تونس تستعد لإنهاء العمل بعقود المناولة

تونس - تستعد السلطات التونسية إلى إقرار مشروع قانون جديد ينهي العمل بعقود المناولة، في خطوة لضمان حقوق العمال المهنية والاجتماعية وتكريس مفهوم الدولة الاجتماعية، خصوصا بعد أن خلّف العمل بتلك العقود تشكيات كبيرة في صفوف العمال.
ويفسر القانون التونسي عقود المناولة على أنها آلية تقوم على علاقة تعاقدية بين 3 جهات، بين مؤسسة أصلية متمتعة بالخدمة ومؤسسة ثانية تسمى “شركة مناولة” وفق عقد إسداء خدمة والعامل. وتقوم شركة المناولة بوضع عمال على ذمة الشركة الأولى وفق عقد عمل مقابل جزء من الأجر.
وليس من الواضح وجود تعريف قانوني لليد العاملة في تونس لكن ظاهرة عقود المناولة تفاقمت في فترة الرئيس الراحل زين العابدين بن علي رغم المطالبات بإلغائها خاصة من قبل الاتحاد العام التونسي الشغل وغيرها من المنظمات النقابية والعمالية.
وتقول أوساط شعبية وسياسية، إن إنهاء العمل بتلك العقود، يعد مكسبا هاما للعمال، ويعكس مساعي جدية من الرئيس التونسي قيس سعيد لجعل نفسه المدافع الأول عن حقوق العمال التي تم إهدارها من قبل مختلف الأطراف السياسية في السنوات الماضية.
وتضيف تلك الأوساط، أن مشروع القانون الجديد من شأنه أن يمثل ضربة قوية للاتحاد العام التونسي للشغل وخاصة للقوى المناهضة للرئيس سعيد داخل المنظمة النقابية حيث يظهر الرئيس دائما داعما للفقراء والطبقات الكادحة في خطاباته وقراراته.
وأشرف الرئيس التونسي قيس سعيد، مساء الخميس على اجتماع مجلس الوزراء الذي تداول خاصة في مشروع قانون يتعلق بتنقيح بعض أحكام مجلة الشغل.
وبحسب مقطع مصوّر نشرته رئاسة الجمهورية على صفحتها الرسمية على “فيسبوك”، تم كذلك النظر، خلال اجتماع مجلس الوزراء، في منع مناولة اليد العاملة وتجريمها مع حفظ حقوق من تم إنهاء عقود شغلهم معينة المدة ومن تم فسخ عقود مناولتهم ابتداء من 6 مارس 2024 لحرمانهم من الانتفاع بالأحكام الجديدة التي سبق للرئيس التونسي أن أعلن عنها لأول مرة في التاريخ المذكور.
وأكد سعيد، أن العمل كان متواصلا خلال الأشهر والأسابيع المنقضية للنظر في مشروع تنقيح مجلة الشغل و6 مشاريع قوانين أخرى، لبلوغ الصيغة الحالية لهذا المشروع، مشدّدا على ضرورة القطع مع ما وصفه “بالماضي البغيض،” لافتا أن “مجلة الشغل تمّ تنقيحها في مناسبتين خلال سنتي 1994 و1996 ولكن هذه التنقيحات كانت تؤسس لنظام عبودية ورتق ليس أكثر.”
وأشار إلى أن “المناولة وبعد الإعلان عن التخلي عنها في مارس 2024، تمت تجاوزات وممارسات تمثلت في وضع حد للعقود المحددة بزمن أو رفت بعض العمال”، مؤكدا أن “حقوق العمال والمتعاقدين ليست موضع مساومة وأن القانون سيكون في مجابهة أي تجاوز.”
وبعد ثورة 2011 تم إدماج جميع عمال المناولة في القطاع العام والوظيفة العمومية، لكن لا يزال الآلاف يرزحون تحت هذا النظام الهش من التشغيل في عدة قطاعات خاصة مقابل أجور زهيدة وفي الغالب دون ضمانات بالتغطيات الاجتماعية والصحية.
وأفاد الكاتب والمحلل السياسي باسل الترجمان أن ” ما حصل هو مكسب كبير للعمال وللحقوق التي تم إهدارها، حيث تجاهلت كل الأطراف السياسية في السنوات الماضية أن يكون لهؤلاء حقوق مثل بقية العمال”.
وقال في تصريح لـ”العرب”، ” كان هناك عمليات سرقة نهب والعمل دون ضمان اجتماعي وصحي لمئة ألف عامل، وإنهاء العمل بتلك الصيغة يأتي في إطار رؤية الرئيس قيس سعيد لتكريس مفهوم الدولة الاجتماعية”.
ولفت باسل الترجمان أن “تلك العقود أوجدها نظام الرئيس السابق الراحل زين العابدين بن علي، دون ضمانات ويتم كل سنة إيقاف العمال عن العمل لمدة أسبوع أو أسبوعين، والىن الرئيس سعيد رأى أنه من الضروري إغلاق هذا الملف”.
وقال المحلل السياسي والخبير الأمني خليفة الشيباني” هذه العقود كانت تمثل نوعا من أنواع العبودية في سوق الشغل، حيث أن المؤسسات المشغّلة لا تقوم بتأجير مباشر للعمّال، وهذا الملف كان قد تحدث عنه الرئيس سعيد مع وزيرة الشؤون الاجتماعية والآن قطع الشكّ باليقين في ذلك”.
وأكد في تصريح لـ”العرب”، ” هذا قرار مهم جدا وطال انتظاره، والرئيس وضع حدّا للعبودية المبطّنة”.
وفشلت المنظمة العمالية في العهود الماضية من دفع الحكومات لإلغاء هذه العقود في القطاع الخاص لكنها نجحت في إلغائه في القطاع العام، حيث أمرت الحكومة التونسية في 23 فبراير الماضي تحجير إبرام عقود المناولة في الوظيفة العمومية.
وكانت رئاسة الحكومة أعلنت بداية العام الحالي قرار تحجير إبرام عقود مناولة جديدة بالقطاع العمومي بعد أن وصف سعيد المناولة بأنها “نوع من أنواع الاتجار بالبشر، اتجار ببؤس الفقراء وبعرقهم”.