بين القوة والعدالة.. أي مستقبل ينتظر العالم

هل البلطجة السياسية هي النظام العالمي الجديد الذي على المجتمعات البشرية قبوله والتعامل معه؟ أم ربما هذا النظام العالمي الجديد القديم قائم على مبدأ القوة والسطوة منذ الأزل؟
الجمعة 2025/03/14
الشعوب تدفع فاتورة الصراعات

إذا كان للعدالة آلهة تحميها، فلماذا يبدو أن العالم يُحكم من قبل “ست”، إله الفوضى؟ أين “ثيميس”، وأين “ماعت”، وأين كل الرموز التي كانت تدّعي أنها تحفظ التوازن بين الخير والشر؟

اليوم، العدالة ليست سوى وهم يُباع في أسواق الأمم المتحدة، معروض على طاولات مجلس الأمن، يخضع للفيتو والصفقات، يتحدد وفق المصالح، لا المبادئ. يبدو أن “نيميسيس” قد استيقظت، ولكن ليس للانتقام من الظالمين، بل لتعاقب الشعوب التي وقعت ضحية للعبة الكبار.

في نظرة سريعة على أحداث العالم، تسأل:هل نحن أمام عصر جديد تُمحى فيه القوانين الدولية لصالح منطق القوة؟ خاصة في ظل النهج الترامبي المفروض على طاولة العالم بقوة والنهج الإسرائيلي المستمر منذ عقود المدعوم غربيا، والذي تجلّى وجوده في أحداث العام الأخير.

◄ ما نراه اليوم إعادة تشكيل للعالم بقوة السلاح والاقتصاد والسيطرة على المعلومات، حيث الضعفاء مجرد أدوات في لعبة الكبار

هل البلطجة السياسية هي النظام العالمي الجديد الذي على المجتمعات البشرية قبوله والتعامل معه؟ أم ربما هذا النظام العالمي الجديد القديم قائم على مبدأ القوة والسطوة منذ الأزل؟ وربما وضعت أسسه بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، حين وقعت 44 دولة من الدول المنتصرة على اتفاقية “بريتون وودز” عام 1944؟ ما سمح للورقة الخضراء بالتحول إلى عملة دولية، حيث تم ربط عملات الدول المشاركة بالدولار الأميركي بدلا من الذهب.

ومن هنا بدأ مجد الولايات المتحدة، منصّبة نفسها الناطق الرسمي باسم العالم، الأخطبوط الأكبر الذي عمل خلال عقود طويلة على استنزاف موارد الدول الأخرى، والاستثمار في خراب الدول ودمارها وضرب بناها الفكرية والثقافية والمادية.

 واليوم تعود الولايات المتحدة بوجهها الترامبي (الوقح) بالتعامل مع الحليف والعدو على أساس المصلحة فقط وأميركا أولا.

لعقود طويلة كان يُقال في الخطابات إن أسس النظام العالمي قائمة على تحقيق السلام والاستقرار، لكن الحقيقة أن الاتفاقيات وُضعت بحيث تبقي القوة بيد المنتصرين فقط. اتفاقية بريتون وودز لم تكن مجرد اتفاقية اقتصادية، بل كانت إعلانا بأن العدالة لم تعد تُقاس بالحق، بل بما يحدده ميزان القوة الأميركي. من هنا، بدأت سيطرة الدولار على العالم، وأصبحت الهيمنة الاقتصادية أداة لحروب لم تُحسم بالأسلحة، بل بالمصارف والبنوك وصندوق النقد الدولي.

وما نراه اليوم ليس مجرد فوضى سياسية، بل إعادة تشكيل للعالم بقوة السلاح والاقتصاد والسيطرة على المعلومات، حيث يصبح الضعفاء مجرد أدوات في لعبة الكبار. هذا العالم يعمل بناء على معادلة واضحة، إذا لم يكن هناك توازن جديد للقوة، فإن المرحلة القادمة لن تكون سوى استمرار لهذا النهج، لكن بثمن أكبر على الشعوب التي تدفع فاتورة الصراعات دون أن تكون طرفا فيها.

حين ننطلق في رحلة البحث عن يوتوبيا.. نجد أنفسنا في رحلة بحث عن واقع مفقودة فيه العدالة والنزاهة والقيم والأخلاقيات، وكأنها أضحت مجرد روايات وخرافات تُتلى كقصص قبل النوم، لا قيمة لها بما أنها لا تحقق نفعا أو فائدة ولا تضخم من الثروات والمصالح.

◄ اليوم تعود الولايات المتحدة بوجهها الترامبي (الوقح) بالتعامل مع الحليف والعدو على أساس المصلحة فقط وأميركا أولا

نعيش في عالم يحدد فيه الأقوياء من يستحق الحياة ومن يجب أن يموت. ومن لا يملك القوة، يصبح مجرد رقم في قائمة الضحايا.

لكن، من يعيد التوازن إلى هذا العالم المجنون؟ وكيف من الممكن أن نعيد إحياء ثيميس، آلهة العدالة والحكمة لتعود وتحكم العالم؟

إذا كان الماضي قد شكّل الحاضر، وإذا كان العالم في 2025 يدفع ثمن نظام عالمي بنته أجيال سابقة أنانية جشعة، فهل يمكننا إعادة تشكيل المستقبل؟

هل نستطيع كسر هذه الحلقة التي تتكرر منذ الأزل، حيث يُعاد إنتاج الظلم بوجوه مختلفة؟ أم أننا في النهاية مجرد جنود في لعبة شطرنج عالمية لا قيمة لنا فيها ولا يمكن الفوز بها؟

في عالم تحكمه نيميسيس بقسوة، وست بفوضويته، ربما نحن في حاجة إلى يقظة جديدة، نحتاج إلى أن المُستقبل لم يُكتب بعد، ونحن وحدنا من يقرر إذا كنا سنظل ضحايا، أم نصبح صُنّاع التاريخ.

ما نراه اليوم إعادة تشكيل للعالم بقوة السلاح والاقتصاد والسيطرة على المعلومات، حيث الضعفاء مجرد أدوات في لعبة الكبار.

وإذا لم يكن هناك توازن جديد للقوة، فإن المرحلة القادمة لن تكون سوى استمرار لهذا النهج، لكن بثمن أكبر على الشعوب التي تدفع فاتورة الصراعات دون أن تكون طرفا فيها.

9