الحكومة المصرية تلجأ إلى تقارير دولية لإقناع المواطنين بصوابية خياراتها التنموية

القاهرة - لجأت الحكومة المصرية إلى الاحتماء بتقارير مؤسسات دولية حول التحسن النسبي في معدلات التنمية، لإقناع الشارع المتذمر من الوضع الاقتصادي بأنها تسير في الطريق الصحيح، وهو خطاب لم يقنع الداخل بالقدر المأمول، لأن تلك الدعاية تتزامن مع أوضاع معيشية صعبة، وموجة غلاء لا تتوقف، وقلق شبه عام من المصريين حول المستقبل الاقتصادي لبلدهم.
يأتي ذلك فيما بدأت بعثة من صندوق النقد الدولي، الثلاثاء، زيارة إلى القاهرة تستمر إلى السادس عشر من الشهر الحالي، في إطار المراجعة الخامسة لبرنامج الإصلاح الاقتصادي المصري الذي تبلغ قيمته ثمانية مليارات دولار. وخلال مؤتمر صحفي أسبوعي عقد مؤخرا ركز رئيس الحكومة المصرية مصطفى مدبولي على إشادات المؤسسات الدولية بوضع الاقتصاد المصري وصواب السياسة الحكومية، عكس ما يثار في الداخل من تحفظات شعبية.
وقال مدبولي إن بالرغم من وجود حالة من الضبابية تواجه المستقبل العالمي وتوقعات بمعدلات نمو سلبية، إلا أن المؤسسات الدولية ضاعفت من توقعاتها الإيجابية للاقتصاد المصري، وتم تعديل توقعات النمو بمصر من قِبل المؤسسات الدولية نحو الزيادة وليس نحو النقصان، تقديرا للخطوات التي اتخذتها الدولة الفترة الماضية.
وذكرت رانيا المشاط وزيرة التخطيط بمصر أن رغم انعكاس التوقعات السلبية على النمو في معظم مناطق العالم، لكنها مختلفة تجاه مصر من جانب صندوق النقد والبنك الدوليين، إذ جاءت إيجابية بما يتسق مع توقعات الحكومة للنمو بعد التطور على صعيد مسار تنفيذ إصلاحات الاقتصادي والهيكلي وإشراك القطاع الخاص وهبوط التضخم.
وأظهرت ردود فعل الكثير من المصريين على الدعاية الحكومية المرتبطة بشهادة المؤسسات الدولية عن الاقتصاد إلى أي درجة أصبح يواجه الخطاب الرسمي حالة من فقدان الثقة، ولو كان مستندا على تقارير مؤسسة دولية لا تخضع للحكومة، لأن المواطن يقيس التحسن بمعايير مختلفة عنها.
ويكفي عند شريحة كبيرة من المصريين أن الحكومة تتمادى في الاعتماد على جيوبهم لترميم عجز الموازنة والتخفيف من حدة الأزمة الاقتصادية في البلاد، في صورة تحريك أسعار سلع وخدمات أساسية أو رفع الضرائب أو حديث عن التقشف المبالغ فيه عندما تُسأل عن سبب عدم الإنفاق على قطاعات خدمية، ما يعكس عمق الأزمة.
وحاولت وسائل إعلام رسمية تسليط الضوء على الخطاب الرسمي الذي يحتمي ببعض التقارير الاقتصادية الأجنبية، لتخفيف الضغوط على الحكومة وتحسين صورتها والكف عن اتهامها بالإخفاق في إدارة الأزمة الاقتصادية ورفع معنويات الشارع، لكن ذلك لا يبدو كافيا لإقناع الناس بأن هناك بادرة أمل للتغيير إلى الأفضل، أو أن البلاد قاربت على الخروج من عنق الزجاجة.
ويرى معارضون أن احتماء الحكومة بتقارير مؤسسات دولية لإقناع المصريين بالصبر وتحسن وضع الاقتصاد، يعبر عن انفصال بعض مؤسساتها عن الواقع، ومن الخطأ التعويل على التصنيفات الخاصة بمعدلات النمو وحدها لاحتواء غضب الرأي العام والتسويق للناس بأن أوضاعهم المعيشية سوف تصبح أفضل حالا دون اتخاذ إجراءات عملية لتعزيز ذلك.
ويصعب فصل تلك المشكلة عن وجود حالة تراجع لمنسوب الثقة بين الشارع والحكومة، ما يحول دون إقناع المواطنين بانفراجة اقتصادية وارتفاع معدل النمو بشكل معقول، ما يعني أن الخطاب الرسمي سوف يظل فاقدا للمصداقية وأقرب إلى الدعاية السياسية، باعتبار أن هناك شواهد مغايرة على الأرض يجب القياس عليها.
ويعبر ذلك عن وجود أزمة في سياسة الحكومة المرتبطة بكيفية نيل ثقة الشارع قبل أن تروج لنجاحات معترف بها دوليا، فهي تُدرك أن شريحة معتبرة من المصريين لا تصدقها، وهذا ما سبق وأقر به رئيس الحكومة مصطفى مدبولي قبل أسابيع قليلة، وقال إن الحكومة لا تعرف السبب وراء تهاوي تلك الثقة ولم يتم التحرك بإجراءات عملية لترميم الفجوة.
وقال رئيس اللجنة الاقتصادية بحزب الوعي كريم العمدة إن المواطن البسيط يصدق الواقع، ويصعب إقناع الناس بتقارير دولية عن وضعية اقتصادية إيجابية وهم لا يتركون شيئا إلا ويشتكون منه، ومهما كان الخطاب الرسمي مستندا إلى أدلة دولية فالأهم أن ينعكس ذلك على ظروف المجتمع كي يتم إقناعهم بأي تطور إيجابي.
◙ المواطن البسيط يصدق الواقع، ويصعب إقناع الناس بتقارير دولية عن وضعية اقتصادية إيجابية
ولفت العمدة في تصريح لـ”العرب” إلى أن الرأي العام يقيس تحسن الأوضاع بمردود النمو على الحياة المعيشية، كأن تتراجع الأسعار وتنخفض معدلات التضخم ويتوقف الغلاء في السلع والخدمات الأساسية، لكن الحديث عن الاستثمارات والسياحة وغير ذلك، لا يهم المواطن الذي لا يتفاعل مع الخطاب الحكومي، وقد لا يصدقه.
وتصر الحكومة على أنها في الطريق الصحيح، وتختزل ذلك في مستوى الثقة الخارجية بسياساتها وجذب المزيد من الاستثمارات لبلد آمن وقادر على التعافي دون المواءمة بين احتياجات الناس وتطلعاتها، للوصول إلى نقطة تلاقي مع الشارع، فهي مقتنعة أن مشكلة نقص العملة الأجنبية انتهت في مصر، لكن في نظر المواطن الأزمة أكبر.
وتقيس الحكومة أزمة العملة بأنها طالما توافرت بشكل معقول في البنوك فهي بذلك نجحت، أما في نظر الشارع فإن الدولار يساوي أكثر من خمسين جنيها، وهذا كفيل بارتفاع أسعار السلع إلى مستويات قياسية دون وجود مؤشر على هبوطها كما تتحدث الحكومة، فالعبرة ليست في التقارير الدولية إذا تعارضت مع الظروف المعيشية.
وذكر كريم العمدة أن المردود السياسي عن التقارير الدولية ضعيف ما لم يجد المواطن حياته تغيرت، وكل سلعة أصبحت في متناول يديه، وفي الأعراف الاقتصادية فإن إشادة المؤسسات الدولية بالاقتصاد بادرة إيجابية وتعبر بشكل حقيقي عن قرب خروج البلاد من الأزمة والتعافي على فترات متقاربة، لكن المهم حاليا النظر إلى تطلعات الشارع.
وترفض شريحة من المصريين أن يكون هناك توظيف سياسي وإعلامي للإشادات الدولية بوضعية الاقتصاد، فذلك يعني أن الحكومة لن تعدل رؤيتها بما يقود إلى بقاء الأوضاع كما هي، ومن المهم أن يجد الناس ثمار صبرهم على أوضاعهم وتحمل الصعوبات المعيشية لتستمر البلاد مستقرة دون متاجرة الحكومة بهذا الصبر.