هل سقطت ورقة نتنياهو السياسية

هناك خلاف بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بسبب رفض الأخير إبرام صفقة وقف الحرب في غزة، حيث تم تسريب معلومات من أحد المقربين من ترامب تفيد بأن الرئيس الأميركي قرر قطع الاتصال مع نتنياهو، متهما إياه بالتلاعب به، وهو الأمر الذي يثير غضب ترامب، الذي لا يحب أن يظهر كشخص يتم التلاعب به.
ورغم أن كليهما يشترك في الهدف الأساسي المتمثل في مواجهة التهديد الإيراني، إلا أن الاختلافات الجوهرية حول الوسيلة تجعل العلاقة بينهما أكثر تعقيدا من أيّ وقت مضى. ففي حين أن نتنياهو يرى أن الحل النهائي يكمن في الحرب الشاملة ضد إيران وأذرعها، بما فيها حزب الله وحماس، فإن ترامب يؤمن بأن المفاوضات والضغوط الاقتصادية هي السبيل الأمثل لتحقيق الأهداف الإستراتيجية، حتى وإن انطوى ذلك على بعض المجازفات السياسية.
ورغم الخلافات، فالعلاقات الأميركية – الإسرائيلية لا تزال قوية. صحيح أن حدة الخلافات تتصاعد بين ترامب ونتنياهو، لكن هذا لا يعني قطيعة سياسية أو انفصالا نهائيا، إذ يسعى ترامب إلى فرض شروطه وقراراته على إسرائيل دون اعتراض أو مماطلة من نتنياهو. كلاهما مجتمع على إنهاء طموح إيران النووي وإنهاء وجود حماس في غزة، والمضي قدما نحو إعادة ترتيب خارطة الشرق الأوسط، كما صرح نتنياهو عندما قال “لقد غيرنا خارطة الشرق الأوسط.”
ولا يبدو أن هذا التصريح مجرد كلام سياسي، إذ إن إعادة ترتيب المنطقة تسير وفق مخططات قديمة تعود إلى زمن الانتداب الفرنسي. فحتى الأحداث الأخيرة في درعا، من مواجهات بين الدروز والأمن السوري، تشير إلى دور إسرائيلي في تأجيج هذه الصراعات، رغم أن المواجهات قد هدأت مؤقتا، إلا أن ذلك لا يعني أن الأمور مستقرة بشكل نهائي.
◄ في ظل هذه المعطيات، يبدو أن نفوذ نتنياهو داخل إسرائيل بدأ يتضاءل، فقد أصبح أداة بيد الصهيونية الدينية، وهو ما ترفضه المعارضة الإسرائيلية
وفي الداخل الإسرائيلي، نتنياهو يتعرض لضغوط سياسية كبيرة بسبب المظاهرات المستمرة المطالبة بـإبرام صفقة عاجلة لتحرير الرهائن. لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي ليس في عجلة من أمره، فقد منح نفسه مساحة من الوقت لتنفيذ خططه العسكرية، التي تشمل القضاء على حماس، وإعادة احتلال غزة، قبل التفاوض على تحرير الرهائن.
وقد أدى هذا النهج إلى تراجع شعبيته في الأوساط الإسرائيلية، وفقا لاستطلاعات الرأي الأخيرة، حيث يجد التحالف المناهض لنتنياهو أن الأوضاع الداخلية أصبحت مقلقة، خاصة مع تراجع مكانة إسرائيل داخليا وخارجيا، نتيجة الموقف الدولي الرافض لحرب الإبادة في غزة.
تحاول المعارضة الإسرائيلية الضغط على نتنياهو من خلال المظاهرات والمطالبة بإنهاء ملف الأسرى والعودة إلى ما قبل السابع من أكتوبر، لكنه لا يزال مصرا على الاستمرار في مواجهته مع المعارضة، وعلى تنفيذ خططه في غزة والضفة الغربية، والتي تشمل ضم مناطق “ج”، وتقسيم غزة إلى مربعات أمنية، واحتلال المناطق الحيوية في الشمال والوسط والجنوب.
أما في ما يتعلق بالموقف الداخلي، فقد شعرت المعارضة الإسرائيلية، التي تمثل اليسار والوسط، بأن الحرب على غزة تهدد وجودها، كما أن مقاطعة العالم لإسرائيل ورفضه لما يحدث في غزة ساهم في توسيع الفجوة بين إسرائيل والمجتمع الدولي، وهو أمر لا ترغب فيه المعارضة. لذلك تسعى الكتل السياسية المعارضة إلى تقليل الأضرار التي لحقت بإسرائيل خلال الفترة الأخيرة، لكن الجناح المتطرف الحاكم داخل حكومة نتنياهو يقف لها بالمرصاد.
هذا الانقسام السياسي زاد من خطورة تآكل البنية الأساسية التي تقوم عليها إسرائيل، ما يشير إلى أن إسرائيل لم تعد كما كانت في السابق، ولهذا السبب يسعى ترامب إلى إصلاح حليفته من الداخل، وإعادة ترتيب أوراقها حتى لا تفقد نفوذها السياسي. وربما كان هذا أحد الأسباب التي دفعت ترامب إلى مقاطعة نتنياهو واتخاذ قراراته الأخيرة، مثل الاتفاق مع الحوثيين وإيران، في خطوة قد تعكس مخاوفه من أن يقود نتنياهو الولايات المتحدة إلى مواجهة عسكرية مع إيران.
وفي هذا السياق، استحضر البعض تصريحات الرئيس الأميركي السابق جو بايدن، الذي قال في أحد تصريحاته “لو لم تكن إسرائيل موجودة، لكان على الولايات المتحدة أن تخلق إسرائيل لحماية مصالحها،” مشيرا إلى أن مركز ثقل الاحتلال الإسرائيلي يقع في الكونغرس الأميركي، الذي يلعب دورا محوريا في النظام السياسي الأميركي، حيث تهيمن إسرائيل على الأجهزة صاحبة القرار في الولايات المتحدة بشكل شبه كامل، وفقا لبعض المراقبين السياسيين.
أما الكاتب الإسرائيلي أرئيل كهانا فقد صرح بأن “الولايات المتحدة وإسرائيل هما حليفان، ولا يعقل أن ترامب سوف ينسانا، ومن الصعب التصديق أن هذا ما حصل،” مشيرا إلى أن هناك دائما وقت للإصلاح. ورغم تصريح نتنياهو بأنه لن يقبل المساعدات الأميركية المقدرة بحوالي 4 مليارات دولار سنويا، إلا أن ذلك يبدو مجرد تصريحات سياسية غير قابلة للتطبيق.
في ظل هذه المعطيات، يبدو أن نفوذ نتنياهو داخل إسرائيل بدأ يتضاءل، فقد أصبح أداة بيد الصهيونية الدينية، وهو ما ترفضه المعارضة الإسرائيلية، كما أن ترامب بات لا يثق كثيرا بنتنياهو، فوجوده على رأس الحكومة أصبح على المحك، ولا يبدو أنه سيستمر طويلا كرئيس وزراء، إذ يدرك ترامب ومعظم الإسرائيليين حجم خطر نتنياهو على إسرائيل ووجودها.