العنف يتمدد ضد زوجات مصريات.. لماذا لا يتم اللجوء إلى الطلاق

تعرض نساء للموت والإصابة بعاهات مستديمة يدفع إلى مقاطعة الزواج.
الجمعة 2025/02/28
عنف مشفوع بصمت

يؤكد الباحثون في القضايا الأسرية بمصر أن الاستمرار في علاقة زوجية فاشلة يقود إلى المزيد من العنف، مشيرين إلى أن الطلاق حل مثالي للزوجين اللذين تحولت علاقتهما إلى صراع جسدي. وتزايدت في الآونة الأخيرة حالات تعنيف النساء من قبل أزواجهن، والتي تصل في الكثير من الأحيان إلى القتل. ويحمّل الباحثون أسرة المرأة الدور الأكبر في حمايتها وعدم تركها وحيدة تواجه الأذى.

القاهرة - أظهر تكرار وقائع الاعتداء على زوجات مصريات مؤخرا ارتفاع منسوب العنف الزوجي في العديد من الأسر، ما طرح تساؤلات حول أسباب قبول الطرفين باستمرار العلاقة الزوجية إذا كانت فاشلة، من دون اللجوء إلى الطلاق لراحة الشريكين وتجنب تحول حياتهما إلى جحيم، بعد أن وصل التفاهم بينهما إلى طريق مسدود، وأصبح العنف هو لغة الحوار الوحيدة.

وشهدت الفترة الماضية وقوع حوادث أثارت غضب شريحة واسعة من المجتمع المصري، آخرها تعرض زوجة لإصابات بالغة بعد أن أجبرها زوجها على تناول مادة حارقة وباتت غير قادرة على النطق لمجرد خلافات وقعت بينهما وحاول الزوج الانتقام منها كي لا تستطيع الكلام، وفشل الأطباء في إنقاذها من العاهة المستديمة التي نتجت عن المادة الحارقة.

وتعرضت زوجة أخرى للقتل على يد شريكها بعد أن نشبت بينهما مشاجرة قام على إثرها بضربها بآلة حادة ولم تفلح محاولات إنقاذها، وقام ثالث بخنق زوجته لأنها لا تستجيب لطلباته فقرر الانتقام منها. وكلها حوادث تتكرر وبتفاصيل مرعبة دفعت البعض إلى التساؤل عن عدم اللجوء إلى الانفصال بدلا من العنف والانتقام.

وتزامن ذلك مع مقتل المصرية آية عادل المقيمة في الأردن وأصبحت حديث الرأي العام في البلدين، بعد أن أثارت جدلا واسعا عقب سقوطها من شرفة مسكنها في الطابق السابع، وزوجها متهم بأنه دائم الاعتداء عليها بالضرب، وسط تضارب الروايات حول ما إذا كانت أقدمت على الانتحار أم أنه ألقاها من الشرفة.

هالة منصور: الاستمرار في علاقة فاشلة يقود إلى المزيد من العنف
هالة منصور: الاستمرار في علاقة فاشلة يقود إلى المزيد من العنف

وهناك شبه اتفاق بين دوائر مختلفة على أن القضاء على ظاهرة العنف الزوجي لن يتحقق طالما التزمت الضحية الصمت وقررت الاستمرار في العلاقة، ومن دون اكتراث المرأة بحقوقها واللجوء إلى القضاء في حال تم الاعتداء عليها، ما يتطلب أن تتخلى الأسر عن أعراف وتقاليد سلبية صارت حاكمة للعلاقة الزوجية.

وانتفض البعض على شبكات التواصل الاجتماعي في مصر غضبا ضد والد الزوجة التي أجبرها زوجها على تناول مادة حارقة، بعد أن خرج في وسائل إعلامية وتحدث عن أن ابنته كانت تتعرض للضرب المبرح وأخفقت الأسرة في إنقاذها أكثر من مرة، إلى درجة أن الزوج اعتاد منعها من الخروج من المنزل ولقاء أسرتها.

وكشف ذلك أن المرأة التي تعاني من السلبية في مواجهة العنف الزوجي ضحية أسرة تعاملت مع ظروفها باستخفاف وتركتها وحدها تواجه الاعتداء اللفظي والجسدي دون أن تقدم لها يد المساعدة، ما يجعل الزوج يتعامل معها بالمزيد من العنف.

وطالعت “العرب” عددا من تعليقات الفتيات المصريات على تلك الوقائع، من بينها دعوات إلى عدم الزواج مهما تقدمت الفتاة في العُمر، لأن العلاقات الزوجية أصبحت تغلب عليها ظواهر قاتمة وتقود إلى الضرب المبرح والموت والإصابة بعاهات مستديمة، في ظل رجال يبيحون ضرب المرأة بقسوة، بحجة التأديب والتهذيب وتقويم السلوك.

وهناك قوانين تُحاكم الزوج المعتدي بعقوبات تصل إلى الحبس، لكن تظل العبرة في شجاعة المرأة وقرارها اللجوء إلى القضاء والتخلي عن التقاليد التي تمنعها من حقها في الانتصار لكرامتها، وإن خسرت حقوقها المادية وتعرضت للطلاق بالخلع، المهم أن ترفض العيش حياة بائسة قد تكون أسوأ لها من السجن.

وصادق مجلس النواب المصري على تعديلات تشريعية منحت الزوجة حق مقاضاة شريكها إذا اعتدى عليها بشكل يلحق الأذى بها، وبلغت العقوبات حد الحبس لمدة تصل إلى ثلاث سنوات عند الإصابة الخطيرة، لكن الكثير من النساء لا يفضلن الحصول على حقوقهن بالقانون خشية رد فعل الأسرة وانهيار العلاقة الزوجية.

◙ المرأة التي تعاني من السلبية في مواجهة العنف ضحية أسرة تعاملت مع ظروفها باستخفاف وتركتها وحيدة

ويرى متابعون لظاهرة العنف الأسري في مصر أن الصمت عن العنف لاستمرار العلاقة لن يوقف الأذى النفسي والبدني لأن الضحية ستظهر في صورة منكسرة وتبدو متقبلة للوضع باعتبار أنها لا تمتلك البديل المناسب، ما يفرض على المرأة وأسرتها التضحية بتلك العلاقة مهما كانت النتيجة، طالما أن هناك مظلة تشريعية تحميها.

المشكلة الأكبر في وجود قناعة راسخة لدى بعض الأسر المصرية بأن الطرف الذي يلجأ إلى المسار القضائي لتأديب الطرف الذي اعتاد العنف من الأمور المعيبة التي تقود إلى فضيحة تلاحق الزوجة وعائلتها، بحكم أن الأعراف التي توارثتها الأجيال أكدت لدى هؤلاء أن التقاليد هي الفيصل في حل أي نزاع بين الزوجين.

ومن النادر أن تلجأ زوجة مصرية إلى استدعاء الشرطة لزوجها عندما يقوم بالاعتداء عليها مهما بلغت قسوة الضرب، لأنها لا تمتلك الشجاعة الفردية، أو تنتمي إلى أسرة قد تقاطعها وتتبرأ منها إذا فعلت ذلك، وتتعرض للتهديد والمطاردة من عائلة زوجها، مع عدم وجود منظمات وكيانات مدنية قوية تدافع عن المرأة وتتبنى حقوقها بجرأة.

ويوجد المجلس القومي للمرأة المعني بحقوق السيدات ويتبع الحكومة مباشرة، لكنه لا يمتلك الأدوات الكافية التي يستطيع من خلالها توفير حصانة وحماية لامرأة تتعرض للعنف، وكل ما بيديه أن يصدر بيانا للإدانة أو الاستعانة بمحامٍ يدافع عن الضحية، أيّ أن المرأة تواجه وحدها ظروفا غير إنسانية ولا يكون أمامها سوى القضاء الذي يحتاج إلى نفس طويل.

◙ هناك شبه اتفاق بين دوائر مختلفة على أن القضاء على ظاهرة العنف الزوجي لن يتحقق طالما التزمت الضحية الصمت

وعندما تتعرض الزوجة للضرب المبرح على يد شريكها فإنها تترك المنزل لتقيم عند أسرتها إلى أن يأتي زوجها برفقة أقاربه لعقد صُلح عرفي، ثم تعود إلى بيتها مجددا، وهكذا يحدث نفس الأمر في كل مرة، ومع غالبية النساء المصريات، ونادرا ما ينتهي الزواج بالطلاق أو ينتهي العنف إلا إذا كانت الزوجة شجاعة وقررت خلع زوجها بدافع الضرر.

وقالت هالة منصور، أستاذة علم الاجتماع والباحثة في القضايا الأسرية بالقاهرة، إن استمرار إدانة الزوجة التي تلجأ إلى القضاء لحمايتها من العنف يكرس الظاهرة ويقود إلى شرعنة التقاليد في مواجهة الاعتداءات المتكررة، وما يترتب على ذلك من ترهيب المرأة لمجرد أنها قررت التغريد خارج هذا الإطار لتجد نفسها معزولة ومتهمة بالتمرد لمجرد القصاص لنفسها.

وأضافت لـ”العرب” أن الاستمرار في علاقة فاشلة يقود إلى المزيد من العنف، والطلاق حل مثالي للزوجين اللذين تحولت علاقتهما إلى صراع جسدي، وأسرة المرأة عليها الدور الأكبر في حمايتها وعدم تركها وحيدة تواجه الأذى وتخشى الوقوف في وجه الأعراف المجتمعية، لأنها تستمد شجاعتها من عائلتها، ودون ذلك ستظل تعيش في سجن يصعب التحرر منه.

وهناك أزمة تعرقل القضاء على العنف الزوجي، ترتبط بالفتاوى التي تصدر عن رجال دين وشيوخ لهم شهرة واسعة أسهمت في تكريس الأذى النفسي والجسدي للمرأة، فهناك من يبيح للرجل تأديب زوجته إذا خرجت عن طوعه، وهو ما لم تواجهه المؤسسات الدينية بصرامة حتى تحولت الكثير من البيوت إلى مراكز تأديب للزوجات بمباركة متشددين.

16