بطء المحاكمات في قضايا رأي عام يحرج السلطة المصرية

الحكومة لم تدرك بعد خطورة التراخي في إقرار منظومة تحقق العدالة الناجزة بما يحول دون توظيف الملف سياسيا.
الجمعة 2025/05/02
بطء المحاكمات في قضايا معينة يثير التساؤلات

القاهرة - بينما تجاهد الحكومة المصرية لإخراج قانون المحاكمات الجديد في صورة إيجابية لتحقيق مكاسب حقوقية، قاد التأخير في معاقبة متهم باغتصاب طفل لأكثر من عام كامل، إلى أزمة ذات ملامح سياسية بعد أن ثارت شكوك حول الأسباب التي عطّلت محاكمة المتهم طوال تلك الفترة، مقابل تحريك القضية بعد غضب الرأي العام.

وتقدمت الحكومة إلى مجلس النواب بتعديلات رآها نواب معارضون إيجابية، على بعض مواد قانون الإجراءات الجنائية، بينما كانت مواقع التواصل تثور غضبا ضد وجود ضغوط تعرضت لها أسرة الطفل ضحية الاغتصاب كي تتنازل عن القضية.

وحدثت واقعة الاغتصاب داخل مدرسة خاصة تابعة لإحدى الكنائس في محافظة البحيرة، شمال القاهرة، مطلع العام الماضي، ورغم تقدم الأسرة بشكاوى وبلاغات لجهات قضائية، لكن لم يتم الحكم على المتهم، ما دفع عائلة الطفل إلى إثارة التفاصيل على الفضاء الإلكتروني حتى تحولت الواقعة إلى قضية رأي عام في ساعات قليلة.

سعيد صادق: تأخر العدالة يثير منغصات يصعب التخلص من تداعياتها
سعيد صادق: تأخر العدالة يثير منغصات يصعب التخلص من تداعياتها

طالت اتهامات البعض جهات رسمية لها علاقة بالقضية، بحجة عدم تعاملها مع الواقعة بجدية وإحالتها سريعا إلى القضاء لتحقيق العدالة الناجزة والقصاص للطفل، وهناك من حاول تحريف أسباب بطء المحاكمة بزعم وجود شبهة طائفية في الأمر، بذريعة أن المتهم مسيحي في حين أن الطفل مسلم.

وتبنى إخوان وسلفيون ومنابر إعلامية تابعة لهما تلك الرواية، مع أن الجهات القضائية في مصر لا تفرق بين المتهمين حسب دياناتهم، ما يعكس إلى أي درجة أصبح يقود بطء المحاكمات في القضايا الجماهيرية إلى أزمات للحكومة.

ويتعامل الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي مع ملف تسريع إجراءات التقاضي لتحقيق العدالة، باهتمام كبير، وكثيرا ما التقى وزير العدل ورئيس الحكومة لذات الغرض، لكن لا تزال هناك مشكلة مرتبطة بتأخير المحاكمات لوقت طويل.

وتلقف معارضون قضية اغتصاب الطفل لتحقيق مآرب سياسية بذريعة أن الواقعة لو كانت تخص ناشطا سياسيا أو شخصية مناوئة للحكومة، لكانت إجراءات التقاضي انتهت سريعا وجاء الحكم صارما، وهي إسقاطات جذبت بعض المنشغلين بواقعة الاغتصاب، وبدلا من اعتبارها قضية مجتمعية أصبحت سياسية.

وترفض الحكومة المصرية التدخل في أعمال السلطة القضائية، لأن الدستور نص على الاستقلال الكامل لأعمال القضاء والنيابة العامة، وأن الرئيس السيسي لا يستخدم صلاحياته بالعفو عن سجناء قبل إصدار حكم نهائي من المحكمة ضد أي متهم.

ويرى مراقبون أن الحكومة لم تدرك بعد خطورة التراخي في إقرار منظومة تحقق العدالة الناجزة، بما يحول دون توظيف الملف سياسيا، من خلال استمرار نشطاء ومعارضين يخضعون للمحاكمات لأشهر طويلة دون حسم قضاياهم، أو في صورة إطالة أمد التقاضي في قضايا حساسة تشغل الرأي العام.

ويعتقد المراقبون أن تحرك النظام لتصويب إجراءات التقاضي لا يعني التدخل في سير العدالة، ومنع تحول القضايا الصغيرة إلى أزمة سياسية تتعلق بإثارة الشكوك والشبهات حول الأسباب التي تمنع قاضيا للبت في دعوى جنائية مثيرة للجدل المجتمعي لفترة طويلة مع أن الشارع لديه ميراث قديم من فقدان الثقة.

وحددت محكمة الجنايات أولى جلسات النظر في قضية اغتصاب الطفل، الأربعاء (30 أبريل)، في حين أن النيابة العامة بدأت التحقيقات في فبراير من العام الماضي، وهو ما دفع كثيرين إلى طرح تساؤلات مبهمة حول المغزى من تسريع المحاكمة في هذا التوقيت، وربطه آخرون بأن مواقع التواصل هي من حركت القضية.

ويرفض كثيرون في مصر أن تكون الشبكات الاجتماعية سببا في تحريك منظومة العدالة، لأن ذلك يغذي الإسقاطات السياسية من مناوئين للسلطة حول وجود تدخلات تحدد متى يتم التعطيل في قضية بعينها ومتى يتم تسريعها، وهو ما يتعارض بشكل كبير مع التوجه القضائي الصارم في ما يتعلق بالاستقلال الكامل.

وأكد الخبير في علم الاجتماع السياسي بالجامعة الأميركية في القاهرة سعيد صادق أن تأخر العدالة يضر بصورة القضاء والحكومة ويثير منغصات يصعب التخلص من تداعياتها بسهولة، لأن الغضب الشعبي يكون حادا لشعوره بأن هناك محاولات للتغطية على قضايا بعينها، وهذا ليس في صالح الدولة وأجهزتها المختلفة.

◙ تحرك النظام لتصويب إجراءات التقاضي لا يعني التدخل في سير العدالة ومنع تحول القضايا الصغيرة إلى أزمة سياسية

وأضاف صادق في تصريح لـ”العرب” أن الحكومة عليها أن تدرك خطورة وجود أزمة في منظومة التقاضي، وأن قضايا الرأي العام تحتاج إلى التعامل معها بحنكة وعقلانية لتجنب التداعيات السياسية، وهناك قضايا اجتماعية تتحول إلى فتن مجتمعية وطائفية بدون داع بسبب بطء المحاكمات، والمؤسف أن مصر تحتل المرتبة 135 عالميا في العدالة الناجزة.

وقد لا يثور المواطنون في مصر ضد الفقر والعوز وقلة الحيلة، لكن يستفزهم الإحساس بوجود شريحة لها نفوذ مالي ووظيفي واجتماعي تستثمره للهرب من العقوبة، وهذا جزء من ثقافة شريحة كبيرة من المصريين لديها حساسية مفرطة ضد الطبقية وعدم الشعور بأن العدالة يمكن أن تهتز.

وكشفت مصادر مطلعة على قضية اغتصاب الطفل لـ“ العرب” أن أيّا من المؤسسات الحكومية لم تتدخل في الأزمة، لكن التحرك البطيء فيها مرتبط بكثرة الأطراف المتداخلة معها، وثمة إصرار قضائي على الحكم فيها بأدلة موثقة لا تخضع لمواءمات سياسية أوضغوط من أي طرف، حتى لو كانت قضية رأي عام.

وسوّق متشددون إلى أن الأزمة مرتبطة بتبعية المدرسة محل واقعة الاغتصاب لمطرانية مسيحية، والمتهم يعمل مراقبا ماليا داخل المطرانية والمدرسة أيضا، وهي نبرة حاولوا من خلالها إحداث حالة من الاحتقان الطائفي في توقيت سياسي حرج مرتبط بزيادة تململ نسبي من الأوضاع الاقتصادية والظروف المعيشية.

ولدى تلك الفئة من المتشددين ثأر قديم مع السلطة المصرية مرتبط بإقصائها من المشهد السياسي والتقارب مع الأقباط وتصعيدهم في مناصب مهمة، وتقنين الآلاف من الكنائس والأديرة المسيحية والسماح بترخيصها، لكن الأغلبية المجتمعية لم تنزلق إلى المؤامرة الإخوانية – السلفية، وركزت دعمها لأسرة الطفل ومطالبة القضاء بالقصاص.

وباتت الحكومة المصرية معنية أكثر من أي وقت بتكريس العدالة الناجزة إذا أرادت أن تحسن سجلها الحقوقي وتحصن نفسها من اتهامات الخصوم بالقفز على استقلال القضاء، لأنها مهما عدّلت من تشريعات المحاكمات لتتواءم مع حقوق الإنسان دون منظومة عصرية للتقاضي ستظل تخسر سياسيا.

2