عقوبات نشر الفتاوى تدفع للصدام بين الصحافيين المصريين والبرلمان

تسبب مشروع قانون تنظيم الفتاوى بمواجهة بين نقابة الصحافيين والبرلمان في مصر، حيث ترفض النقابة وجود عقوبات حبس وغرامة تستهدف أعضاءها في حال النشر، بينما يتمسك البرلمان بالمادة تحسبا من إثارة قضايا أكثر صخبا في الفترة المقبلة.
القاهرة - صادق مجلس النواب المصري بشكل مبدئي على مشروع قانون تنظيم الفتاوى، والذي تضمن مادة خاصة تعاقب بالحبس والغرامة على نشر فتاوى “مضللة وشاذة”، وهو ما رفضته نقابة الصحافيين وطالبت بحذف تلك المادة، حيث اعتبرتها تمهد الطريق لمطاردة بعض أعضائها وتقيد الحريات الإعلامية، ولم يُستجب لطلب النقابة التي دعمت موقفها بنصوص دستورية.
ودافعت الحكومة عن وجهة نظرها ومشروعها المقدم إلى البرلمان بأن المادة الخاصة بالحبس والغرامة في قانون تنظيم الفتاوى لا تستهدف الصحافة والإعلام بشكل مباشر، بقدر ما ترمي إلى ردع انتشار الفتاوى الشاذة، وهي رسالة لم تكن مقنعة لنقابة الصحافيين، وطالبت بإعادة النظر في بعض نصوص مشروع القانون قبل المصادقة عليه بشكل نهائي كي لا يتعرض أعضاء النقابة إلى أذى.
ويمثل دخول نقابة الصحافيين على خط مشروع قانون يلامس قضايا نشر من بعيد، حرصا على منع زيادة القيود على الحريات، كما أن إصرار البرلمان على عدم الاستجابة لمطلبها يحمل توجها رسميا لجس نبض قوة النقابة، وكيف تتعامل مع السلطة بعد إعادة تشكيل مجلسها وفوز النقيب خالد البلشي كصحافي معارض بدورة جديدة لرئاسة المجلس عقب انتخابات ساخنة قبل أيام.
ويبدو رفض مجلس النواب الانصياع لرغبة نقابة الصحافيين محاولة لإظهار القوة أو ما يوصف بـ”العين الحمراء” مبكرا، تحسبا من إثارة قضايا أكثر صخبا الفترة المقبلة، بحيث يتم قياس تبعات تلك الخطوة حاليا لتحديد طريقة التعامل مع النقابة، وربما نقابات مهنية أخرى في أيّ مطالب تطرح مستقبلا وتتعلق بتشريعات مصيرية.
وظهر ذلك في دفاع وزير الشؤون السياسية والبرلمانية محمود فوزي عن مشروع قانون الفتاوى أثناء تعليقه على طلب نقابة الصحافيين حذف مادة الحبس والغرامة، حيث قال إن العقوبة لا تنطبق على جرائم النشر أو العلانية حتى يُطالب البعض بالإلغاء، والبرلمان والحكومة لا يخالفان الدستور وقوانين الإعلام حتى يتم ترديد ذلك.
وقال نقيب الصحافيين خالد البلشي إن العقوبة تحمل مخالفة صريحة لنص الدستور المصري وقانون تنظيم الصحافة والإعلام، لأنها تقيد حرية النشر، ما عقّب عليه وزير الشؤون السياسية بقوله “الدستور وقانون تنظيم الإعلام يُجرّمان التحريض على العنف والتمييز، وأقرّا عقوبات سالبة للحرية في جرائم نشر تحمل تحريضا وعنفا.”
وعبّرت نبرة الحكومة في رفضها مطالب النقابة عن مستوى ضيقها من احتماء أصوات صحفية في حرية الرأي والتعبير للتغطية على تصرفات وسلوكيات تتناقض مع المعايير المهنية، لأنه من غير المقبول تبرير رفض إقرار عقوبات ضد نشر فتاوى شاذة وتحريضية تحث على العنف والتمييز بالتناقض مع حرية الرأي والتعبير والنشر.
ويستهدف مشروع قانون تنظيم الفتاوى أن تكون المؤسسات الدينية وحدها (الأزهر ودار الإفتاء ووزارة الأوقاف) مسؤولة عن إصدار الفتاوى، بعيدا عن اللجوء إلى شخصيات دينية متشددة لأخذ رأيها أو النشر عنها، على أن تكون هناك عقوبات تصل إلى الحبس والغرامة لكل من يمارس الفتوى بلا ترخيص أو تصريح بمزاولة هذا النشاط.
ودافعت نقابة الصحافيين بأن العقوبة يجب أن تكون قاصرة على من أصدر الفتوى دون ترخيص، وليس على الوسيلة الإعلامية التي نشرتها، وهو مبرّر لم يقنع مجلس النواب والحكومة، لأن دور المؤسسات الصحفية والبرامج التلفزيونية أن تعتمد الفتاوى الموثقة الصادرة عن المؤسسات الدينية وعدم المشاركة في فوضى الفتاوى.
وتستند النقابة في مطالبها إلى أن عقوبات مخالفة النشر في بعض القضايا أصبحت تهمة جاهزة تطارد بعض الصحافيين وتكون سببا في حبسهم بذريعة مخالفة القوانين، ويحق لها التدخل لرفض أيّ نص تشريعي مطاط قد يتحول إلى أداة في يد بعض مؤسسات الشرطة والقضاء لتوسيع دائرة حبس الصحافيين في قضايا مرتبطة بالنشر.
وترفض دوائر حكومية استخدام تلك الفزاعة لرفض أيّ تشريع يلامس ملف الرأي والحريات، ولديها حساسية مفرطة ضد ممارسة أيّ ضغط يُمارس عليها من نقابة الصحافيين، أو استثمار بعض القوى للظروف الأمنية والسياسية لرفع سقف المطالب بطريقة قد تحمل قدرا من الابتزاز دون اكتراث بدور النقابة للدفاع عن أعضائها.
يبدو رفض مجلس النواب الانصياع لرغبة نقابة الصحافيين محاولة لإظهار القوة أو ما يوصف بـ"العين الحمراء" مبكرا
ودأب مجلس نقابة الصحافيين الذي يضم عددا من الأعضاء المعارضين والمستقلين على توظيف كل حدث أو مشروع قانون مطروح أمام البرلمان يرتبط بالحريات والحبس على الزج بمخاوف من تقييد حرية النشر والرأي والتعبير، لإدراك النقابة مغبة حدوث انتكاسة جديدة، وعليها المبادرة برفض أيّ قيود، وإن لم يُستجب لها.
ويقول متابعون إن عدم انصياع الحكومة والبرلمان لمطالب النقابة في نصوص نشر الفتاوى يرتبط بالفوضى الإعلامية التي منحت الحكومة فرصة ثمينة لوضع عقوبات تصل إلى الحبس، في ظل استمرار بعض البرامج والصحف والمواقع الإلكترونية تسليط الضوء على فتاوى خطرة تصدر عن شخصيات متشددة.
ويُعاني الإعلام الديني في مصر من أزمة أخفقت الهيئات الإعلامية في حلها، ويمكن اكتشاف ذلك في مذهبية الرسالة الدينية بشكل يثير ضيق الحكومة، إضافة إلى استضافة شخصيات مثيرة للجدل تُصدر فتاوى تهدد السلم المجتمعي، وأصبح الفقيه مذيعا والخطيب يكتب مقالات وكل من يُدلي بفتوى شاذة يحل ضيفا على الشاشة.
ومطلوب من نقابة الصحافيين والهيئات المنظمة للمشهد الإعلامي الاعتراف بأصل المشكلة ووضع ضوابط صارمة تنقح الإعلام بشكل عام، من الخطاب المتشدد ومنع ظهور أصحاب الرؤى المتطرفة أو نشر فتاواهم، قبل المطالبة بعدم شمولية العقوبات للعاملين في مهنة الإعلام، لأن اقتناص حريات إعلامية يتطلب تكريس المهنية أولا.
وقال عضو مجلس النقابة الصحافيين محمد سعد عبدالحفيظ إن نقابة الصحافيين لا يمكن أن تدافع عن نشر رأي يحرض على العنف والتمييز، والبرلمان أضاف إلى المادة المختلف عليها نصا قاطعا يشير إلى عدم وجود حبس في قضايا النشر إلا في أربع حالات، بينها التحريض على عنف وتمييز، وهذا لا نعارضه، والبرلمان تعهد بأن النص النهائي في قانون الفتاوى لن ينطبق على الصحافيين ولا يخالف التشريعات المنظمة للصحافة والإعلام.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن النقابة ضد نشر أيّ فتوى شاذة، ودورها أن تدافع عن حقوق الأعضاء وتحصينهم من أيّ لغط تشريعي قد تكون له عواقب مستقبلية، ونحن لسنا ضد تنظيم المشهد الدعوي، المهم ألا يكون ذلك على حساب الصحافيين، ومشكلة بعض المواقع غير المرخصة أنها تبحث عن الشهرة والمشاهدات على حساب المهنية، وهذا مرفوض لأنه يسيء لمهنة الصحافة ويصعب السكوت عليه مرة أخرى.
وثمة مخاوف من توظيف العقوبات المطبقة على نشر فتاوى لغير المرخص لهم، لإسكات أصحاب الرؤى المنفتحة الذين يرغبون في تجديد الخطاب الديني ويميلون إلى التحرر من الوصاية الفكرية، وهؤلاء سيكون الإعلام المحلي محظورا عليه استضافتهم خوفا من العقوبات، ما يفرض على الحكومة وضع حد لإقصاء المجددين.