كيف حوّل الجمهور "نسمات أيلول" إلى ظاهرة شعبية

في خضم الساحة الفنية السورية التي شهدت تحولات جذرية بعد الحرب، يبرز مسلسل “نسمات أيلول” كعمل أثار جدلا واسعا بين مؤيديه ومعارضيه، فبينما يرى البعض أنه مجرد “تهريج” يفتقر إلى العمق، يذهب آخرون إلى اعتباره كوميديا شعبية تعكس روحا سورية قادرة على الضحك رغم الألم، وهنا يبرز السؤال الآتي: هل فشل العمل في تقديم مضمون ذي قيمة كما يرى ناقدوه أم أن النقاد لم يلتفتوا إلى الرسائل الخفية التي يحملها بين طيات حواراته المضحكة؟
حقيقة، أستطيع القول إن العمل نال استحسان أولادي أولا، فهم الذين دفعوني لمتابعته في رمضان 2025، ومن ثم وجدت شريحة كبيرة من الشارع السوري تشيد بهذا العمل لدى تواصلي مع عديد منهم، وفي المقابل كان لكثير من الكتّاب رأي آخر، إذ اعتبره كثيرون عملا فارغا، فمن يا ترى أصاب عين الحقيقة من الفريقين؟

لقد استند المهاجمون في دعواهم على أنه لا يمكن فصل المسلسل عن الإرث الكوميدي السوري الذي اشتهر بـ”المبالغة الصوتية والجسدية”، كما في أعمال دريد لحام (“صح النوم”) وأعمال ياسر العظمة (“مرايا”) إلا أن الفرق هنا أن “نسمات أيلول” يعتمد على “الضحك المجاني” مثل الصراخ والشتائم، بدلا من “الكوميديا السوداء” أو “كوميديا الموقف” التي تقدم نقدا اجتماعيا عبر المفارقات الذكية.
مثال من المسلسل: في مشهد سرقة الجدة لأموال حفيدتها قُدّم كموقف “طريف”، رغم عدم أخلاقيته، مما أضعف فرصة تحويله إلى”تعليق اجتماعي” عن تفكك القيم الأسرية.
كما استند الرافضون لهذا العمل إلى المقارنة مع أعمال أخرى متسائلين لماذا نجح مسلسل “عيلة 6 نجوم” وفشل “نسمات أيلول”؟ إن مجرد عقد مقارنة المسلسل بأعمال مثل “عيلة 6 نجوم” لهشام شربتجي، نجد أن الأخير استخدم التهريج كأداة لـ”السخرية من الواقع”، بينما تحوّل “نسمات أيلول” إلى “كاريكاتير” بلا رسالة واضحة.
وقد اعتبر المنتقدون أيضا أن الجماليات البصرية التي أبرزها العمل من قبيل التصوير الفوتوغرافي أو الديكور واللذين حازا نجاحا باهرا في العمل، ما هي إلا محاولة لتعويض ضعف النص، أو رسالة ضمنية تقول “انظروا كيف يمكن لسوريا أن تظل جميلة رغم الدمار”، لكن المشكلة أن الجماليات تحولت إلى “ديكور متحرك”، حيث بدت الشخصيات وكأنها مجرد عناصر زخرفية داخل المشهد، بدلا من أن تكون محركة للحدث.
وقد عمد المنتقدون كذلك للمقارنة مع السينما الصامتة، عندما كان تشابلن يضحكنا لنبكي، إذ أن تشارلي تشابلن كان يلجأ إلى الكوميديا الجسدية لنقد الفقر والظلم، بينما في “نسمات أيلول”، الضحك يبدو بلا غاية، ولعل من أكبر الانتقادات الموجهة للمسلسل هو عدم وضوح زمانه ومكانه، إذ تساءل كثيرون، هل الأحداث وقعت أثناء الحرب؟ أم بعدها؟ أم في عالم موازٍ؟

ولعل هذا الغموض حسب رأيهم أفقد العمل مصداقية “الكوميديا الواقعية” كما صرح كثيرون، وجعله يبدو وكأنه يعيش في برزخ بلا هوية.
على الطرف النقيض فإن شريحة كبيرة من السوريين ممن أشادوا بهذا العمل، يؤكدون أن الضحك في المسلسل يعكس المرونة السورية في مواجهة المحن، فحتى في الحرب، كان السوريون يمارسون حياتهم اليومية بكل تفاصيلها المضحكة أحيانا.
وعندما انتقد بعض المتابعين المسلسل ووصفوه بأنه “بعيد عن واقع سوريا”، انهالت التعليقات الساخرة من الجمهور، نذكر منها: “المسلسل ما بنكر الحرب، بس بيعكس إنه حتى بالظروف الصعبة، في ناس بتتخانق على الريحة الغريبة بالبيت.”
ومن ردود الفيسبوك الساخرة: “إنت مش سوري ولا شو؟!”
ومن الردود على فكرة “الواقعية المطلقة”: “يعني بدك مسلسل واقعي؟ خلي كل حلقة 4 ساعات صمت، مع صوت انفجار بالخلفية وقطع كهرباء، أما نسمات أيلول فأخذ الجانب الإنساني اللي حتى بالحرب ما بيمنع ناس تضحك!”
ومنهم من رد بأسلوب المسلسل نفسه: “يا زلمة. إنت شكلك مش فاهم إنو حتى بالحرب في ناس بتتخانق على الميراث وبتسوق عالفتيس. لو صار كل شِي دوكيوومنتاري، كان العالم انتحر.”
كما أن هناك من أجاب بسخرية: “إنت بدك مسلسل عن الحرب؟ روح شوف الأخبار. أما نحنا بنحب نضحك عاللي خفّف علينا همومنا!”
ويكشف تحليل ردود المشاهدين دفاعهم عن حقهم في الضحك رغم الحرب. ومع كل هذا الجدل الذي دارت رحاه على الأرض السورية يمكننا القول وهو الأهم إن المسلسل أعطى الجمهور فرصة للضحك في وقتٍ يحتاجون فيه إلى ذلك أكثر من أي شيء آخر.