قافلة الدعم الأميركي لإسرائيل التي لا تتوقف

الباحث الأميركي وولتر ميد يقول إن الدعم الأميركي لإسرائيل يكمن حسب رؤية المحافظين الجدد، الذين يرون في عودة اليهود إلى فلسطين استكمالا للنبوءات الدينية المسيحية أو الرؤية الليبرالية. وهو، حسب معتقدهم، أن اليهود تعرضوا عبر الحقب الزمنية المختلفة للاضطهاد، ومشروع الحداثة الغربي لا يكتمل بدون رفع الظلم عن اليهود.
تجاوز دعم الولايات المتحدة لإسرائيل الدعم الأيديولوجي والسياسي والاقتصادي، حيث احتلت المساعدات العسكرية مرتبة عالية من المنح الأميركية للكيان. فالجهة المؤيدة لإسرائيل ترى أن الدعم الأميركي مهم على اعتبار أن إسرائيل دولة ديمقراطية، وهي الوحيدة في الشرق الأوسط التي تمارس الديمقراطية. تدفق المعونات هو من أجل الحفاظ على مشروعها الديمقراطي، فضلا عن أن القاسم المشترك بين إسرائيل والغرب هو القيم الغربية.
هناك أكثر من سردية لبداية الدعم الأميركي لإسرائيل. فلو سبرنا أغوار الرؤساء الأميركيين السابقين، نجد جلهم قدم لها الكثير من الدعم بشتى أنواعه. هذا يوحي للعالم بأن إسرائيل ليست فقط مشروعا إنجليزيا فحسب، بل يتعدى ذلك، فروسيا وأميركا وفرنسا ساهمت بشكل كبير في بناء إسرائيل على أرض فلسطين التاريخية.
◄ عام 1967 يُعتبر بداية نقطة التقارب بين إسرائيل والولايات المتحدة على صعيد الدعم العسكري. ولكن في عام 1973، أخذ الدعم الأميركي لإسرائيل تزداد وتيرته أكثر
الرئيس الأميركي أبراهام لنكولن، صاحب مشروع تحرير العبيد في القرن التاسع عشر، قال أمام ممثلة الصهيونية في كندا “يجب تحرير اليهود الذين كانوا يعانون الاضطهاد في روسيا وتركيا، والعمل بشكل فوري وجدي لإعادتهم إلى وطنهم القومي فلسطين، لأن هذا الحلم الجميل يشترك فيه الكثير من الأميركيين.” الرئيس الأميركي كالفين كوليدج (1923 – 1929) لم يختلف عن غيره من حكام أميركا، فقد قدم الكثير من الدعم للحركة الصهيونية وأعرب مرارا وتكرارا عن تعاطفه العميق وشوقه لبناء وطن قومي لليهود في فلسطين.
الرئيس الأميركي ليندون جونسون كان من أنصار المدافعين عن اليهود، حيث قام بتوفير تأشيرات دخول لعناصر يهودية للولايات المتحدة، كما شجع على الهجرة الشرعية لهم إلى الأرض الأميركية. وأهم خدمة قدمها جونسون لإسرائيل كانت بيع السلاح لها. وأخطر ما قاله هو “لدينا روابط عميقة مع أرض وشعب إسرائيل، فإيماني المسيحي ينبع من قصص الكتاب المقدس، وهو جزء من ذكريات طفولتي والنضال الشجاع من أجل حق اليهود في فلسطين.” أما ريتشارد نيكسون، فأمر بأن تقوم الأرض والسماء لنجدة إسرائيل.
ومع صعود رونالد ريغان إلى سدة الحكم في الولايات المتحدة (1980 – 1988)، أصبح موقف الإدارة الأميركية أكثر ميلا ودعما للتصورات الإسرائيلية إزاء قضية القدس. فقد أدلى وأصدر عدة بيانات في مناسبات عديدة منها “القدس عاصمة دولة إسرائيل”، وأنه يجب “أن تبقى دائما تحت السيادة الإسرائيلية”. وأثناء وجوده داخل البيت الأبيض تم توقيع اتفاق التعاون الإستراتيجي بين الولايات المتحدة وإسرائيل ليصب في عصب الإستراتيجية الأميركية إزاء الصراع العربي – الإسرائيلي، فكان الغزو الإسرائيلي للبنان.
اليوم، عودة دونالد ترامب تعني استمرار السياسة الأميركية الداعمة لإسرائيل بلا شروط، وهو ما ظهر جليا خلال فترته الرئاسية الأولى. فقرارات إدارته السابقة، مثل قطع التمويل عن وكالة “الأونروا” وتبني مواقف منحازة لإسرائيل، كان لها تأثير كبير على الفلسطينيين، خاصة في قطاع غزة.
◄ دعم الولايات المتحدة لإسرائيل تجاوز الدعم الأيديولوجي والسياسي والاقتصادي، حيث احتلت المساعدات العسكرية مرتبة عالية من المنح الأميركية للكيان
يُعتبر عام 1967 بداية نقطة التقارب بين إسرائيل والولايات المتحدة على صعيد الدعم العسكري. ولكن في عام 1973، أخذ الدعم الأميركي لإسرائيل تزداد وتيرته أكثر، وقد فاق هذا الدعم دعم أي دولة أخرى حليفة للولايات المتحدة في العالم. فكان بوش الابن عراب الداعمين لإسرائيل من منطلق عقائدي وأيديولوجي. الحرب التي خاضها بوش ضد العراق وأفغانستان جاءت من باب التنبؤات التوراتية.
ووفقا لما ورد في كتاب الصحافي الفرنسي كلود موريس بعنوان “لو كررت ذلك على مسامعي فلن أصدقه”، زعم فيه أن بوش حاول إقناع الرئيس الفرنسي جاك شيراك بالمشاركة في الحرب على العراق، مبررا ذلك بأن “يأجوج ومأجوج” قد انبعثا في الشرق الأوسط، مدعيا بأنهما مختبئان الآن في الشرق الأوسط، قرب مدينة بابل القديمة، وأن الحرب كانت جزءا من تحقيق نبوءة توراتية. وأصر على أن يشترك معه في حملته الحربية، التي وصفها بالحملة الإيمانية المباركة. معركة “أرمجدون” في فلسطين ونزول المسيح هي أفكار يهودية تبناها بوش الابن. مرحلة حكم بوش الابن مهدت الطريق لطغيان إسرائيل وجبروتها.
نضيف أن ما ذكر عن أحداث المحرقة زاد من تعاطف العالم مع إسرائيل، وخصوصا الولايات المتحدة. فهذا عنصر آخر نضيفه إلى عناصر الدعم الأميركي والغربي لإسرائيل.
خلاصة القول، لا توجد أي تحولات في السياسة الأميركية تجاه حليفتها إسرائيل. فالراسخ في الأجندة الأميركية هو مد العون وتقديم المشورة السياسية لها لكي تبقى سدا منيعا يحول دون وحدة العرب، هذا بالإضافة إلى التعاون المشترك بينهما على كافة الصعد.