هل ترامب في عجلة من أمره

المشهد يعكس اصطدام ترامب بعالم متقلب الأطوار حيث تتغير الحسابات السياسية باستمرار كما أن تبدل إستراتيجياته السياسية أصبح سمة واضحة حتى لو كان التنبؤ بذلك أمرا بالغ الصعوبة أحيانا.
الجمعة 2025/05/23
الحرب والاستثمار لا يلتقيان أبدا

في وقت سابق، أكد الرئيس الأميركي دونالد ترامب أنه “ليس في عجلة من أمره” لتنفيذ مقترحه الخاص بتولي الولايات المتحدة إدارة قطاع غزة، ونقل سكانه إلى دول أخرى لتنفيذ مشاريع عقارية فيه. فرغم ما صرّح به الرئيس الأميركي حول نيته عدم الاستعجال في فرض أمر واقع في غزة وفق رؤيته، ذهب الكثيرون إلى أبعد ممّا يرسمه ترامب، حيث رأى البعض أن الرئيس اصطدم برفض عربي جامع تجاه خطته الاستثمارية في غزة. ومع ذلك، لا تزال غزة حاضرة في مخيلة ترامب، الذي ينظر إليها كمشروع اقتصادي بحت.

طبيعة ترامب مختلفة عن أيّ رئيس أميركي سابق، فهو رغم تأجيله الحسم النهائي في ملف قطاع غزة، يحمل في جعبته العديد من القضايا العالقة التي لا تزال تشغل تفكيره، إذ يسعى إلى تسويتها سريعا. ربما يكون عامل الزمن هو السبب وراء هذا التوجه، فطبيعة ترامب العجولة تدفعه إلى محاولة تحقيق إنجازات تاريخية خلال فترة أربع سنوات فقط، وهو ما يعتبره غير كافٍ لإحداث تغيير جذري يُخلِّده في التاريخ. لهذا السبب، يحاول قدر الإمكان إنجاز مشاريعه في مدة وجيزة.

إذا أضفنا سببا آخر، وهو سعي ترامب لتسوية القضايا التي يعتبرها عالقة، فسنجد أن لديه نهجا عمليا في التعامل معها، حيث يعمل بنشاطٍ مكثف يشبه خلية نحل من أجل إنجازها. على سبيل المثال، يهدف إلى محاصرة الصين اقتصاديا، ولهذا عندما اندلعت الحرب الأخيرة بين الهند وباكستان، سرعان ما تدخل وفصل بينهما، لأن استمرار النزاع كان سيعني تشتيته عن تحقيق وعوده للناخب الأميركي. بالإضافة إلى ذلك، يواجه ترامب ملفات تزعجه مثل الصراع الروسي – الأوكراني، وزاد الأمر تعقيدا بما يحدث على الحدود مع الصين، إذ تدرك بكين أن انشغال واشنطن في فض النزاع بين باكستان والهند يخدم مصالحها.

◄ ستظل السياسة الأميركية في الشرق الأوسط قائمة على الضغط على الخصوم وتوسيع دائرة التحالفات، مع محاولة تحقيق الاستقرار السياسي والأمني في المنطقة، وفق رؤى ترامب التي تتداخل فيها المصالح الاقتصادية مع التوجهات السياسية

عندما تولى ترامب رئاسته الثانية، كان العالم في وضع أكثر اضطرابا، مع حروب مشتعلة في كل مكان، ما يجعل فرص الاستثمار صعبة المنال. فهو يؤمن بأن الحروب والاستثمار لا يلتقيان أبدا، ولهذا جاء ترامب وفي جعبته الاقتصاد والاقتصاد فقط، بعيدا عن خوض الحروب أو دعم طرف ضد آخر. لقد كرّر مرارا أنه لو كان رئيسا للولايات المتحدة خلال الفترة السابقة، لما اندلعت الحرب بين روسيا وأوكرانيا، ولما وقعت أحداث السابع من أكتوبر. هذا التصريح يعكس رؤيته القائمة على أن السلم هو أساسٌ صلب لإقامة المشاريع دون معوقات، ما يؤدي في النهاية إلى تقوية الاقتصاد الأميركي وتعزيز هيمنته عالميا.

من هذا المنظور، تبدو الحلول التي يحملها ترامب لتسوية النزاعات الدولية غير متوافقة مع جميع الأطراف. فهو يريد إنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا على حساب أوكرانيا، كما يسعى إلى إنهاء الحرب في غزة بعيدا عن الحل العادل للقضية الفلسطينية. نتيجة لذلك، يجد ترامب نفسه أمام معضلة حقيقية، إذ يحاول فرض السلام والتسويات السياسية بالقوة، وهو نهج غير مجدٍ وغير عملي، إذ أنه في النهاية سيصطدم بواقع معقد يجعل من الصعب حل أيّ قضية دون أن يكون الحل قائما على العدل والإنصاف.

المشهد يعكس اصطدام ترامب بعالم متقلب الأطوار، حيث تتغير الحسابات السياسية باستمرار، كما أن تبدل إستراتيجياته السياسية أصبح سمة واضحة، حتى لو كان التنبؤ بذلك أمرا بالغ الصعوبة. فقد شهدت ولايته الرئاسية الأولى تقلبات سياسية صادمة أذهلت الجميع، ووصل الأمر إلى حد تهديده بتمزيق معاهدات دولية كانت لسنوات طويلة تشكل حجر الزاوية في السياسة الأميركية.

ورغم أن ترامب يحمل رؤى اقتصادية واضحة وينادي بالسلم ويؤكد رفضه للحروب، إلا أنه لا يزال يؤمن بضرورة وجود عسكري أميركي في المناطق الإستراتيجية بهدف مكافحة الإرهاب، مع تعزيز قدرات الدول الحليفة في مواجهة التهديدات الإرهابية المتزايدة. في هذا الإطار، يعتمد على التعاون الوثيق مع الحكومات المحلية في المنطقة لتنفيذ عمليات مكافحة الإرهاب على الأرض، فضلا عن تعزيز الأمن السيبراني لمواجهة الأنشطة الإرهابية عبر الإنترنت.

لذلك، ستظل السياسة الأميركية في الشرق الأوسط قائمة على الضغط على الخصوم وتوسيع دائرة التحالفات، مع محاولة تحقيق الاستقرار السياسي والأمني في المنطقة، وفق رؤى ترامب التي تتداخل فيها المصالح الاقتصادية مع التوجهات السياسية.

9