منطقة الشرق الأوسط على صفيح ساخن

القضاء على الوجود الإيراني وأذرعه في المنطقة يعني أن تعيش المنطقة بأمان، ولكن هذا ليس من ضمن سياسات الولايات المتحدة التي تسعى دائمًا إلى إبقاء منطقتنا العربية على صفيحٍ ساخن.
الاثنين 2025/05/26
ترامب يعي مخططات نتنياهو جيدًا

ما زال المد والجزر حول ما يدور في منطقة الشرق الأوسط سيد الموقف، فهناك ملفات كثيرة عالقة بحاجة إلى حلحلتها وتفكيكها، وعلى رأس هذه الملفات القضية الفلسطينية والسورية، إضافةً إلى ما يجري في ليبيا والسودان، والموقف من إيران ومشروعها النووي. جاءت زيارة ترامب الأخيرة إلى المنطقة بهدف إقامة مشاريع اقتصادية وتعزيز الاستثمار المتبادل بين الولايات المتحدة ودول الخليج والسعودية، الذين اشترطوا مجتمعين تحقيق حلّ دولي ووقف الحرب في غزة. لا يمكن الجزم بأن الزيارة نجحت بنسبة مئة في المئة كما يظن البعض، لكنها قد تمهّد لحلول قادمة في المنطقة. ومع ذلك، ما زال خيار الحرب والمواجهة مع إيران قائمًا حتى اللحظة، وإن كان بوتيرة منخفضة.

الجولات المكوكية التفاوضية بين طهران وواشنطن مستمرة، وما دامت إسرائيل غير راضية عن المحادثات بين الولايات المتحدة وإيران، فهذا يعني أن إسرائيل ستبقى تلحّ بقوة على ضرب المفاعلات النووية الإيرانية. الحقيقة أن إيران من المستحيل عليها الإقدام على مواجهة الولايات المتحدة عسكريًا، خاصةً أنها تدرك أن المواجهة معها تعني الصدام مع إسرائيل وأوروبا أيضًا، ولهذا فهي تحاول قدر الإمكان الوصول إلى حلّ عبر القنوات الدبلوماسية.

بعد دحر حزب الله، وضعضعة قوته، وانهيار حكم بشار الأسد في سوريا، وما يجري في غزة من ملاحقة حماس، باتت إيران محاصرة في الزاوية، وتحاول قدر الإمكان لملمة جراحها بأي ثمن، بمعنى أنها تسعى للخروج بنصرٍ ولو شكلي، لكي تبقى مهيمنة على دول الجوار. المشروع الإيراني الذي تناولناه في مقالات سابقة يهدف إلى بسط النفوذ الإيراني في المنطقة ونشر التشيّع، وهو جزء من برنامج طويل تبنّته إيران منذ سنوات، ولذلك فإن الاستغناء عنه أو التنازل عنه ليس أمرًا سهلاً. لهذا السبب تحاول إيران قدر الإمكان البقاء في المنطقة كقوة مؤثرة من خلال أذرعها، إلا أن ما حدث لها في سوريا ولبنان وفلسطين أجبرها على البحث عن بدائل أخرى، عبر التفاوض مع أميركا وإطالة أمد المفاوضات لأطول مدة ممكنة، حتى تكسب الوقت وتعيد ترتيب أوضاعها ولملمة أوراقها.

◄ من المستبعد حدوث مواجهة عسكرية بين أميركا وإيران في المدى المنظور وحتى المتوسط، ولهذا ستواصل الولايات المتحدة إشغال المنطقة بملف إيران النووي

هذا الواقع فرض على الولايات المتحدة، في عهد إدارة بايدن، موقفًا مختلفًا عمّا أراده ترامب. كانت الإدارة السابقة ترغب في أن تكون إيران قوة نووية مسؤولة وسلمية، وألّا تستخدم قدراتها النووية في تهديد أي طرف، بينما تريد إيران أن تصبح قوة نووية بأي ثمن، حتى لو لم تكن بحاجة فعلية إلى إنتاج الطاقة النووية، لأنها تعتقد أن مجرد الحصول على مرتبة “دولة نووية” سيمنحها نفوذًا إقليميًا ودوليًا.

الإستراتيجية الإيرانية في فترة بايدن تشبه إلى حدٍّ بعيد إستراتيجية الملالي إبان رئاسة أوباما، فهي تعتمد على معادلة بسيطة: طالما واشنطن تسعى إلى تحقيق الاتفاق النووي، فإنها لن تضرب طهران، وهو ما تستغله الأخيرة لتحقيق كل أهدافها غير النووية، حيث تعد بالالتزام بالاتفاق لكنها تناور به لتكسب أطول وقت ممكن.

بعد أحداث السابع من أكتوبر أصبحت الورقة الوحيدة بيد طهران هي الورقة الحوثية، ولكن إلى أي مدى يمكن أن تصمد هذه الورقة؟ لا يبدو أن هناك قرارًا حازمًا من الولايات المتحدة لتصفية قيادة الحوثيين حتى اللحظة، كما حصل لقيادات حماس في غزة وخارجها، وكما حصل أيضًا لحزب الله. ربما تمتلك أميركا حساباتها الخاصة، لكن ما يتردد على ألسنة البعض بأن ترامب استسلم للحوثيين وعقد صفقة معهم لحماية سفنه من ضرباتهم، هو مجرد جزء بسيط مما يفكر به ترامب. فالقضاء على الوجود الإيراني وأذرعه في المنطقة يعني أن تعيش المنطقة بأمان، ولكن هذا ليس ضمن سياسات الولايات المتحدة، التي تسعى دائمًا إلى إبقاء منطقتنا العربية على صفيحٍ ساخن، خدمةً لمصالحها.

من المستبعد حدوث مواجهة عسكرية بين أميركا وإيران في المدى المنظور وحتى المتوسط، ولهذا ستواصل الولايات المتحدة إشغال المنطقة بملف إيران النووي. وفي المقابل، فإن طهران لن تقدم على إنتاج قنبلتها النووية في الوقت الحالي. أما محاولة إسرائيل جرّ الولايات المتحدة إلى حرب مع إيران فهي أمرٌ مستبعد، فترامب يعي مخططات نتنياهو جيدًا، ويبدو أنه فوّت عليه الفرصة، وهو ما صرّح به علنًا.

9