"ثلاثين حلقة".. مسلسل كويتي يفضح فساد صناعة الدراما

مسلسل كويتي يكشف عن تراجيديا صناعة الفن التي تتحول إلى ساحة حرب مليئة بالخيانة.
الخميس 2025/04/24
كواليس صادمة تكشف عن عالم الدراما

حيث تتصارع الأضداد بين الضحك والدموع، يأتي المسلسل الكويتي “ثلاثين حلقة” الذي عرض خلال العام الحالي ليرسم لوحة سوداوية كوميدية عن كواليس الإنتاج الفني، هذا المسلسل من تأليف وإخراج رمضان خسروه، وبطولة عدد من نجوم الكوميديا الكويتية مثل سعد الفرج وجاسم النبهان وعبدالرحمن العقل وخالد أمين.

رغم ذلك لا يقدم مجرد مواقف مضحكة، بل يكشف عن “تراجيديا صناعة الفن” التي تتحول إلى ساحة حرب مليئة بالخيانة والتنافس القاتل والصراعات المالية، عندما تشاهد هذا العمل تظهر بوضوح “كوميديا المأساة”، وتبدو هذه الكوميديا مرآة تعكس انهيار القيم في عالم الإنتاج الفني، فالفن ليس أكثر من سلعة والعلاقات الإنسانية مجرد أدوات في معركة البقاء.

في هذا المسلسل يبدو أن الفن لم يعد فنّا، بل تحول إلى معارك نفوذ، ولعل الصراع بين المنتج عبدالجبار ومدير الإنتاج حميد ما هو في الحقيقة إلا صراع بين رأس المال والموهبة، إذ يجسد عبدالجبار (سعد الفرج) رجل الأعمال الذي يستغل المبدعين، بينما حميد (خالد أمين) هو الضحية التي تحاول النجاة في نظام فاسد.

كما نلحظ معارك أخرى من خلال التنافس الدموي بين النجوم، فالخلافات بين نغم ونبيلة ليست مجرد خلافات نسائية، بل تعكس أزمة الفن عندما يصبح وسيلة للاستعراض الاجتماعي بدلا من الإبداع، إذ نرى نغم تدفع المال لتحقيق مشاهدات عالية، بينما نبيلة تستخدم زواجها من المنتج للسيطرة على البطولات.

ولم يقف الأمر عند هذا الحد، فقد رأينا السيناريو يظهر كضحية، إذ نرى الكاتب فاضل (عبدالرحمن العقل) يُذلّ لأنه يملك الموهبة دون مال، ولعل مشهد سرقة نصوصه واشتراط توقيعه على عقود مجحفة ما هو إلا رمز لموت الكلمة أمام سلطة المال.

لقد كان العمل في حقيقته مخزنا للمآسي الخفية، ومن نماذجها شخصية صلاح (جاسم النبهان)، إذ مثّل انعكاسا للفنان العظيم الذي يُباع بالمزاد، فعندما يُكرم صلاح في الحلقة الأولى، ثم يُجبر على المشاركة في مهرجان لا يؤمن به لعلاج زوجته، يصبح ذلك دليلا دامغا على استغلال العاطفة في صناعة الفن، وعندما يزور الطبيب النفسي لا نعرف إن كان يبحث عن علاج أم عن مهرب من عالم يجعله يتنازل عن كرامته مقابل الشيكات، ولم تقف المأساة عند هذا الحد في شخصية صلاح، إذ نراه يبقى وحيدا بعد وفاة زوجته في عالم لا يحترم الفنان إلا بعد موته (إشارة إلى واقع العديد من النجوم).

المسلسل يوجه نقدا لاذعا للفساد في صناعة الفن، حيث العلاقات الإنسانية تُباع والمبدع يُسرق والمال يقتل الفن
المسلسل يوجه نقدا لاذعا للفساد في صناعة الفن، حيث العلاقات الإنسانية تُباع والمبدع يُسرق والمال يقتل الفن

حتى الشخصيات الكوميدية، مثل زكية وخليل، تعاني من الاضطهاد الطبقي، حيث يتم طردها بسهولة عندما تعترض على سوء المعاملة.

وقد سعى صنّاع العمل أيضا للتأكيد على أن المال فوق الفن، وهو السبب في قتل الإبداع، لذلك يهاجم المسلسل النظام الرأسمالي في الدراما من خلال تسليطه الضوء على الأجور المتأخرة وتأجيل دفع مستحقات الممثلين (مشكلة نبيلة ونغم)، وهذا يذكرنا بفضائح حقيقية في الوسط الفني، إضافة إلى إظهار كيف يتحول الشرط الجزائي إلى أداة قمع، عندما نرى حميد يدفع ثمن فسخ عقد نبيلة، بينما عبدالجبار يبيع شاليه لتمويل مسلسلها، فيما بدا المنتجون الجدد كقراصنة. إن ظهور المنتج اللبناني سمير يُظهر كيف تتحول الصناعة إلى سوق سوداء، حيث تتم سرقة النصوص وإفساد العلاقات (كما في مؤامرة نبيلة ومراد).

ويعد المشهد الأكثر قسوة في العمل عندما يقتل ابن عبدالجبار شقيقه في الحلقة الأخيرة، وفي هذا رمزية على أن النظام الاستهلاكي يلتهم أبناءه قبل أعدائه.

وأمام كل هذه المآسي في الصناعة الفنية المفعمة بسوداوية قاتمة، يطرح السؤال التالي نفسه: هل هناك أمل؟ في الحقيقة نعم، لكنه أمل هش، فهناك بصيص ضوء، رغم السواد، حيث يشكل حميد وفاضل ونغم شركة إنتاج جديدة، لقد كانت الرسالة واضحة، إن المبدع قادر على النجاة، لكن عليه أن يخوض حربا ضد وحوش أكبر منه، ومع ذلك فإن المسلسل لا يخدعنا، فاضل يشعر بالخذلان حتى من أبيه، ونغم تتنازل عن مبادئها لتشارك في بطولة مع نبيلة، كما أن صلاح يعود إلى التمثيل، لكنه يفعل ذلك بدافع الحاجة لا الشغف.

لقد كان مسلسل “ثلاثين حلقة” نقدا لاذعا للفساد في صناعة الفن، حيث العلاقات الإنسانية تُباع كما رأينا في زواج عبدالجبار من نبيلة مقابل البطولة، والمبدع يُسرق عندما يفقد فاضل حقوقه، والمال يقتل الفن عندما يمدح صلاح من لا يستحق في المهرجان، حتى الضحك في “ثلاثين حلقة” هو ضحك من أجل ألا نبكي، لأنه يكشف أن صناعة الدراما أصبحت ساحة حرب، والحرب لا تترك سوى الضحايا.

إن مسلسل “ثلاثين حلقة” يطرح سؤالاً وجوديا: هل الفن اليوم وسيلة للارتقاء أم أداة للهدم؟ الجواب قد تجده في مشهد الحلقة الأخيرة، حيث يقف صلاح في مؤتمر فارغ… لأن النظام لم يعد يحتاج إلى الفنانين، بل إلى دمى تسبّح بحمد رأس المال.

14