تعديل قانون النقابة يقسم الصحافيين المصريين

يحتدم الجدل في نقابة الصحافيين المصريين بشأن تعديل القانون للسماح بضمّ الصحافيين في المواقع الإلكترونية إلى النقابة، مع تردد شريحة كبيرة من أعضاء الجمعية العمومية الذين يرون أن تلك الخطوة في حاجة إلى نقاش لا يقتصر على قرار صادر من مجلس النقابة خصوصا مع اقتراب انتخاباتها.
القاهرة - قادت تحركات عدد من رؤساء تحرير الصحف الإلكترونية في مصر من أجل تعديل قانون النقابة لضم المحررين الإلكترونيين، إلى تقسيم الوسط الصحفي، ما ضاعف الضغوط الواقعة على مجلس نقابة الصحافيين الذي يخوض نصف أعضائه ومعهم النقيب خالد البلشي الانتخابات بعد نحو شهر واحد.
وتقرر عقد الاجتماع الثاني لرؤساء تحرير الصحف الإلكترونية في مقر نقابة الصحافيين عقب إجازة عيد الفطر، بعد أن اتفقوا خلال اجتماعهم الأول الذي جرى قبل أيام، على حتمية تعديل قانون النقابة ووضع حد لعدم الاعتراف بالمحررين الإلكترونيين أسوة بزملائهم الذين يعملون في مؤسسات بها صحف ورقية.
وتسببت الخطوة في جدل واسع بين أعضاء نقابة الصحافيين، فهناك من يؤيدونها ويعتبرونها تطورا طبيعيا لانتشار المواقع الإلكترونية وتزايد العاملين فيها، مقابل فريق يراها بداية لانهيار النقابة إذا مُنحت العضوية لأشخاص قد لا تكون لديهم صلة بالعمل الصحفي، خاصة وأن شريحة من المحررين الإلكترونيين “هواة.”
ويتخوف معارضون لتعديل قانون النقابة من أن تُسحب بعض الامتيازات الحكومية المقدمة للصحافيين بشكل عام، في مقدمتها بدل التدريب والتكنولوجيا الذي يحصل عليها الصحافي بشكل شهري من النقابة، وقيمته 3900 جنيها (نحو 78 دولار) ويعتمد عليه الكثير من أبناء المهنة لتسيير جزء من ظروفهم المعيشية.
ووجد مجلس النقابة نفسه في مأزق لأن الأغلبية الصحفية ليست متفقة على موقف واحد يدفع إلى إيجاد صيغة مقبولة لتحريك هذا الملف وبدء التفاوض مع الحكومة حول تعديل القانون، ومع اقتراب موعد الانتخابات فإن أي خطوة مثل هذه، قد تتسبب في المزيد من شق الوسط الصحفي وتقود إلى خسائر.
وهناك انقسام داخل مجلس نقابة الصحافيين نفسه حول فكرة إدراج المحررين الإلكترونيين للحصول على العضوية، بالتوازي مع تحفظ شريحة كبيرة من أعضاء الجمعية العمومية الذين يرون أن تلك الخطوة بحاجة إلى نقاش لا يقتصر على قرار صادر من مجلس النقابة، وهو خلاف أشعل العملية الانتخابية.
ويرى أنصار النقيب خالد البلشي والمرشح على نفس في الانتخابات المقبلة أن إثارة أزمة المحررين الإلكترونيين في هذا التوقيت تحمل ضغطا مباشرا عليه (أي البلشي) لأنه من سبق وتعهد بعد فوزه في الانتخابات الماضية، بالسعي لضم صحافيي المواقع الإلكترونية إلى النقابة، لأنهم أساس عصرنة المهنة.
ولم يحقق البلشي وعوده، لأن الملف نفسه ملتهب وهناك انقسام حول طريقة حل الأزمة، ورفض أن يخوض معركة مهنية دون قبول الجمعية العمومية للنقابة، كي لا يُقال إنه سمح بتدمير حريات الصحافة في عهده، أو أن الصحافيين خسروا الكثير من الامتيازات خلال فترة مجلسه، بما يُدخل النقابة في نفق مظلم.
وكان مجلس نقابة الصحافيين ناقش قبل أسابيع فتح طلبات القيد بجدول المنتسبين لضم الصحافيين الإلكترونيين إلى النقابة كعضوية شرفية تضمن توفير مظلة نقابية لممارسي المهنة الحقيقيين، وحماية النقابة والمهنة من منتحلي الصفة، لكن تلك الخطوة لم تكن كافية لهم، لتمسكهم بالعضوية كاملة مثل زملائهم.
وعلى مدار تاريخ نقابة الصحافيين لم يحصل أيّ محرر إلكتروني على عضويتها، إذ يُشترط أن يكون عاملا في صحيفة ورقية، ما ضاعف من أزمات الصحافيين الإلكترونيين بالتعسف ضدهم والتغاضي عن حقوقهم الوظيفية، مثل البدل والتأمين والراتب المنتظم والمعاشات لعدم وجود جهة قانونية تدافع عنهم.
هناك انقسام داخل مجلس نقابة الصحافيين نفسه حول فكرة إدراج المحررين الإلكترونيين للحصول على العضوية
ويتزامن التحرك الأخير مع النمو السريع للصحف الإلكترونية في مصر، لكن هناك معضلة ترتبط بنظرة مسؤولين حكوميين لتلك المنابر مازالوا يعتبرون أنها في درجة ثانية، وأن نشر الخبر في صحيفة ورقية أكثر وقعا من بثه إلكترونيا، ما تسبب في جمود موقف الحكومة ومجلس النواب تجاه تعديل قانون النقابة.
وأكد عضو بمجلس نقابة الصحافيين لـ”العرب” أن النقابة ليست منغلقة وتتقبل النقاش حول حقوق صحافي المواقع الإلكترونية، لكن بشروط مثل أن تكون الصحيفة تابعة لمؤسسة بها رأس مال ثابت وقامت بتعيين الصحافيين وتمنحهم رواتب وتأمينات ولها مصادر تمويل معلومة كي لا يتساوى المهنيون بالهواة.
وأضاف المصدر أن النقابة لن تسمح بتحول بعض المواقع الإلكترونية الصغيرة إلى باب خلفي للتوظيف والتربح بشراء العضوية، لذلك ندير الملف بحكمة وعقلانية، كما أنها لن تجازف بخسارة مكتسبات نقابية غير مضمون استمراريتها، وحدث مع المحامين في قانون الإجراءات الجنائية، ومع الأطباء في قانون المسؤولية الطبية، اللذين مررهما البرلمان مؤخرا، ومن الصعب طرح الفكرة في توقيت الانتخابات.
ودلل المصدر على ذلك بأن هناك مكتسبات قد تضيع إذا كان هناك تهورا نقابيا في تعديل القانون، وعلى رأسها أن يكون تأديب الصحافي أو التحقيق معه من خلال نقابته المهنية وليس أي هيئة أو جهة أخرى، مشيرا إلى أن القانون الحالي به امتيازات كثيرة، ويصعب إنكار وجود جهات لا ترغب في استمراريتها.
وقد لا يستوعب بعض المحررين الإلكترونيين تلك المعضلة، فما يعنيهم أن نقابة الصحافيين بفترة انتخابية ومن حقهم استثمار الفرصة لتجديد مطالباتهم، مثل أي فئة تستغل المواسم الانتخابية لطرح قضاياها، دون اكتراث بأن فتح باب تعديل القانون على مصراعيه يفتح الباب لغير المؤهلين.
المعضلة الرئيسية تظل أن انضمام المحررين الإلكترونيين إلى النقابة يتطلب ملاءة مالية أكثر منها مشكلة قانونية، وهذا يحتاج إلى تنمية مواردها الذاتية
وأكد نقيب الصحافيين الأسبق يحيى قلاش أن إثارة قضية المحررين الإلكترونيين في وسط الانتخابات غير موفق ومحاولة للقفز إلى المجهول، لكن لا يمكن إنكار أن الصحافة الإلكترونية جددت دماء المهنة في ظل التطورات المتسارعة للمهنة.
وأضاف لـ”العرب”أن مواصفات الاحتراف الصحفي لا بد أن تكون معروفة وواضحة، مع عمل مؤسسي مستمر ومستقر، ويجب أن يصبح التوصيف الحقيقي للصحف مبنيا على المحتوى والجماهيرية والتأثير، لا وفق الورقي والإلكتروني، وهذا الدور جزء منه يتعلق بنقابة الصحافيين، واستيعاب النقابة للمتغيرات المهنية ضرورة، والأمر بيد الجمعية العمومية للصحافيين وليست أي جهة أخرى.
وأشار قلاش إلى أنه لا يجب النظر إلى عضوية النقابة على أنها مصدر دخل، بل كيان ورمز للمهنة، يجب أن يحتضن كل العاملين الذين يستحقون الحماية والرعاية والاهتمام، لكن في النهاية، الأزمة الحالية مفتعلة للتأثير على العملة الانتخابية.
ويرى مراقبون أن فتح النقاش حول قانون النقابة وإن تسبب في انقسام لكنه حرك الجمود الذي اعترى الملف لسنوات، حيث تجمدت عملية تقنين أوضاع المحررين الإلكترونيين بعد أن ظلت الرؤية السائدة لدى مجالس النقابات السابقة مقتصرة على الاعتراف بالعاملين في صحف ورقية تراجع توزيعها وتأثيرها وبعضها تحول إلى نسخ إلكترونية، مع ذلك تبقى الوحيدة التي لها الحق في الحصول على عضوية النقابة.
وما يعزز موقف مجلس النقابة حاليا أو بعد الانتخابات، إذا قرر التفاوض مع الحكومة لتعديل القانون بنفس المكتسبات، أن نسبة كبيرة من العاملين في الصحف الإلكترونية تتوافر لديهم معايير مهنية، إضافة إلى تراجع دور الصحف الورقية بالمؤسسات الحكومية مقارنة بنظيرتها الإلكترونية بذات المؤسسات.
وتظل المعضلة الرئيسية أن انضمام المحررين الإلكترونيين إلى النقابة يتطلب ملاءة مالية أكثر منها مشكلة قانونية، وهذا يحتاج إلى تنمية مواردها الذاتية في ظل الاعتماد الحالي على المساعدات الحكومية التي يتم توفيرها لزيادة المعاشات وبدل التدريب، بحيث تتجاوب الحكومة التي تعاني أزمة اقتصادية طاحنة.