الصحبي شعير شاعر يكتب لألمع نجوم الطرب في تونس

مسيرة مظفّرة تضمّنت أكثر من ألف قصيدة منذ الثمانينات. 
الأربعاء 2025/04/23
موهبة أثرت في بيئتها الجنوبية وتأثرت بها

قد تبدو الأغاني للبعض سهلة ويمكن لأي كان كتابتها، لكن هذا الرأي يجانب الصواب، فالشعر الشعبي الغنائي من أصعب الأنماط الشعرية، حيث يتطلب حسا كبيرا وحساسية مفرطة للحياة وأهم أحداثها وعناصرها، وروحا تستشف الجمال حتى في قلب الألم. وهذا ما أدركه عدد محدود من الشعراء الغنائيين في تونس ومن بينهم الصحبي شعير الذي صنع لنفسه اسما لامعا في هذا المجال.

تونس – عرفت الساحة الفنيّة والشعرية في تونس على مرّ التاريخ بروز ثلّة من الشعراء الغنائيين، لعلّ أبرزهم الشاعر الصحبي شعير الذي نحت مسيرة فنية وردية منذ الثمانينات، وكتب أعمالا غنائية لأبرز الوجوه الموسيقية في البلاد.

وترى أوساط فنية في تونس أنّ قصائد الصحبي شعير على اختلاف مواضيعها ومضامينها تعكس انتصارا واضحا للكلمة المعبرة واللحن الجميل والصورة الشعرية الهادفة في عمق معانيها، خصوصا في ظلّ اقتحام أنماط شعرية وموسيقية جديدة لكل البيوت والفضاءات في تونس.

وتضيف أنه على الرغم من كون البعض، على غرار الأجيال الحديثة في تونس، يعتبر أن الشعر الغنائي والقصائد صعبة المعاني والدلالات ويستعصي فهمها، وهو أمر راجع بالأساس إلى نقص الاطلاع والثراء الفني، خلق الشاعر الصحبي شعير لنفسه أسلوبا شعريا خاصّا بتبسيط المعاني والدلالات لتصل الصورة إلى المتلقي في أفضل شكل ممكن.

نوال غشام: الصحبي شعير يحظى بشعبية كبيرة في تونس وليبيا
نوال غشام: الصحبي شعير يحظى بشعبية كبيرة في تونس وليبيا

ولد الصحبي شعير عام 1960 بمدينة مارث التابعة لولاية (محافظة) قابس، جنوب شرقي تونس، وهو مزارع ومربي خيول في مدينته، وأب لخمسة أبناء (3 أولاد وبنتان)، وقضّى 40 سنة موظّفا في أحد البنوك التونسية.

 وقال على هامش مشاركته في الدورة الثانية من مهرجان الميدة للأصالة والتراث (جنوب) إن “الشعر موهبة ربّانية تتطوّر وتنحت تدريجيا في الوسط العائلي الفنّي والشعري.”

وأضاف في تصريح لـ”العرب”: “عشت في بيئة فنيّة فيها سهرات شعرية منذ الصغر، وكتبت العديد من القصائد التي يتجاوز عددها تقريبا الألف قصيدة، منها 700 قصيدة غنائية. وأحدثت صحبة أبناء جيلي من الشعراء في أواخر الثمانينات نقلة نوعية في الوسط الشعري والأدبي، مع مصالحة مع المستمع في ذلك الوقت، كما خلقنا حركية كبيرة في المشهد الثقافي التونسي.”

وأوضح الصحبي شعير أن “تونس بلد ينتشر فيه الشعر بامتياز وأرى نفسي شاعرا وحاملا لرسالة تهتم بآلام الناس وهمومهم.”

واقتحم الصحبي شعير هذا العام المشهد الدرامي الرمضاني من بوابة المسلسل التونسي “وادي الباي” الذي تمّ بثّه في النصف الثاني من رمضان على التلفزيون الرسمي التونسي بمقطع شعري مؤثر يقول مطلعه “نبغيك فارس في الوغى… نبغيك ما تهون الغلا.”

وكشف في حديثه لـ”العرب” أن “المسلسل لقي نجاحا جماهيريا في جزئه الأول، وسيكون لي دور أكبر في الجزء الثاني الذي سيتمّ تصوير أغلب مشاهده في منطقة توجان (منطقة جبلية تابعة لمحافظة قابس بالجنوب التونسي).”

وكتب الشاعر عدة قصائد غنائية لألمع نجوم الفنّ والطرب في تونس والعالم العربي، على غرار أمينة فاخت ونجاة عطية ونورة أمين والشادلي الحاجّي وصلاح مصباح ونوال غشام ورؤوف ماهر وناجحة جمال ورحاب الصغيّر وسنية طنّيش ومنال أحمد وعصام عبدالنور ونرمين مارس، وغيرهم.

ولعلّ ما يميز الصحبي شعير الذي يملك سجلاّ حافلا بالقصائد الغنائية واسعة الانتشار داخل تونس وخارجها، سرعة البديهة وحسن اختيار القوافي والأبيات الشعرية ومعانيها، فضلا عن عمق المفاهيم والدلالات المستعملة.

وقالت الفنانة التونسية نوال غشّام إن “الرجل يعتبر من القامات الشعرية النادرة في تونس، لكن للأسف ليس لدينا اهتمام كبير بالشعر في تونس إلا في بعض المناطق وخصوصا الجنوب.”

وأكدت في تصريح لـ”العرب” أن “شعير يعد أيضا من كبار الشعراء في تونس وليبيا والخليج العربي،” لافتة إلى أنه “كتب لها عدّة أغان وأولاها أغنية ‘لولا الريح’ في عام 1994، ثم أغاني ‘عيني يا لالة’ و’مستحيل’ و’يا عزيز الصلاة’.”

الشاب عماد: شاعر لديه تعامل سهل مع الكلمات والصورة الشعرية
الشاب عماد: شاعر لديه تعامل سهل مع الكلمات والصورة الشعرية

وأضافت غشام وهي واحدة من أشهر الفنانات التونسيات أنها “محتفظة منذ سنوات بالمقطع الشعري الذي عرض في مسلسل ‘وادي الباي’ على التلفزيون الرسمي في تونس خلال شهر رمضان الماضي، والذي يقول ‘نبغيك فارس في الوغى… نبغيك ما تهون الغلا’ لصاحبه الصحبي شعير، وسيتم تلحينه وتوزيعه كأغنية في المستقبل، وهي قصيدة تتحدث عن توصيات أب لابنه حول حبّ الوطن وحمايته.” واستطردت “لديه انتشار واسع وشعبية كبيرة في ليبيا.”

وكتب الصحبي شعير في مختلف المواضيع، على غرار الحب والتغني بالمرأة والحبيبة والأم والإخوة وحبّ الوطن ومعاني الصداقة، كما كتب قصيدة شهيرة في الرئيس العراقي الأسبق صدّام حسين، وكتب عن مآسي الشعب الفلسطيني.

وأكد الفنان التونسي عماد الغيلوفي المشهور باسم “الشاب عماد” أن الصحبي شعير من أفضل الشعراء في الشعر الغنائي في تونس، ولديه تعامل سهل وسلس مع الكلمات، وقدرة فائقة على إيجاد الكلمات المفاتيح والصورة الشعرية المعبّرة.

وقال في تصريح لـ”العرب”: “كتب لي تقريبا عشر أغان، منها ‘طلبك رزم’ و’يا موج البحر’ و’الجازية’ و’طبيبة’ و’بغيتي اطيري’.”

وأوضح الشاب عماد أن “أول عمل جمعه بالشاعر هو النص الثنائي مع الفنانة ناجحة جمال ‘يا لالة’ سنة 2000.”

وإلى جانب مشاركته في المهرجانات الثقافية خصوصا بالجنوب التونسي، يتطلّع شعير هذا الصيف إلى حضور قوي في مختلف المهرجانات الكبرى بالبلاد على غرار مهرجان قرطاج الدولي ومهرجان الحمامات الدولي.

ومؤخرا أثّث الصحبي شعير سهرة فنية في مهرجان “الميدة” (التابعة لمحافظة قابس في الجنوب)، مهرجان الأصالة والتراث، في دورته الثانية بحضور جماهيري لافت، استعرض فيه أبرز قصائده الغنائية بمشاركة عدد من الفنانين المحليين.

14