطرفين أم هناك شبهة استغلال في الأمر، وحسم الجدل المصاحب لزواج الشاب المعاق ذهنيا من فتاة سليمة، وإعلان الحقيقة للرأي العام.

محمد هاني: زواج المعاقين ذهنيا لا يتعارض مع الشرع والقانون
محمد هاني: زواج المعاقين ذهنيا لا يتعارض مع الشرع والقانون

كانت المفاجأة أن العروس خرجت على وسائل إعلام محلية لتتحدث عن كواليس الزواج من الشاب المصاب بمتلازمة داون، وقالت إنه لم يظهر عليه شيء مختلف خلال فترة الخطوبة التي استمرت ثمانية أشهر كاملة، وأنه شاب طبيعي وهادئ ورومانسي ولا يعاني من أي مشكلة، واستنكرت التعليقات السلبية التي ظهرت على حفل الزفاف والتشكيك في العلاقة.

ودافعت العروس عن زوجها بأنه شخص حنون جدا، وأنها سعيدة معه، عكس كل ما أثير على الفضاء الإلكتروني، وقالت إنه طوال فترة الخطوبة كان يتعامل بشكل طبيعي، ويشتري لها الهدايا ويتحدث معها بحب ولُطف وعاطفة مثل أي شاب طبيعي، لذلك أحبته ولا تستطيع التخلي عنه، ولو لم تتزوجه لما تزوجت، ولا تتخيل حياتها من دونه.

ورغم محاولات العروس تقديم صورة إيجابية للمجتمع عن العلاقة الزوجية مع مصاب بمتلازمة داون، كان صوت الرافضين أعلى من المؤيدين، بحجة أن المصابين بإعاقات ذهنية لا يدركون معنى الزواج وليست لديهم قدرة على تحمل مسؤولياته، وإذا كان زواجها خطأ، فالخطيئة الأكبر بتزويج معاق ذهنيا من فتاة سليمة صحيا.

وذهب الرافضون إلى أن الشخص المعاق ذهنيا لا يستطيع إعالة نفسه أو التعامل بشكل طبيعي مع احتياجاته الأساسية، فكيف يمكن له تحمل أعباء أسرة من زوجة وأبناء في المستقبل، وشريحة منهم تعاني من ضعف في القدرة الجنسية، ولا يجب تشجيع الشاب أو الفتاة المعاقة ذهنيا على الزواج لعدم تحميل أي منهما فوق طاقته.

وقال مؤيدون إن زواج المصابين بمتلازمة داون ربما يكون عونا لهم في التخلص من الضغوط الاجتماعية والمشكلات النفسية ويجعلهم يشعر بالصحة الجيدة، ولا يجب تعميم رفض زواجهم على كل الحالات، طالما أن هناك شريحة معتبرة منهم لديها من الفهم والإدراك ما يساعدهم على التعامل مع الزواج بشكل أقرب إلى الأمور الطبيعية.

وجزء من المشكلة أن المجتمع لديه حساسية مفرطة لكل ما يرتبط بزواج المعاقين عموما، سواء أكانت الإعاقة ذهنية أو جسدية، نتاج ميراث طويل من العنصرية والتمييز الذي لم تستطع المؤسسات التوعوية اختراقه بمفاهيم إنسانية حول حق هذه الفئة في التعامل معها كشخصيات لها حقوق، ولا يجب أن تكون الإعاقة سببا في حرمانهم من تلك الحقوق.

الرافضون ذهبوا إلى أن الشخص المعاق ذهنيا لا يستطيع إعالة نفسه، فكيف يمكن له تحمل أعباء أسرة

وثمة شريحة من المصابين بمتلازمة داون، ليست لديهم القدرة على إعانة أنفسهم كليا أو الاستقلالية، وبينهم من يستطيع الوفاء بأبسط الواجبات المفروضة عليه، وفي النهاية تظل العبرة بمدى قيام الأسرة بتأهيل أبنائها المعاقين ذهنيا وتوعيتهم بواجباتهم كخطوة يمكن البناء عليها لإقناع المجتمع بأن تلك الفئة بينها القادر على الزواج.

وما لم تتحقق تلك الخطوة، فإن زواج المصابين بإعاقات ذهنية سوف تترتب عليه أعباء نفسية وأسرية خطيرة لعدم توافر الحد الأدنى من التكافؤ والتكامل في العلاقة الزوجية، ووقتها قد يكون الضرر أكبر من المنفعة المحصلة، ما يجعل كثيرين يطعنون في صحة الزواج قانونا دون اقتناع بأنه لا يتعارض مع الشريعة.

ولم يمنع الفقه الإسلامي زواج المصابين بإعاقات ذهنية سوى في حالة انعدام التمييز العقلي الكلي، وهذا يتعارض مع ظروف الكثير من المصابين بالمتلازمة ممن يتمتعون بدرجة عالية من الذكاء الاجتماعي والعاطفي، ما يسمح لهم بتكوين علاقات أسرية والعيش في زواج ناجح أحيانا، شريطة توافر الدعم الأسري والاحتواء المجتمعي وعدم اعتبارهم خطرا على من حولهم.

وأكدت دار الإفتاء المصرية أن زواج المصاب بمتلازمة داون صحيح شرعا، ومن حق المصاب بإعاقة ذهنية أن يتزوج ما دامت أركان الزواج متوافرة من قبول العروس وإشهار العلاقة، وهو نفس الرأي الذي اعتمدته نقابة المأذونين الشرعيين بأن العديد من المصابين بمتلازمة داون لديهم القدرة على الزواج خاصة إذا كانت الشهادات الصحية تؤكد ذلك، وارتضا بها الطرفان.

ولم تقنع رواية المؤسسة الدينية ونقابة المأذونين الأغلبية المجتمعية، واستمرت المطالبات بتدخل حكومي لوضع ضوابط قانونية تحكم زواج ذوي الإعاقات الذهنية بما يضمن احترام حقوقهم، وحق العروس التي قد تُجبر على الزواج منهم، مع أن بعض الفتيات تقبلن الزواج من معاقين ذهنيا بدافع إنساني انطلاقا من نية صادقة في الرعاية والرحمة تجاه تلك الفئة.

Thumbnail

قال الاستشاري الأسري والنفسي محمد هاني إن زواج المعاقين ذهنيا لا يتعارض مع الشرع والقانون، ومهم تعميم ثقافة إجراء فحوصات ما قبل الزواج لتكون بصيرة أمام أطراف العلاقة، وإذا ارتضى الجميع بما ستؤول إليه الفحوصات الطبية فلا مانع من إتمام الزيجة، خاصة وأن الإعاقات الذهنية متفاوتة الدرجة ولكن الخوف أحيانا من إنجاب أبناء مصابين بإعاقات.

وأضاف لـ”العرب” أنه تجب مناقشة قضية زواج المصابين بالمتلازمة بشكل إنساني عقلاني، مع حتمية اهتمام الأسر بالوعي والتأهيل لمرحلة الزواج وما بعدها كأهم خطوة، ومهم لكل عائلة أن تبني قراراتها بعيدا عن نظرة المجتمع القاسية أحيانا، ومطلوب إخضاع تجربة الزواج للتقييم الشامل قبل أن تبدأ، ويكون ذلك من خلال الأسرة وطرفي العلاقة فقط.

ومشكلة شريحة كبيرة في المجتمع المصري أنها تتعاطى مع المصابين بإعاقات ذهنية على أنهم أبطال في كل شيء إلا الزواج، فهم يكملون تعليمهم ويتمتعون بعلاقات عاطفية وإنسانية رائعة ويحققون نجاحات استثنائية في أنشطة رياضية ويجتازون بطولات محلية وعالمية، لكن كل ذلك لا يشفع لهم بأن يكونوا أزواجا أسوياء، بذريعة أنهم فاقدون للأهلية العقلية.

وبعيدا عن رؤى المؤيدين والمعارضين، العبرة يجب أن تكون للمعايير الطبية التي تحدد سلامة العلاقة الزوجية من عدمها، وإذا جاءت النتيجة بعدم وجود مشكلات مستقبلية وارتضى الطرفان بذلك، فالمجتمع عليه أن يحترم خصوصية العلاقة ويتنحى جانبا، بعيدا عن فرض الوصاية والأعراف والتقاليد التي حرمت أغلب المعاقين ذهنيا من حق الزواج.

15