الطلاق بسبب البدانة يزعج بعض المصريات وسط ضغوط معيشية حادة

الزوجة مضطرة للاهتمام برشاقتها والعناية بأسرتها وعدم ممارسة الرياضة.
السبت 2025/05/31
الضغوط المعيشية تجبر النساء على إهمال رشاقتهن

ينصح المتخصصون في العلاقات الزوجية الرجال بأن تكون علاقتهم بزوجاتهم  بعيدة عن المظهر الخارجي ورشاقة الجسد بقدر ما ترتبط بالتعامل معها كصديقة وأم وشريكة حياة، مشيرين إلى أن النقاش التمييزي لسمنة النساء يهدد منظومة الزواج ويجعل مقاييس العلاقة بين الرجل والمرأة مختلة. وتعاني الزوجات البدينات في مصر من التنمر ما يشعرهن بالدونية.

القاهرة - أثارت واقعة طلاق زوجة مصرية، أدلت بتفاصيلها لبرنامج تلفزيوني أخيرا، جدلا أسريا واسعا، بعد أن أفصحت عن معاناتها من التنمر المبالغ فيه بسبب البدانة، من مقربين وزوجها، ما دفعها إلى طلب الطلاق وخسارة جميع حقوقها كي تستريح من السخرية التي شكلت لها هاجسا نفسيا، وهي واقعة عكست عمق الأزمة التي تعانيها زوجات بدينات في مصر.

وانتقدت الإعلامية المصرية بسمة وهبة تناغم الزوجات مع البدانة بحجة الانشغال برعاية الأسرة، مع أن ذلك يشكل خطورة على حياتهن الزوجية، وقالت إن هناك دراسة حديثة صادرة عن مكتب التسوية بمحاكم الأسرة كشفت أن 56 في المئة من الخلافات الزوجية ترجع إلى إهمال بعض السيدات لأوزانهن بعد الزواج، معتبرة أن هذه النسبة مقلقة ومزعجة وتوسع قاعدة الطلاق.

وتُعد قضية البدينات من الأمور المسكوت عنها في المجتمع المصري، لأنها تثير حساسية عند الكثير من النساء وتحمل قدرا من التنمر الاجتماعي ضد اللاتي تعانين من السمنة، بما يؤثر بشكل سلبي على حياتهن الأسرية وإصابة بعضهن بأمراض نفسية جراء السخرية التي يتعرضن لها من الدائرة المحيطة، والرجال تحديدا.

مشكلة الكثير من الزوجات أنهن قد يفرطن في الاهتمام بالمنزل ويهملن أنفسهن ولا يراعين صحتهن ورشاقتهن

مشكلة الكثير من الزوجات المصريات أنهن قد يفرطن في الاهتمام بالمنزل والأبناء ورعاية الزوج ويهملن أنفسهن ولا يراعين صحتهن ورشاقتهن، ولا ينتبهن لخطورة وضعهن البدني وانصراف الأزواج عنهن، والذين يبحثون عن أخريات أكثر رشاقة، وهي إشكالية تعبر عن تقصير نسائي غير متعمد في مواجهة أنانية ذكورية.

وتخص الواقعة التي أثيرت إعلاميا امرأة واحدة، لكنها دخلت الكثير من البيوت وصارت مسار حديث أسري عبر الفضاء الإلكتروني، ما وضع بدينات في اختبارات قاسية ومعقدة قد تجعل حياتهن تدور في فلك الحيرة الشديدة بين أولوية الاهتمام برشاقتهن لتجنب السخرية والتنمر، والعناية بأسرهن لتجنيب أنفسهن تهمة الإهمال.

وأصبحت الزوجة البدينة في مصر أو أيّ مجتمع عربي يواجه صعوبات معيشية، محملة بضغوط نفسية تضاف إلى المعاناة الأسرية التي تعيشها طوال الوقت جراء الغلاء وضيق الحال الاقتصادي، فهي مطالبة بالتوازن بين الاهتمام بنفسها كي تنال إعجاب الزوج والأسرة والأقارب، ورعاية أبنائها ومراقبة مستواهم الدراسي والقيام بالواجبات الواقعة عليها حتى لا تُقارن بغيرها من النساء.

وما يزيد العبء النفسي على الزوجة صاحبة الوزن الزائد أن الكثير من الأعمال الدرامية والبرامج التلفزيونية تكرس ثقافة حديثة عن مقاييس جمال المرأة في المجتمع تقتصر تقريبا على القوام الرشيق، وتسوق إلى أن زيادة الوزن تعطي الحق للدائرة المحيطة لتذكيرها طوال الوقت بأنها فقدت الكثير من أنوثتها وجمالها.

وإذا نوقشت قضية بدانة الزوجات بشكل توعوي عبر برامج اجتماعية، فإن طريقة العرض على مستوى التقديم والمحتوى، تبدو كأنها تقدم إلى الرجال فرصة لفتح النقاش مع زوجاتهم حول خفض الوزن، أو أن تبيح لهم البدانة التلويح بالطلاق كنوع من الترهيب لدفع المرأة إلى أن تكون رشيقة، والمعضلة أن الكثير من تلك الرسائل الخشنة تكون من النساء وليس من رجال.

وقالت محامية مصرية مؤخرا في أحد البرامج إن الرجل يحق له تطليق زوجته التي تعاني من السمنة، خاصة إذا كان هناك تعنت منها وتصر على عدم التغيير، معتبرة أن الشرع حلل هذا التصرف للزوج، ما فهمه البعض على أنه تحريض ضد زوجات بدينات دون اكتراث بوجود نساء يصعب عليهن العودة إلى النحافة بلا تدخل جراحي.

ويفتقد الكثير من الرجال لثقافة وجود أسباب فسيولوجية تؤدي إلى بدانة الزوجة، مثل الحمل المتكرر والولادة التي تترك آثارها بعد كل مولود، والمعضلة أن شريحة منهم ترفض الاعتراف بأن إهمال الرجل لزوجته عاطفيا يؤدي بها إلى عدم التعاطي مع الرشاقة كأولوية، ما يجعلها تطلق العنان لترهل جسدها، خاصة إذا كانت غير قادرة أصلا على التخفيض من وزنها.

وأظهر مسح سكاني أجرته الحملة الرئاسية في مصر المعروفة باسم “100 مليون صحة”، أن قرابة 40 في المئة من المصريين البالغين يعانون من السمنة، وأنها أكثر انتشارا بين النساء بنسبة 49.5 في المئة مقابل 29.5 في المئة عند الرجال، مع أن نسبة كبيرة من السيدات ممنوعات من ممارسة الرياضة بسبب قيود مجتمعية.

وتبدو النظرة العامة للنساء البدينات ظالمة لهن، لأنه وفق الأعراف المجتمعية والثقافات العائلية في المدينة والريف، عندما تتزوج المرأة دون عمل تدخل مرحلة البقاء في المنزل طوال الوقت، ولا تستطيع الخروج أو التنزه والتحرك بأريحية بحجة الحفاظ على السمعة والخوف عليها من نظرات الناس، بالتالي من الطبيعي أن يزيد وزنها على وقع الثقافة المجتمعية.

الكثير من الرجال يفتقدون لثقافة وجود أسباب فسيولوجية تؤدي إلى بدانة الزوجة، مثل الحمل المتكرر والولادة التي تترك آثارها بعد كل مولود

وأمام التعاطي الأسري مع ممارسة النساء للرياضة على أنه من الأمور المعيبة أحيانا، طبيعي أن يتأثر القوام الجسدي ويدفع غالبية الزوجات إلى زيادة الوزن لأسباب متشعبة، أي أن الزوجة في مجتمع شرقي مثل مصر مظلومة وضحية عادات بالية وتعقيدات صعبة، بين إجبارها على نمط حياة يدفعها إلى السمنة وبين نظرة ذكورية تسخر منها وتهددها بالطلاق بسبب الوزن الزائد.

وأكدت الاستشارية الأسرية عنان حجازي أن أزمة المجتمع مع الزوجة البدينة مرتبطة بمعايير مختلة عن قيمة المرأة داخل الأسرة، وتلك النظرة السلبية يتحمل الإعلام جزءا كبيرا منها، حيث أقنع المجتمع أن الجميلة هي الرشيقة ودون ذلك تستحق السخرية ما أدى إلى تحريض بعض الأزواج ضد البدينات، وعدم زرع ثقافة التحفيز والدعم النفسي.

وأضافت لـ“العرب” أن تغيير المعتقدات الأسرية تجاه مقاييس جمال المرأة في حاجة إلى خطاب توعوي إعلامي وثقافي وحقوقي ونسائي، لأن التراخي في تلك الخطوة يوسع دائرة المقارنة بين الزوجات ويقود إلى نزاعات أسرية قد تنتهي بالانفصال أو الجمود العاطفي أو ما يعرف بالطلاق الصامت، وهذا جرس إنذار بأن السخرية من البدينة تقود إلى خراب أسري.

المفارقة، أن الزوج البدين خارج حسابات النقد وبعيد عن بنود مقاييس الجمال، ويعطيه المجتمع الحق في زيادة الوزن بذريعة أن الفحولة ليست بالشكل أو المظهر، بل بقوة الشخصية وتحمل المسؤولية وهناك من يعتبر سمنة بطن الرجل من شيم الرجولة، بينما يحدث العكس تماما مع الزوجة البدينة التي تُخيّر أحيانا بين نقص الوزن أو حمل لقب مطلقة أو تصبح زوجة ثانية.

ويتفق متخصصون في العلاقات الزوجية على أن النقاش التمييزي لسمنة النساء يهدد منظومة الزواج ويجعل مقاييس العلاقة بين الرجل والمرأة مختلة، ويجب أن يقتنع الزوج بأن علاقته بامرأته أبعد ما تكون عن رشاقة الجسد بقدر ما ترتبط بالتعامل معها كصديقة وأم وشريكة حياة وليست عارضة أزياء، وهذا ما يجب تقديمه توعويا بأن الرشاقة تكمن في الروح والوفاء والعطاء.

15