الأحزاب المصرية تتمسك بإشراف القضاء على الانتخابات

الحكومة مضطرة لتقديم ضمانات سياسية وقانونية لتأكيد النزاهة.
الأحد 2025/05/18
من يضمن نزاهة الانتخابات

المعارضة المصرية لا تثق بحياد الإدارة في الإشراف على الانتخابات. وبعد أن طالبت بعض القوى خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة بوجود إشراف دولي ما قاد إلى غضب واسع ضدها، تعود الآن للمطالبة بإشراف القضاء ما يؤكد وجود شرخ كبير بينها وبين الإدارة.

القاهرة - ضاعف تمسك الكثير من الأحزاب السياسية في مصر بإجراء انتخابات البرلمان المقبلة تحت إشراف قضائي كامل من الضغوط المفروضة على الحكومة التي تؤكد وجود ممانعات دستورية تحول دون إشراف القضاء على الاقتراع والفرز، وسط مطالبات بإقرار تشريعات جديدة للاستحقاق الانتخابي، بما لا يتعارض مع الدستور، وتضمن عقد انتخابات نزيهة وبعيدة عن شبهات التزوير.

وكان لافتا أن الأحزاب التي تتمسك بالإشراف القضائي من الداعمين للحكومة، مثل الجبهة الوطنية وحماة الوطن والجيل، في رسالة لقوى المعارضة فحواها أن البحث عن نزاهة الانتخابات هدف لأحزاب الموالاة قبل أن يكون مطلبا للمعارضة، ما وضع الحكومة في موقف صعب، خوفا من أن يكون غياب القضاء سببا في أزمة سياسية.

وحددت المادة 210 من الدستور المصري الذي بدأ العمل به في يناير عام 2014، عشر سنوات تالية لتاريخ العمل بالدستور، تُجرى فيها الانتخابات والاستفتاءات تحت إشراف قضائي كامل، ما يعني أن انتخابات مجلسي الشيوخ والنواب من المفترض أن تُعقد دون إشراف قضائي، لانتهاء مدة العمل به دستوريا في يناير من 2024 بعد انقضاء عشر سنوات، لكن الأحزاب ترفض الاستسلام أمام تلك الوضعية.

إيهاب الخراط: هناك ضرورة ملحة للتفاعل مع شواغل الشارع والأحزاب بشأن الانتخابات
إيهاب الخراط: هناك ضرورة ملحة للتفاعل مع شواغل الشارع والأحزاب بشأن الانتخابات

وقال حزب حماة الوطن إنه لا بديل عن الإشراف القضائي على الانتخابات لضمان نزاهتها، لأن وجود أعضاء الهيئات القضائية أهم عنصر رقابي وإشرافي على عمليات الاقتراع والفرز وكل ما يرتبط بالانتخابات، ويحقق الشفافية والعدالة بين الأحزاب المتنافسة، ويحول دون الشك في نزاهة العملية الانتخابية، وهو نفس المبرر الذي تستند إليه أحزاب معارضة رهنت قرار خوض الانتخابات بتأكيد نزاهتها.

ومن غير المتوقع أن تتجاهل الحكومة المطالب بنزاهة الانتخابات، لكنها تترك تلك المهمة إلى مجلسي الشيوخ والنواب لإجراء تعديلات تشريعية تضمن الإشراف القضائي على الانتخابات بما لا يتعارض مع نصوص الدستور، خاصة وأن هذا الطلب جاء من قوى سياسية شاركت في الحوار الوطني ورفعت توصياتها إلى الرئيس عبدالفتاح السيسي، والتي أحالها إلى مجلس الوزراء.

وتخضع العملية الانتخابية، تنظيميا وإداريا، إلى الهيئة الوطنية للانتخابات، التي يتيح لها القانون الاستعانة بمن تراه من أعضاء الهيئات القضائية، النيابة الإدارية وهيئة قضايا الدولة، وإذا كان العدد غير كاف يحق لها انتداب قضاة بشكل مؤقت من باقي الهيئات القضائية، خاصة أن ضيق الوقت لا يسمح بتدريب كوادر إدارية على تنظيم عملية الانتخابات والإشراف عليها، كما أن الأحزاب نفسها لن تتقبل تلك الصيغة.

وأكد النائب الأول لرئيس الحزب المصري الديمقراطي إيهاب الخراط لـ”العرب” أن وجود هيئة الانتخابات كجهة قضائية تنظيمية لا يعرقل الإشراف القضائي، لكن المهم أن تؤمن الحكومة بأن الانتخابات اقتربت ولم تنته بعد من القوانين المنظمة لها، وهذا في حد ذاته يفقد الانتخابات الكثير من الزخم والمصداقية، فتأخر صدور القوانين أمر مثير للريبة حول إمكانية وضع نصوص تشريعية جديدة.

ومن المقرر إجراء انتخابات مجلس الشيوخ في أغسطس ومجلس النواب في نوفمبر المقبلين، ونصوص الدستور تقضي بانعقادها قبل 60 يوما من انتهاء مدة المجلسين، ولم يناقش البرلمان القوانين المنظمة للانتخابات وشكل النظام الانتخابي حتى الآن. ويشجع الإشراف القضائي على الانتخابات على المشاركة، ويطمئن الناخبين أن أصواتهم في أيدٍ أمينة دون تشكيك في الاقتراع والفرز، وتلك الخطوة من شأنها تفويت الفرصة على أيّ اتهامات من قوى مناوئة للنظام تدّعي التزوير بغرض هيمنة أحزاب السلطة على البرلمان المقبل، ما يفرض البحث عن مخرج يسمح بالإشراف القضائي.

وقادت مطالبة بعض قوى المعارضة خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة بوجود إشراف دولي عليها إلى غضب واسع، ولا ترغب السلطة في ترديد نفس النغمة مع الانتخابات التشريعية، وحينها استجاب السيسي لمقترح الحوار الوطني بوجود إشراف قضائي على انتخابات الرئاسة لنزع فتيل أزمة الإشراف الدولي.

وتُدرك الحكومة أن الانتخابات البرلمانية ليست في حاجة إلى التلاعب فيها لصالح الأحزاب القريبة منها، لضعف شعبية المعارضة وميل الناخبين إلى التصويت للمرشحين التابعين لأحزاب قوية، اعتمادا على أنهم قادرون على جلب خدمات شخصية وعامة بشكل أسهل، استنادا إلى علاقاتهم بدوائر صناعة القرار، ونفوذهم المالي والعائلي، على عكس مرشحي المعارضة، لكن الفكرة في هندسة الانتخابات دون التشكيك فيها.

◙ لا بديل عن الإشراف القضائي على الانتخابات لضمان نزاهتها، ووجود أعضاء الهيئات القضائية أهم عنصر رقابي

وقال إيهاب الخراط لـ”العرب” إن هناك ضرورة ملحة للتفاعل مع شواغل الشارع والأحزاب بشأن الانتخابات، ومنح حرية التحرك أمام القوى المختلفة بلا قيود على الحريات، لأن ذلك جزء أساسي من إضفاء المصداقية على الاستحقاق الانتخابي.

ويشير مراقبون إلى تعاطي الحكومة بمرونة سياسية غير معتادة كي تضمن تجاوب قوى المعارضة مع الانتخابات المقبلة بشكل أكبر، وهي مدفوعة بتوافر شبكة أمان قضائية لا تخضع لتدخلات فوقية أو يتم توجيهها من أيّ طرف، وهذا قد يكون كافيا، لأن المعارضة يعنيها في المقام الأول توفير أجواء مناسبة للمنافسة وإن كانت مقتنعة بأنها لن تكون قادرة على حجز عدد كبير من المقاعد في البرلمان المقبل.

ويسعى النظام في مصر ليخطو بشكل أسرع نحو طمأنة قوى المعارضة على نزاهة الانتخابات، ووقف تسريبات تخرج من صفوفها على أن بعض الأحزاب تدرس عدم المشاركة في ما تعتبره مسرحية سياسية، دون اكتراث بأن الرئيس السيسي نفسه ليس راضيا عن ندرة النواب المعارضين داخل البرلمان ويريد أن تكون الجهة التشريعية حاضنة لكل الألوان السياسية لإحداث تنوع على أرضية وطنية.

وتدعم دوائر فاعلة داخل السلطة تلك الفكرة، حيث تقتنع أن سيطرة مقربين منها على مجلس النواب لا تستلزم الفوز هذه المرة بنسبة طاغية في ظل أزمات اقتصادية وظروف معيشية قاسية، ويجب أن يشعر المواطنون أنهم أصحاب قرار في اختيار من يمثلونهم بالبرلمان، رغم أن أغلب المؤشرات توحي أن الأحزاب المتناغمة مع السلطة ستكون لها الغلبة، مهما كانت صرامة الرقابة والإشراف القضائي الكامل.

3