هيثم الزبيدي: إرث صحفي ومسيرة لا تنتهي

أسرة “العرب” فقدت أحد أعمدتها البارزة، الدكتور هيثم الزبيدي، الذي سار على خطى المؤسس أحمد الصالحين الهوني، وساهم في تعزيز مكانة الصحيفة وجذب القراء إليها. لا يسعني إلا أن أتقدم بخالص العزاء للعاملين في الصحيفة على هذا الفقدان الجلل. لقد أثرى الزبيدي عقولنا بثروة هائلة من معرفته الفكرية والسياسية، وكان متابعوه يعتبرونه محررًا مسؤولًا ملمًّا بالقضايا المحلية والدولية على حد السواء.
منذ أن بدأت مطالعة الصحف قبل ثلاثة عقود، وقعت عيني على صحيفة “العرب” الدولية، التي تأسست في المهجر وكانت صوت العرب، تعبر عن آمالهم وآلامهم، وتحمل همّ القضية الفلسطينية وغيرها من القضايا العربية. تحت قيادة الهوني ثم الزبيدي، أصبحت الصحيفة منصة فكرية شاملة تغطي مختلف المستجدات، ما أكسبها اهتمامًا واسعًا وقبولًا جماهيريًا. لقد نجحت في صقل شخصية القارئ في مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهذا هو سر نجاحها في حمل مسؤولية النهوض بالأمة.
صحيفة "العرب" الدولية استطاعت أن تسد فراغًا كبيرًا بالنسبة إلى المهاجرين الذين غادروا العالم العربي قبل ثورة المعلومات، حيث كانت الصحافة المطبوعة هي الوسيلة الوحيدة للوصول إلى الأخبار والتحليلات
واجهت الصحيفة تحديات كبيرة، كما يحدث لأي مؤسسة إعلامية، لكن الإرادة الصلبة والنية الصادقة مكّنتاها من تجاوز الأزمات، ومنها الأزمة خلال فترة كورونا وما بعدها. صحيح أن “العرب” فقدت أحد رموزها، لكن هذا لا يعني نهاية المسيرة، فهناك من سيحمل الراية بعد الدكتور الزبيدي، وستظل أعماله شاهدة على دوره المؤثر في النهوض بالصحيفة.
المستقبل بعد رحيل الزبيدي ليس موضعًا للتخمين، فهناك أسس واضحة أرساها الهوني، وسار على نهجها الزبيدي، ومن سيواصل المسيرة بلا شك سيحافظ عليها. الإعلام يبقى ركيزة أساسية في بناء المجتمعات، فهو نافذة تُطل على العالم، تنقل المعرفة والثقافة، وتؤثر في سلوك الأفراد والمجتمعات. إن دوره يتجاوز نقل الأخبار ليصبح منصة للتواصل، وتحقيق التفاهم، ومعالجة القضايا المهمة التي تواجه المجتمع.
لكن الأهم من ذلك أن صحيفة “العرب” الدولية استطاعت أن تسد فراغًا كبيرًا بالنسبة إلى المهاجرين الذين غادروا العالم العربي قبل ثورة المعلومات، حيث كانت الصحافة المطبوعة هي الوسيلة الوحيدة للوصول إلى الأخبار والتحليلات. ورغم انتشار الإعلام الرقمي، إلا أن الصحافة الورقية والإلكترونية لم تفقد قدرتها على تشكيل الرأي العام والتأثير في المجتمع. لقد تميزت “العرب” بتغطيتها العميقة للقضايا العربية، ما أكسبها انتشارًا واسعًا مقارنة بالصحف العربية الأخرى في المهجر، وكانت من أوائل الصحف التي نجحت في إثبات حضورها دوليًا.
نحن ككتّاب وقراء في صحيفة “العرب”، نتطلع إلى أن تبقى كما عهدناها منذ تأسيسها وحتى اليوم. مرة أخرى، أجدد عزائي لأسرة “العرب” الدولية، وأسأل الله الرحمة للفقيد، وطول البقاء للصحيفة.