وقف برامج رياضية مخالفة رسالة ردع لانفلات الإعلام المصري

القاهرة - أعلن مجلس تنظيم الإعلام في مصر، المسؤول عن متابعة تنظيم عمل المؤسسات الإعلامية، وقف برنامجين شهيرين ومنع مقدميهما من الظهور الإعلامي، مؤكدا أنه لجأ إلى العقوبات الأشد لمواجهة الانفلات الحاصل في بعض المنابر، وعدم الاكتراث بدعوات تطبيق المعايير المهنية الخاصة بالحريات المطلقة.
وارتبط قرار المجلس بقناة الأهلي المملوكة للنادي الذي تحمل اسمه، وفضائية الشمس الخاصة، بعد أن بلغت الفوضى الإعلامية في عدد من البرامج الرياضية مداها، وأصبحت أقرب إلى ساحات للمعارك الكلامية وتصفية الحسابات بين الأندية، وتحول بعض المذيعين إلى مشجعين متعصبين يدافعون عن كياناتهم.
وكان القرار الأول وقف المذيع الشهير أحمد شوبير ومنع عرض برنامجه “حارس الأهلي” على قناة النادي لمدة أسبوعين، مع تغريم القناة مبلغ مئة ألف جنيه (ألفيْ دولار) بعد أن اتهم نادي الزمالك الغريم التقليدي للأهلي شوبير بنشر مقاطع فيديو تحض على التعصب الجماهيري، ما اعتبره المجلس مخالفة للقوانين المنظمة للإعلام.
وكان شوبير خصص جزءا من إحدى حلقات برنامجه للهجوم على جماهير الزمالك عقب استهدافهم لاعب وسط النادي الأهلي إمام عاشور بالسباب والشتائم، في مباراة جمعت الفريقين، ووجه انتقادات حادة لرئيس لجنة المسابقات في رابطة الدوري المصري، متوعدا إياه بعدم استكمال مهام منصبه، أي أنه سيقود حملة لإقالته.
وقرر مجلس الإعلام وقف برنامج “ملعب الشمس” على قناة الشمس وإلزام القناة بدفع مبلغ مئة ألف جنيه غرامة مالية ومنع عرض البرنامج لمدة شهر، مع منع ظهور مقدم البرنامج أحمد الشريف على شاشة القناة لنفس المدة، وتوجيه إنذار للقناة بسحب الترخيص في ضوء ما تبين من تكرار المخالفات.
ولوّح المجلس بالتصدي بكل صرامة لما يوصف بـالتجاوزات والانتهاكات التي ترتكبها بعض وسائل الإعلام من خلال فرض عقوبات ومحاسبة كل منبر يخرج عن النص أو يرتكب مخالفة مهنية لا تتسق مع مواثيق الشرف الإعلامي، كرسالة ردع لأي قناة أو برنامج بعد أن ضاق الجمهور ذرعا بعدد من المنابر الكبرى.
وهذه أول مرة منذ تشكيل مجلس الإعلام بأعضائه الجدد مؤخرا يتم فيها تطبيق أقصى عقوبة مرتبطة بإيقاف بث برامج تخالف المعايير المهنية، لكن سبقت تلك الخطوة تحذيرات وإجراءات عدة من إصرار بعض المنابر الإعلامية على التمادي في ارتكاب تجاوزات من دون أن تتحقق نتائج إيجابية على مستوى المشهد.
وأراد المجلس من خلال هذه العقوبات توصيل رسالة شديدة اللهجة تفيد بأن فترة الانفلات انتهت، والمرحلة المقبلة عنوانها الانضباط والالتزام بالأمر المباشر، ومن يخالف سيتعرض للمساءلة سواء أكانت الوسيلة تابعة لجهات حكومية أو مملوكة لكيان خاص، وهي رسالة تعني أن المجلس يتمتع بصلاحيات مطلقة.
ولدى مجلس تنظيم الإعلام إدارة متخصصة في رصد وتتبع العمل البرامجي على مدار اليوم، مهمتها متابعة التزام المؤسسات الإعلامية بالضوابط والمعايير المهنية، بحيث تم اتخاذ إجراءات استباقية ضد المخالفات ومحاسبة المتورطين سريعا قبل أن يُنادي الجمهور بتفعيل العقوبات.
ويرى متابعون للمشهد أن التحركات الأخيرة لمجلس تنظيم الإعلام محاولة لإظهار العين الحمراء ضد المنابر التي سوقت للجمهور أنها تمتلك من النفوذ والشعبية ما يكفي لتحصينها من العقوبات، لكن يبدو أن الحكومة منحت المجلس الضوء الأخضر لتفعيل المحاسبة الصارمة كأداة لضبط المنفلتين دون هوادة.
ويعتقد البعض من خبراء الإعلام أن تطبيق قرارات الوقف على البرامج ومنع مذيعيها من الظهور، يعني أن الحكومة لديها القدرة على الضبط والربط والمحاسبة، ما يشير إلى عدم صعوبة أو استحالة تكريس المهنية ومنع التجاوزات، لكن العبرة في استدامة تلك السياسة بعيدا عن الانتقائية وفق متطلبات المرحلة.
وأكد الخبير الإعلامي محمد شومان أن ضبط إيقاع المنظومة الإعلامية ليس مستحيلا، المهم الجرأة والإرادة، والقرارات التي تم اتخاذها مؤخرا إيجابية كرسالة لمن يتعمدون ارتكاب تجاوزات، ومن المهم عدم اختزال الحلول في العقوبات فقط لأن هموم المهنة متشعبة وتحتاج إلى تشريح يكرس المهنية بحلول قابلة للتنفيذ.
التحركات الأخيرة لمجلس تنظيم الإعلام محاولة لإظهار العين الحمراء ضد المنابر التي سوقت أنها تمتلك من النفوذ ما يكفي لتحصينها من العقوبات
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن المحاسبة على المخالفات المهنية جزء من ضبط المنظومة، والإعلام المصري يحتاج إلى سياسة واضحة المعالم وإجراءات تعزز جماهيريته، مثل توافر المعلومات وتوسيع مساحة النقد وإقصاء الدخلاء وتصعيد الكفاءات والاعتماد على الفئات الشابة وتطبيق المعايير على الجميع دون استثناء.
كما أن العقوبات مطلوبة كوسيلة للترهيب وإظهار الصرامة ضد المخالفين، والعبرة أن تكون العقوبة مصحوبة بفترة تأهيل على ما يمكن قوله وما لا يجب فعله أو التطرق إليه مرة ثانية، فهناك مقدمو برامج تعرضوا لعقوبات وعادوا وكرروا نفس الأخطاء.
وكانت كبرى أزمات الإعلام المصري وجود مواثيق شرف ومدونات سلوك وإمكانية فرض عقوبات مشددة، لكن لم تكن تطبق على العديد من المنابر مهما ارتكبت من أخطاء، ما بعث برسائل سلبية أوحت للبعض بأنهم خارج المحاسبة، وهو ما قاد إلى تكرار نفس الأخطاء على فترات متقاربة.
ويعبر البدء في تطبيق عقوبات مشددة على برامج رياضية لها جماهيرية واسعة عن جرأة من القائمين على إدارة المشهد الإعلامي، بأنهم لا يخضعون للابتزاز ولديهم ما يكفي من الصلاحيات للوقوف ضد أي منبر يحتمي بشعبيته، وهي رسالة توحي بأن الأخطاء التي كانت تتم التغطية عليها لن تتكرر.
وأدرك المجلس أن الإخفاق في وقف انفلات المنابر الرياضية بإجراءات صارمة سيقود إلى أن تواجه الحكومة أزمة في مخاطبة الشارع عبر منابر أخرى، لأن الجمهور بطبعه ينجذب إلى صراعات الرياضة في ذروة حاجة الدولة إلى اهتمام الشارع بما تقوم به من تحركات على الأرض، لكن هناك منابر تلهي الناس.
وثمة قنوات وبرامج معروف في الوسط الإعلامي أن نفوذها أقوى من المجلس نفسه، خاصة تلك التي تقدم محتوى رياضيا مرتبطا بكيانات شعبية، مثل الأهلي والزمالك، لكن التحرك الأخير يعبر عن انتفاضة من دوائر ضاقت ذرعا بتلك البرامج التي تناقش موضوعات مثيرة على حساب قضايا جادة.
وتُدرك الحكومة أن الوضع السياسي والاجتماعي بالتزامن مع تشعب التحديات الداخلية والخارجية يستدعي المزيد من تماسك الشارع بعيدا عن التعصب وشحن الجمهور، ولم يعد مقبولا أن تكون الموضوعات الأكثر مشاهدة مرتبطة بأحداث شاذة بما يُكرس تغييب الوعي المجتمعي.
وتقبلت الحكومة انفلات بعض المنابر والتجاوز عن الإثارة في أوقات مضت لشغل الناس عن التركيز على السلبيات المعيشية، ومع الوضع الراهن هناك حاجة ملحة لالتفاف الشارع خلف النظام لمواجهة التحديات وعدم التغطية على القضايا المرتبطة بالأزمات الأمنية والسياسية بأخرى تثير المعارك بين المواطنين.