الربط الكهربائي بين تونس والجزائر وليبيا: شراكة إستراتيجية أم مصالح ظرفية

يشكل الربط الكهربائي بين تونس والجزائر وليبيا خطوة نحو التكامل في مجال الطاقة، لكنه يثير تساؤلات حول طبيعته؛ هل هو تعاون متكافئ يعزز الاستقلالية، أم أنه يكرس تبعية في الطاقة بين الدول الثلاث؟
تونس - من المنتظر أن تطلق الجزائر وتونس وليبيا قريبا الدراسات الأولية لإنجاز مشروع الربط الكهربائي بين الدول الثلاث، وهو ما يطرح تساؤلات لدى المراقبين بشأن طبيعة هذه الخطوة التي يمكن أن تعزز الشراكة من ناحية وتكرس التبعية في مجال الطاقة للجزائر من ناحية أخرى.
ويقول مراقبون إن الجزائر تمتلك قدرات إنتاجية أعلى مقارنة بتونس وليبيا، ما يجعلها المورد الرئيسي للكهرباء في أوقات الحاجة، وهذا الاعتماد قد يضع تونس وليبيا في موقف ضعف إذا قررت الجزائر تعديل سياساتها في الطاقة أو فرض شروط معينة على الإمدادات.
ويضيف المراقبون أن الكهرباء قد يمثل إلى حدّ ما ورقة ضغط بالنسبة إلى الجزائر في علاقة بقضايا سياسية مشتركة مع تونس وليبيا، لكن في المقابل تلعب تونس وليبيا أدوارا مهمة، خصوصا على المستوى الأمني للجزائر.
وأفاد مدير الدراسات بمجمع سونلغاز حبيب محمد الأخضر “نعمل على مشروع الممر الكهربائي الذي سيربط الجزائر وتونس وليبيا والمناقشات مستمرة وسيتم قريبا توقيع مذكرة تفاهم بين الدول الثلاث لإطلاق الدراسات اللازمة لتجسيد هذا المشروع.”
وأضاف في تصريح للإذاعة الرسمية الجزائرية، أن “هذا المشروع سيسمح لسونلغاز بفتح آفاق جديدة لتصدير الكهرباء إلى هذين البلدين الجارين،” مؤكدا أن “سونلغاز لديها فرص لمرافقة بلدان المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) في مجال الكهرباء.”
وذكر حبيب محمد الأخضر بأن “خطة التنمية الإستراتيجية لسونلغاز تركز بشكل رئيسي على التوسع الدولي، خاصة في أفريقيا، بدءا من البلدان المجاورة،” مشيرا إلى أنه “سيتم التفكير أيضا في مجالات تعاون أخرى، لاسيما تصدير سونلغاز لمهاراتها في مجال الدراسات الهندسية والمرافقة في إنشاء شبكات نقل الكهرباء وتصدير المعدات الصناعية المصنعة محليا.”
وفي ما يتعلق بمحطة توليد الكهرباء قيد الإنجاز في النيجر، والتي تمثل هبة من الجزائر، أوضح أنه “من المقرر، وفقا لقرارات الهيئات العليا للدولة، تشغيلها قبل صيف العام المقبل لتلبية الاحتياجات العاجلة للنيجر من الكهرباء، مشيرا إلى أن هذه البنية التحتية سيتم تركيبها وتشغيلها من قبل فرق شركة سونلغاز.”
ويأتي هذا التعاون ضمن جهود مواجهة تحديات الطاقة، خاصة خلال ذروة استهلاك الكهرباء في فصل الصيف، بهدف تخفيف الضغط على شبكات النقل والتوزيع في البلدان الثلاثة.
ويقول متابعون، إنه على الرغم من أن الجزائر تمتلك الكهرباء كورقة ضغط هامة تصدره إلى تونس وليبيا، فهي أيضا في حاجة كبيرة إلى تلك الأسواق مع مصالح إستراتيجية تربطها بتونس وليبيا.
وأفاد المحلل السياسي المنذر ثابت أن “التبعية في مجال الطاقة لا تخصّ تونس وليبيا فقط، وتونس هي المستفيدة ويمكنها الموازنة بين الجزائر وليبيا، في المقابل فإن الجزائر لديها ورقة ضغط هامة بالكهرباء الذي تصدره لتونس وليبيا، وهي أيضا تحتاج إلى هذا السوق.”
وأكد في تصريح لـ”العرب”، “الجزائر لديها مصالح مع تونس في علاقة بأنبوب الغاز الذي يصل إلى إيطاليا، وهي أيضا تخضع للأوضاع الأمنية التونسية، والأمن القومي الجزائري يخضع إلى حد كبير للأوضاع التونسية والليبية.”
وتابع ثابت “تونس مدعوة للبحث عن مصادر جديدة للطاقة، على خلاف ليبيا التي تزخر بالثروات النفطية،” لافتا أن “الجزائر تعي جيدا أن استقرار أوضاعها من استقرار الأوضاع في تونس وليبيا، وتونس لديها أكثر من ورقة ضغط في ذلك.”
ومن المتوقع أن يسهم المشروع في تحسين كفاءة أنظمة الكهرباء في الدول الثلاث وتوفير استجابة سريعة للطلب المتزايد على الطاقة، خاصة في ظل التحديات المناخية والاقتصادية.
وقال الكاتب والمحلل السياسي، مراد علالة “لا يمكن تغييب البعد السياسي لكل دولة، لكن قدر هذه الدول المغاربية المتجاورة أن تعزز الشراكة فيما بينها.”
وأكد لـ”العرب”، أن “استغلال الكهرباء والطاقة كورقة ضغط مرتبط أساسا بوعي الساسة، ومن المؤكد أن الجزائر لديها حسابات خاصة بخصوص التقارب في مجال الطاقة مع تونس وليبيا، في ظل علاقاتها غير الطبيعية مع المغرب، لكن على تونس وليبيا أن تستفيدا من هذه الخطوة الإيجابية بقطع النظر عن الحسابات السياسية من عدمها.”
وكان هذا المشروع قد شهد تطورا ملموسا في نوفمبر الماضي، حيث نجحت تجربة الربط الكهربائي التزامني بين شبكات الدول الثلاث لمدة 24 ساعة، وأسفر ذلك عن تبادل للطاقة الكهربائية بين 400 و500 ميغاوات.
وجاءت هذه الجهود استنادا إلى اتفاق جرى في أبريل الماضي خلال أول قمة ثلاثية جمعت رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي، والرئيس التونسي قيس سعيد، والرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون في تونس، حيث أقر الرؤساء الثلاثة تسريع تنفيذ هذا المشروع الإستراتيجي.
اقرأ أيضاً: