فلسطين بين نكبتين

القتل ليس وحده عنوان النكبة الجديدة بل سياسة التجويع والحصار إذ فككت إسرائيل كل القواعد الأخلاقية للحروب وقرارات المجتمع الدولي وقلبت الموازين رأسا على عقب فأصبح المدنيون هم المستهدفون.
الثلاثاء 2025/05/13
هل حقق طوفان الأقصى أهدافه؟

بعد 70 عاما من نكبة فلسطين وما تلاها من تهجير وتطهير عرقي، يعيش الفلسطينيون نكبة جديدة. تحل علينا هذه الأيام الذكرى السابعة والسبعون للنكبة الفلسطينية، حيث نستذكر ما حل بفلسطين وأهلها من قتل وتشريد ودمار، وهي نكبة لا تزال حاضرة في الوجدان العربي حتى يومنا هذا، تحمل الكثير من المعاناة للشعب الفلسطيني، الذي أصبح مشتتا داخل فلسطين وخارجها، ولا يزال يحلم بالعودة إلى دياره التي شُرِّد منها. المجازر التي ارتكبتها العصابات الصهيونية ضد الفلسطينيين على امتداد الجغرافيا الفلسطينية شاهدة على غطرسة الاحتلال وجبروته، إذ ارتُكبت المئات من المجازر منذ الشهور الأولى للنكبة، وأبرزها مجزرة دير ياسين التي تعد أحد أكبر الأدلة على وحشية العصابات الصهيونية.

بدأت المجزرة فجرا عندما اقتحم الصهاينة القرية وباغتوا أهلها النائمين، لكن شبابها قاوموهم بشجاعة، إلا أن المقاومة لم تصمد طويلا أمام قذائف الهاون، ما مهّد الطريق لاقتحام القرية. قام الصهاينة بتفجير بيوت الفلسطينيين وقتل كل من يتحرك، ثم أوقفوا الأطفال والشيوخ والشباب على الجدران وطافوا بهم في شوارع القدس قبل أن يعدموهم رميا بالرصاص. من الواضح أن اليوم لا يختلف عن الأمس، ففي يومنا هذا نشهد إبادة جماعية ضد المدنيين في قطاع غزة، حيث لم يكن القتل وحده عنوان النكبة الجديدة، بل سياسة التجويع والحصار، إذ فككت إسرائيل كل القواعد الأخلاقية للحروب وقرارات المجتمع الدولي بشأن حماية المدنيين وقت الحرب، وقلبت الموازين رأسا على عقب، فأصبح المدنيون هم المستهدفون.

على مدى أكثر من عام ونصف العام، بات قطاع غزة مكانا تفوح منه رائحة الموت، والنزوح متكرر داخل هذه البقعة الصغيرة. لقد فقد الغزيون الكثير من أوزانهم بسبب استمرار العدوان الإسرائيلي منذ السابع من أكتوبر 2023، ومع تقليص دخول المساعدات إلى أكثر من 70 في المئة مما كانت عليه، إضافة إلى احتلال معبر رفح وإخراجه عن الخدمة، بات الوضع الإنساني أكثر سوءا وخطورة.

◄ حماس كانت تهدف من طوفان الأقصى إلى تحرير المسرى والأسرى، لكن لا هذا تحقق ولا ذاك. بل على العكس، منحت إسرائيل ذريعة جديدة لاحتلال غزة، ووفرت لترامب فرصة اقتصادية للبقاء فيها، فأصبحنا بين نكبتين

يلوح في الأفق حديث عن صفقة أو هدنة، وفق ما يزعم المقربون من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وتتضمن الصفقة إنهاء الحرب وخروج حماس من القطاع وتسليم الرهائن دفعة واحدة، وعلى ما يبدو، فإن حماس تتساوق مع هذا الطرح، بينما إسرائيل غير معنية بوقف الحرب حتى تحقق جميع أهدافها، ومنها القضاء على حماس وإعادة احتلال قطاع غزة بالكامل.

الخطة وضعتها إسرائيل منذ اليوم الأول للحرب، ورغم الضغوطات الدولية عليها، إلا أنها ما زالت متشبثة بأهدافها. لكن لا تجري الرياح بما تشتهي السفن، فقد تحطمت أحلام بنيامين نتنياهو وحكومته بسبب تعقيدات الدعم الأميركي لمخطط إسرائيل في غزة، ما خلق فجوة بين ترامب ونتنياهو وصلت إلى حد القطيعة السياسية. هذه المعطيات تفيد بأن الخلاف بين واشنطن وتل أبيب يتعمق، حيث باتت واشنطن مقتنعة بأن مصالحها في المنطقة تتطلب نجاح صفقة المفاوضات مع إيران وإنهاء الحرب في غزة. لكن، رغم الخلاف بين ترامب ونتنياهو، فإن هذا لا يعني تخلي ترامب عن دعم إسرائيل.

في المقابل، لا يعني ذلك أن ترامب سينتصر لقطاع غزة، أو يفك الحصار ويعيد إعمار القطاع، لأن الإدارة الأميركية ترى في غزة فرصة استثمارية. لقد نظر ترامب إلى خريطة غزة ووجد أنها مساحة مثالية للاستثمار وإقامة مشاريع اقتصادية، حيث تحتوي على احتياطات من النفط والغاز، وأراضٍ خصبة للزراعة والثروة السمكية. الخطة المطروحة لا تؤدي إلى تحرير القطاع، بل إلى تعميق الاحتلال وفرض سيادة أميركية عليه، كما رشحت تقارير عن توجه أميركي لتعيين إدارة دولية تدير غزة، كما حصل في العراق بعد سقوط صدام حسين.

على عكس التصور الذي سوّقه ترامب، فإن الدول العربية ترفض مخططه جملة وتفصيلا. أعلنت مصر، والأردن، والإمارات، وقطر، والسعودية رفضها للمساس بحقوق الفلسطينيين، فيما نددت الجامعة العربية بانتهاك القانون الدولي، مؤكدة أن تهجير الفلسطينيين مرفوض عربيا ودوليا. أمام هذا المشهد المعقد، يطرح السؤال التالي: هل حقق طوفان الأقصى أهدافه؟ حتى نكون منصفين، لم يحقق طوفان الأقصى مراده، ولم تحقق إسرائيل أهدافها الكاملة من الحرب، بل استغل ترامب الوضع في غزة لتحقيق مشروعه الاقتصادي كما صرّح به. في النهاية، خسر الغزيون بيوتهم وأسرهم، وتشتتوا في زوايا القطاع في خيم لا تحميهم من برد الشتاء ولا من أشعة الشمس الحارقة.

حماس كانت تهدف من طوفان الأقصى إلى تحرير المسرى والأسرى، لكن لا هذا تحقق ولا ذاك. بل على العكس، منحت إسرائيل ذريعة جديدة لاحتلال غزة، ووفرت لترامب فرصة اقتصادية للبقاء فيها، فأصبحنا بين نكبتين..

9