التونسيون يستعدون لاستقبال شهر رمضان في ظل غلاء الأسعار

مع اقتراب حلول شهر رمضان يتصاعد منسوب القلق لدى التونسيين بشأن طرق مواجهة تزايد نسق الاستهلاك وتوفير الحاجيات الأساسية التي ترتفع أسعارها، مقارنة بضعف القدرة الشرائية، رغم تطمينات السلطات بالتصدي لممارسات الاحتكار والمضاربة.
تونس - يستعد التونسيون لاستقبال شهر رمضان في وقت تشهد فيه البلاد غلاء في أسعار المنتوجات مقابل ضعف القدرة الشرائية لمختلف الفئات وسط الركود الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة.
وعلى الرغم من تخوف المواطنين من عودة ظاهرة الصفوف خلال شهر الصيام، وخاصة في ما يتعلق بالمواد التموينية الأساسية، في شهر ترتفع فيه درجة الاستهلاك بشكل غير معهود، إلا أن السلطات الرسمية وعلى رأسها وزارة التجارة أكدت توفر المواد في الأسواق والمحال التجارية بالكميات المطلوبة.
ويأتي ذلك في وقت تعاني فيه البلاد من ارتفاع معدل التضخم الذي بلغ 6.7 في المئة وارتفاع أسعار المواد الغذائية ومعدلات البطالة التي تبلغ 16 في المئة حاليا، بينما يعيش نحو 4 ملايين من السكان تحت خط الفقر، وفق معطيات لوزارة الشؤون الاجتماعية.
وأكد وزير التجارة وتنمية الصادرات سمير عبيد على “ضرورة تعزيز جهود كافة الأطراف المتدخلة للشركة التونسية لأسواق الجملة ببئر القصعة (قرب العاصمة تونس) لإنجاح نسق التزويد خلال شهر رمضان على كل المستويات سواء تعلق ذلك بالأسعار وشفافية المعاملات أو بالتزويد.”
وجاء ذلك خلال إشرافه، مساء السبت، على جلسة عمل بمقر الشركة ببئر القصعة (ولاية بن عروس) بحضور الرئيس المدير العام للشركة سفيان طرميز والمدير العام للمنافسة والأبحاث الاقتصادية حسام الدين التويتي وممثلين عن المتدخلين بالسوق.
وأفادت وزارة التجارة في بلاغ لها بأن الجلسة تندرج في إطار مواصلة الاستعداد لشهر رمضان والحرص على تأمين انتظامية التزويد واستقرار الأسعار بسوق الجملة بئر القصعة باعتبارها سوقا مرجعية في المجال تغطي عمليات التزويد لعدد هام من ولايات الجمهورية.
وتعتزم إدارة المراقبة والأبحاث الاقتصادية بوزارة التجارة وتنمية الصادرات تخصيص أكثر من 200 فريق رقابي خلال شهر رمضان من أجل التصدي لكل الممارسات المخلة بقواعد المنافسة النزيهة وردع كل المخالفين.
وعانت تونس، التي تعدّ أكثر من 12 مليون نسمة، من ارتفاع معدلات التضخم في السنوات الأخيرة (10 في المئة في المتوسط سنويا) مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية في بعض الأحيان إلى ثلاثة أضعاف، مما أدى إلى تراجع أوضاع الطبقات العاملة والطبقة الوسطى.
من جهته، قال مدير إدارة المراقبة والأبحاث الاقتصادية زهير بوزيان إن “اجتماعات ضمت ممثلين عن وزارتي التجارة والداخلية من أجل تنظيم العمل المشترك والتنسيق لضبط برنامج عمل رقابي خصوصي لشهر رمضان 2025.”
وأكد في تصريح صحفي أن “تخصيص أكثر من 200 فريق رقابي سيمكن من تغطية أغلب مناطق البلاد واستهداف أكبر عدد ممكن من المناطق ذات الكثافة التجارية”، لافتا إلى أن “شهر رمضان يمثل شهرا استهلاكيا بامتياز ترتفع فيه مشتريات التونسيين بشكل لافت بالمقارنة مع بقية أشهر السنة.”
وشهد استهلاك التونسيين للحوم الحمراء، بحسب أرقام حكومية، اضطرابات خلال السنوات الماضية، حيث ناهز 8 كيلوغرامات سنويا للفرد الواحد وهو أقل من المعدل العالمي، بينما استهلك التونسيون خلال العام الماضي 130 ألف طن.
وتم الانطلاق في مراقبة مخازن التبريد للتثبت في عمليات الخزن عبر التطبيقة الإعلامية الخاصة بوزارة التجارة ومدى مطابقة الكميات الموجودة بالمخازن من عدمها.
وأفاد أستاذ الاقتصاد محمد صالح الجنادي بأن “هناك حوالي مليون ونصف شخص من جنسيات أفريقية مع توافد قرابة 10 ملايين من السيّاح والزوّار على تونس، وهذا عامل ديموغرافي يساهم في ارتفاع الأسعار.”
وأكد لـ”العرب” أن “الحليب غير متوفر بالشكل المطلوب، في وقت تم فيه ضخّ 1800 مليون لتر في الأسواق، وهذا ما يطرح نقاط استفهام، كما توجد إخلالات لتجييش الوضع.”
وأوضح الجنادي أن “غلاء الأسعار يتعلق أساسا بالخضر والغلال، ومن غير المعقول أن يصل سعر الكيلوغرام الواحد من البطاطا إلى قرابة 3 دنانير والفلفل من 3 دنانير إلى 3.4 دينار، والكيلوغرام الواحد من الطماطم المعلبة في حدود 5 دنانير، بينما يصل الكيلوغرام الواحد من اللحوم إلى 50 دينارا (15.75 دولارا)، كما أن القفّة اليومية للمواطن التونسي تتجاوز 45 دينارا (14.18 دولارا)، وهذه أسعار خيالية بالمقارنة مع المقدرة الشرائية للتونسيين.”
واستطرد الجنادي قائلا “هناك سوء حوكمة، ووزارة التجارة مطالبة بتحيين الأسعار مع المنتجين.”
وكانت دراسة سابقة للمعهد الوطني للاستهلاك كشفت عن ارتفاع نسق الاستهلاك في تونس خلال شهر رمضان بنسبة تتراوح بين 15 و20 في المئة بالمقارنة مع بقية أشهر السنة.
وقال لطفي الرياحي، رئيس المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك، إن “شهر رمضان موسم استهلاكي بالأساس، ووجب على التونسيين التأقلم مع هذا الوضع”، لافتا إلى أن “المنتوجات متوفّرة في الأسواق والمحال التجارية، لكن هناك غلاء في الأسعار.”
وأضاف في تصريح لـ”العرب”، “نطالب كمنظمة تحديد هامش الربح الذي لا يزال مرتفعا بسبب سيطرة بعض اللوبيات والمتحكّمين في هيكلة الأسعار، كما يمكن أن تجد في مسالك التوزيع 3 أو 4 متدخّلين وهو ما يساهم في تضخّم هامش الربح.”
وأكد لطفي الرياحي أن “المنتج متضرر والمستهلك أيضا، وسوق الجملة شرعت في رقمنة مسالك التوزيع للحدّ من تدخّل الوسطاء.”
ومن جانب آخر سيرتكز العمل، وفق بوزيان، على مراقبة آلات الوزن والمكاييل لاحترام ختم وزارة التجارة الدال على مطابقة آلة الوزن للمعايير، وأضاف أن العمل الرقابي خلال النصف الثاني من رمضان سيشمل فضاءات الترفيه والمقاهي من أجل مراقبة الاستعمالات المهنية لمادتي القهوة والسكر، والسعي إلى التصدي لبعض الممارسات غير القانونية والترفيع في الأسعار.
كما سيتوجه اهتمام فرق المراقبة الاقتصادية، خلال ذات الفترة، نحو محلات بيع الملابس الجاهزة والأحذية ولعب الأطفال.