تسليم قطاعات خدمية حيوية للمستثمرين الخواص يثير مخاوف المصريين

القاهرة- عمقت الحكومة المصرية مخاوف شريحة كبيرة من المواطنين بالتوسع في الانسحاب التدريجي من إدارة وتشغيل مؤسسات خدمية حيوية لصالح القطاع الخاص، دون أن توضح الخطط التي ترمي إليها بما لا يجعل البسطاء يشعرون بتركهم لمجموعة من المستثمرين قبل أن تتخذ إجراءات تكفل حمايتهم مستقبلا.
وتزامنت المخاوف مع إعلان مجلس النواب بدء مناقشة مشروع قانون تنظيم مرفق مياه الشرب، والذي يسمح بوجود مشاركة مع القطاع الخاص في إدارة وتشغيل بعض قطاعاته، وسط تحفظ بعض الأحزاب على نصوص قانون يضاعف الأعباء المعيشية ولم يضع حدًا لعدم زيادة فواتير مياه الشرب ويضمن عدم تحريك أسعار الخدمة.
وقال حزب الوعي (مستقل) في بيان له إن بعض نصوص مشروع قانون مياه الشرب تمهد لاعتماد تعريفة اقتصادية بلا مراعاة لمحدودي الدخل، ويجب عدم فرض أعباء جديدة تزيد من الصعوبات المعيشية، لأن التعامل بمنطق السوق مع القطاعات الخدمية من المهم أن يستند إلى رؤية اجتماعية عادلة تضع المواطن في قلب أولويات الدولة.

طلعت خليل: التخارج غير المنضبط من بعض القطاعات الخدمية يقود إلى نتائج سلبية
وتزامن التوجه الحكومي نحو الانسحاب التدريجي من مرفق مياه الشرب، مع الإعلان بشكل رسمي عن طرح المدارس الفنية على القطاع الخاص لإدارتها وتشغيلها، رغم أن أغلب المنتسبين إليها ينتمون لأسر بسيطة ومتوسطة، ما قوبل بامتعاض شعبي وتذمر وخوف، فالحكومة لم تفسر موقفها وفهم بداية لخصخصة المدارس الحكومية.
ومرر مجلس النواب مؤخرا قانون تأجير المستشفيات العمومية، وسط تحفظ شعبي وحقوقي، باعتبار أن الخطوة تزيد الأعباء على المواطنين في ملف حيوي، لكن وزارة الصحة بدأت في تفعيل القانون بعد المصادقة عليه، وأصبح حضورها في أهم القطاعات الخدمية مثل التعليم والصحة ومياه الشرب إشرافيا فقط.
وترى دوائر سياسية في القاهرة أن معضلة الحكومة وهي تكرس الاعتماد على القطاع الخاص في قطاعات خدمية – شعبية، لا تكترث لنبض الشارع أو تقدم إجابات مقنعة وضمانات تؤكد أنها جادة في حماية محدودي الدخل من الغلاء، مع أنها تسعى لتوسيع مظلة الحماية الاجتماعية وتخصص مبالغ مالية ضخمة لتوفير حياة كريمة لهم.
ولا تخلو الخطوة من اتجاه الحكومة إلى تقليل فاتورة الدعم الموجه لقطاعات خدمية، لكن الظرف السياسي يفرض المزيد من الحنكة، ولو كان القطاع العام يشكو بيروقراطية وروتينا وفسادا إداريا، فمقابل القضاء على تلك السلوكيات المستفزة تم فرض أعباء على المواطنين، لأن المستثمر لن يدير قطاعا خدميا بلا ربح مادي.
ويُؤخذ على بعض الوزارات المتداخلة مع قطاعات خدمية بمشاركة القطاع الخاص، أنها عنيدة في إدارة العلاقة مع الناس وترفض الحوار معهم وإخبارهم بالخطط المنتظر تطبيقها، ولو كانت صحيحة وتجلب منافع لهم، وتوحي طريقة تقديمها إلى المواطنين بأن الحكومة تتآمر عليهم وتتلاعب بهم بطرق ملتوية.
جزء من المشكلة أن التحركات الحكومية المتسارعة لتعزيز مشاركة القطاع الخاص ترتبط بمؤسسات يتعامل معها مصريون كملكية شعبية، وترقى لتكون محاطة بخطوط حمراء ولا يجوز الاقتراب منها، مثل المدارس والمستشفيات ومحطات مياه الشرب والصرف الصحي والسكك الحديد والنقل العام، وفي كل مرة تكون حجة الحكومة هي النهوض بكل هذه القطاعات.
ما يُؤخذ على بعض الوزارات أنها ترفض الحوار مع الناس وإخبارهم بالخطط المنتظر تطبيقها، ولو كانت صحيحة وتجلب منافع لهم
ورغم نفي الحكومة وجود توجه نحو خصخصة الخدمات تماما، وتأكيدها أن إشراك المستثمرين في إدارة وتشغيل بعضها يستهدف تحسين الخدمة، لكن بعض المصريين يتعاملون مع الأمر على أنه محاولة لتخديرهم إلى حين تمرير المخطط ومشروعات القوانين بلا منغصات سياسية، لأن دخول القطاع الخاص طرفا أصيلا في إدارة أيّ مرفق حيوي يمهد لزيادة الأعباء المالية على الناس، وخفض فاتورة الدعم.
وهناك قطاعات خدمية، مثل التعليم الفني، تحتاج إلى عقلية القطاع الخاص لإدارتها وفق متطلبات سوق العمل، وثمة سرقات في قطاع حيوي مثل مياه الشرب أخفقت الحكومة في وضع حد لها، لكن المعضلة في آلية إقناع الناس بالخطوة وتغيير ثقافة التعامل مع المستثمرين، من مجرد كونهم يبحثون عن التربح إلى أن لديهم طريقة في حوكمة الخدمات بمقابل مادي لا يشكل عبئا على متلقي الخدمة.

حزب الوعي: بعض نصوص مشروع قانون مياه الشرب تمهد لاعتماد تعريفة اقتصادية بلا مراعاة لمحدودي الدخل
كما أن أيّ خطوة تقود لانسحاب الحكومة من قطاع حيوي أو مرفق خدمي، طبيعي أن تقود إلى امتعاض شعبي، سواء تحملت الدولة تعويض القطاع الخاص بنفسها، أو استقطعت مقابل الإدارة والتشغيل من أموال الدعم الذي تقدمه للمرفق، فالمواطن في الحالتين يجد نفسه محمّلا بأعباء، في وقت تمر فيه البلاد بأزمة اقتصادية معقدة وظروف معيشية صعبة تفرض على الحكومة تأجيل أيّ خطوة مرتبطة بانسحابها، مقابل تسليم قطاعات حيوية إلى مستثمرين.
وتدافع دوائر رسمية بأن الكثير من البُنى التحتية في المرافق الحيوية تعاني من تهالك بسبب سوء الإدارة والتخطيط على مدار سنوات مضت، وغياب الرقابة والمحاسبة، وهي مبررات كافية للتعامل بشكل عصري مع القطاعات الخدمية وتسليمها إلى مستثمر خاص يملك أدوات إدارة وتشغيل بشكلٍ احترافي لتحسين وتطوير الأداء.
وأكد أمين عام حزب المحافظين طلعت خليل (معارض) أن التخارج غير المنضبط من بعض القطاعات الخدمية يقود إلى نتائج سلبية، فلا توجد ضمانات لوضع تسعيرة منطقية في ظل أزمة معيشية تفرض توفير مظلة حماية للفقراء، وهناك قطاعات لا يجوز فيها تطبيق أيّ من ملامح الخصخصة حفاظا على الأمن الاجتماعي.
وأضاف لـ”العرب” أن الحكومة ترفض إطلاق مصطلح الخصخصة عند الاستعانة بالقطاع الخاص في ملفات مثل مياه الشرب والتعليم والصحة، لكن دخول المستثمرين في هذه القطاعات، بالإدارة أو التشغيل، من الطبيعي أن يثير مخاوف وشكوكا في قدرات الحكومة، وعليها أن تدرك حجم التداعيات السلبية لتلك التوجهات.
وربما تحمل الرغبة لإفساح الطريق أمام القطاع الخاص وجود توجه صارم لتصويب مسار الدعم الذي تعرضت بسببه الحكومة لانتقادات من خبراء ومؤسسات تمويل دولية، بأنها أخفقت في إدارة ملف الدعم، لوجود فئات لا تستحق الاستفادة وتعتمد على الترهل الإداري والثغرات القانونية وبيروقراطية الجهاز الحكومي، لكن القطاع الخاص لديه أدوات منضبطة وليس شرطا أن يتربح من جيوب الناس بقدر ما قد يجني مكاسبه من تطوير الخدمة ووقف التلاعب.
ويفرض الجدل حول مستقبل القطاعات الخدمية أن تتحرك الحكومة المصرية لتوضيح الحقائق، بلا تجاهل للشارع، لأن الصمت المبالغ فيه حول قضايا جماهيرية يمنح خصوم النظام فرصة ثمينة لتأليب الرأي العام، مهما كانت نوايا الحكومة، ومن المهم تأمين حياة من يمثلون الظهير الشعبي للسلطة وقت التحديات.