لماذا يبتز ترامب العالم

ابتزاز ترامب للعالم لا يخدم مصلحة أحد ولا حتى الولايات المتحدة. نحن أمام مشهد تراجيدي سيقود في النهاية إلى حرب تجارية عالمية أعلنها ترامب عندما سكن البيت الأبيض.
السبت 2025/05/03
الكثير من القرارات.. القليل من التنفيذ

قال رئيس الوزراء الجديد لغرينلاند “لن نكون أبدا، أبدا، قطعة أرض يمكن شراؤها من قبل أي كان، وهذه هي الرسالة الأهم التي أعتقد أنه يجب فهمها.”

تنتشر ظاهرة الابتزاز السياسي منذ القدم، ولكن أشكالها والأدوات التي تعتمدها تختلف لتتماشى مع كل زمن. قد يبتز شخص شخصا آخر، أو تقوم مجموعة بعملية الابتزاز لمصلحة مجموعة أخرى. في حالة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الوضع مختلف، أهم عامل يستند عليه الابتزاز هو القوة والسطوة. فالولايات المتحدة، القطب الأوحد في العالم، هي التي جعلت من ترامب النرجسي شخصية مثيرة للجدل. كما أن انتماء ترامب إلى الحزب الجمهوري، وهو حزب يميني غالبية زعمائه وأعضائه من العنصر الأبيض، يعزز إيمانهم بأنهم العنصر المتفوق.

الأيام القادمة والأسابيع تحمل الكثير من القرارات الأميركية، ولكن مدى تنفيذها لا يبدو واقعا ملموسا

الانطباع السائد أن قرارات ترامب لا تنقطع، ومداد قلمه لا يتوقف؛ قرارات كثيرة، ينفذ منها القليل. لقد صرّح في خضم دعايته الانتخابية بأنه لو كان رئيسا للولايات المتحدة لما وقعت الحرب الروسية – الأوكرانية، ولما كان السابع من أكتوبر. وتعهد بأنه في حال أصبح رئيسا، سينهي الحرب في غضون أسابيع. أكثر من أربعة أشهر والحرب بين روسيا وأوكرانيا مستمرة، وكذلك في غزة. الرجل يبحث عن المال ليملأ خزينة أميركا، ويهرول نحو إيجاد مشاريع اقتصادية لينعش اقتصاد بلاده.

في وقت تتجه فيه الأنظار إلى الحرب التجارية المتصاعدة بين الصين والولايات المتحدة، ظهرت جبهة جديدة لا تقل إثارة، وهي قناتا بنما والسويس. وكان آخر تصريح لترامب بالأمس القريب، عندما قال إن السفن الأميركية يجب أن تمر من قناة السويس وبنما دون أن تدفع رسوم عبور. وتابع “لولا أميركا ما وُجدت قناة السويس وبنما.” طبعا، هذا القرار كغيره من القرارات لا يبدو واقعيا، ويمس بسيادة الدول وكينونتها.

الرئيس الأميركي مستمر في خلط الأوراق، أحيانا بطريقة شعورية، وأحيانا أخرى بطرق غير مدروسة ومتهورة. فالخلل يكمن عندما تُصدر القرارات ولا تُنفذ، مما يجعل القرارات الصادرة والتالية غير مجدية. الموافقة المصرية أو البنامية على السماح للسفن الأميركية بعبور القناتين دون دفع رسوم غير واردة، فهذا يتعلق بسيادة الدول قبل جني المال. فالموافقة على قرار ترامب تندرج ضمن ما يسمى سياسة الابتزاز، التي تقود في أغلب الأحيان إلى تصلب المواقف ولا تفضي إلى التنفيذ.

ولعل الحالة الأبرز، هي كثرة القرارات التي اتخذها ترامب في الفترة الوجيزة التي استلم فيها دفة الحكم ولم تُطبق. لقد أشعل النار حول العالم بعد زيادة الرسوم الجمركية على الواردات، فردت بكين عليه بالمثل، وزادت من قيمة الرسوم على الواردات الأميركية. هذا من شأنه أن يؤدي إلى زرع البغضاء بين الولايات المتحدة ودول العالم.

الرئيس الأميركي مستمر في خلط الأوراق، أحيانا بطريقة شعورية، وأحيانا أخرى بطرق غير مدروسة ومتهورة. فالخلل يكمن عندما تُصدر القرارات ولا تُنفذ

من الضروري لفت الانتباه إلى أن في عام 2018، بعد أن فرض ترامب رسوما جمركية على 6.4 مليار يورو من واردات الصلب والألومنيوم من الاتحاد الأوروبي، ردّ الاتحاد الأوروبي برسوم جمركية على 2.8 مليار يورو من المنتجات الأميركية. كان من المقرر أن تدخل الرسوم الجمركية على واردات أميركية أخرى بقيمة 3.6 مليار يورو حيز التنفيذ بعد ثلاث سنوات، لكنها لم تُفرض بعد أن أصبح جو بايدن رئيسا للولايات المتحدة. وقال وزير التجارة السويدي بنيامين دوسا “قرار الولايات المتحدة كان مؤسفا للغاية، وإن الاتحاد الأوروبي مستعد لاتخاذ تدابير مضادة محددة ومتناسبة، مع وجود كل الخيارات على الطاولة الآن.”

من الواضح أن الحرب التجارية أدت إلى تباطؤ في النمو الاقتصادي العالمي، حيث تأثرت سلاسل التوريد العالمية وتراجعت الثقة بين الشركات والمستثمرين. إن هذا التباطؤ لم يؤثر فقط على الاقتصادات الكبرى، بل لعب دورا محوريا في تعطيل الأنشطة التجارية في الدول النامية أيضا، مما أدى إلى تزايد معدلات البطالة وارتفاع مستويات الدين الحكومي. وقد أثرت هذه التوترات على مجالات عدة، منها الاقتصاد والتجارة، مما أدى إلى فرض عقوبات متبادلة وزيادة الحواجز الجمركية، ما زاد من تعقيد الأوضاع الاقتصادية في البلدان المعنية.

الأيام القادمة والأسابيع تحمل الكثير من القرارات الأميركية، ولكن مدى تنفيذها لا يبدو واقعا ملموسا. سوف يزيد العبء الجمركي على كاهل العالم برمته، عبئا ثقيلا، مما ينتج عنه ركود في حركة النمو التجاري، وتضعضع الماكينة الاقتصادية.

ابتزاز ترامب للعالم لا يخدم مصلحة العالم ولا حتى مصلحة الولايات المتحدة، بل يزيد من المعاناة. لهذا، نحن أمام مشهد تراجيدي يقود في النهاية إلى حرب تجارية عالمية، أعلنها ترامب عندما سكن البيت الأبيض، وفي حال أصيب العالم في أهم ركيزة، وهو الاقتصاد الذي تقوم عليه الدول، فإن العالم مقبل على حرب قد تتولد من رحم الحرب التجارية، وهي حرب قد تطال الجميع.

Thumbnail
9