ضغوط الأزمات تحاصر مربي المواشي في تونس

تغير المناخ وارتفاع التكاليف وضعف دعم الدولة يتسبب في خسائر كبيرة للقطاع.
الاثنين 2025/02/17
الأعباء كثيرة والمكاسب قليلة

تتفق أوساط مربي المواشي والخبراء في تونس على أن تربية المواشي أضحت بحاجة ماسّة إلى الإنقاذ، بعد دخول القطاع في حالة طوارئ نتيجة مجموعة من التحديات التي أضعفت قدرته على مواجهة الأزمات، ما يضع مسألة الأمن الغذائي للسكان على المحك.

تونس - تعرض قطاع تربية الماشية في تونس إلى خسائر كبيرة طيلة السنوات الأخيرة، بسبب تواتر مواسم الجفاف، وغياب تدخّل الدولة لتشجيع المزارعين، في ظلّ غلاء أسعار الأعلاف، ما دفع الكثير منهم إلى التفريط في القطيع.

ويسهم القطاع بنسبة 35 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي الزراعي للبلاد، وفق التقديرات، ما يؤكد أنه مجال مهم في التنمية وتوليد الوظائف، وكذلك لأمن التونسيين الغذائي.

ويقول خبراء إن من أبرز أسباب احتدام الأزمة الإفراط في استعمال العلف المركب الذي يأتي غالبا من التوريد، وظهور المتدخلين في المهنة.

وينضاف إلى ذلك، بحسب هؤلاء، سوء الوضع الصحي في تربية الأبقار والذبح العشوائي وضعف وضعية المذابح والمسالخ وتراجع قيمة الدينار عالميا، وهو ما يهدد السيادة الزراعية للبلاد.

أنيس الخرباش: 65 في المئة من المزارعين يملكون 3 رؤوس أبقار
أنيس الخرباش: 65 في المئة من المزارعين يملكون 3 رؤوس أبقار

وأكد مدير وحدة الإنتاج الحيواني في اتحاد المزارعين منور الصغيري أن “غياب سياسة تقاسم المخاطر من طرف الدولة، بالإضافة إلى التغيرات المناخية وارتفاع كلفة الأعلاف، أدى إلى خسائر في القطاع بقيمة 3 مليارات دينار (950 مليون دولار).”

ويشكل هذا الرقم الفارق بين الكلفة وسعر بيع المواشي لدى المربين خلال الفترة الفاصلة بين عامي 2020 و2023، وفق الصغيري خلال مداخلته في الملتقى الوطني حول تنمية القطاع الذي عقد مؤخرا.

وقال إن “هذه الخسائر ضخمة نتجت عنها خسارة للرأس المال البشري وضعف إنتاجية الأبقار لتبلغ أدنى مستوياتها بالإضافة إلى ضعف إنتاج الحليب وإنتاج الماعز والخراف كذلك، وهو ما يترجم ارتفاع أسعار اللحوم في بلادنا اليوم.”

وأثار الصغيري إشكالية توريد الحليب المجفف الذي بلغ حوالي 13 ألف طن خلال العامين الماضيين، أي ما يعادل 140 مليون لتر من الحليب.

وأرجع ذلك إلى العديد من الأسباب أهمها الأسباب الهيكلية، كغياب رؤية مستقبلية وغياب الحوكمة في إدارة الأزمة وغياب سياسة زراعية.

ولفت إلى أن مؤشر التوجه الزراعي في تونس ضعيف وفي تراجع حاد حيث بلغ 0.4 في المئة و”رغم ذلك كان الدور التعديلي كله موجها إلى المستهلك بالأساس.”

واعتبر أن “الحل يكمن أساسا في وضع سياسة زراعية واضحة واعتماد رؤية اقتصادية واجتماعية تعتمد على نموذج تنموي جديد يعتمد على التشاركية والبحث العلمي والتنظيم المهني والحوكمة.”

وأشار إلى أن الاستهلاك المحلي من اللحوم الحمراء والبيضاء لا يتجاوز 40 كيلوغراما سنويا للفرد الواحد، بينما متوسط الاستهلاك العالمي هو 60 كيلوغراما، “ما قد يؤثر على صحة المواطنين.”

ويعادل سعر الكيلوغرام الواحد من اللحوم 8.6 في المئة من الأجر الأدنى الزراعي، في حين يعادل الكيلوغرام من الدواجن 1.6 في المئة من هذا الأجر، وهو ما يفسر توجه المستهلك نحو لحوم الدواجن.

950

مليون دولار خسائر القطاع خلال الفترة بين عامي 2020 و2023، بحسب التقديرات الرسمية

وحسب إحصائيات ديوان تربية الماشية وتوفير المرعى، تزايد عدد مربي الماشية في سنة 2022 إلى 112 ألف مرب، في حين وصل عدد مربي المجترات الصغيرة إلى 274 ألف مرب.

وتزدهر ظاهرة التفريط في القطيع خاصة لدى المزارعين في مناطق الوسط والساحل والجنوب، لأنها مناطق جافة ولا تتوفر على موارد علفية كافية.

ويحمّل أهل القطاع تدهور عمليات الإنتاج الزراعي والحيواني إلى تقصير الحكومات المتعاقبة منذ عام 2011، خاصة عدم تقديم الدعم في أوقات الأزمات.

ويعتقد المختصون أن حل الأزمة يتطلب تدخلا عاجلا من الحكومة، سواء من خلال توفير الدعم للمزارعين أو عبر تشديد الرقابة على الأسواق لمنع الاحتكار والمضاربة.

وأفاد الخبير في المجال الزراعي أنيس الخرباش بأن ” قطيع الأبقار تراجع بين 2011 و2024 إلى النصف، من 700 ألف إلى 350 ألف بقرة، فيما تراجع قطيع الأغنام بنسبة 35 في المئة من 7 ملايين رأس غنم إلى 4.5 مليون رأس.”

وفي تصريح لـ”العرب” عزا ذلك إلى عامل الجفاف والتغيرات المناخية، وتداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية، فضلا عن غلاء أسعار الأعلاف.

وقال “بقي المزارع يبيع منتجاته بقيمة الكلفة، حيث لم تتم الزيادة في سعر اللتر الواحد من الحليب منذ 2019، الذي يبلغ 1.3 دينار (0.41 دولار) مقابل ارتفاع كلفة الإنتاج من 1.6 دينار إلى 1.85 (نصف دولار و0.58 دولار).”

وأوضح الخرباش أن ذلك انعكس أيضا على منظومة اللحوم الحمراء، والتي سجلت نقصا بنحو 600 طن، في حين تبلغ احتياجات الاستهلاك 10.8 ألف طن شهريا.

ونتيجة لهذا الوضع يرى الخرباش حتمية الزيادة في سعر الحليب عند الكلفة، مع ضرورة تجاوز الخطى المتعثرة للدولة في توفير الأعلاف.

عمر الغزواني: القطاع بالنسبة إلى الكثير من المربين أصبح غير مربح
عمر الغزواني: القطاع بالنسبة إلى الكثير من المربين أصبح غير مربح

وقال إن “65 في المئة من المزارعين يملكون 3 رؤوس أبقار وأقل من 10 رؤوس أغنام، فبقي ذلك نوعا من الزراعة العائلية المهمشة.”

كما طالب بالعمل على توفير سلالات جديدة، مع إطلاق إستراتيجية لاستشراف الأمراض والأوبئة التي يمكن أن تصيب قطعان الماشية، علاوة على تنظيم المزارعين في شركات تعاونية لشراء الأعلاف.

وتشهد السوق التونسية نقصا في إمدادات الحليب وتراجع الإنتاج بمعدل 400 ألف لتر يوميا، في الوقت الذي يتراوح فيه الاستهلاك اليومي بين 1.8 مليون لتر ومليوني لتر، حسب إحصائيات الإدارة المركزية لتصنيع الحليب.

وقال عمر الغزواني، رئيس اتحاد المزارعين بولاية (محافظة) جندوبة شمال غرب البلاد، “تم التفويت في عدد كبير من القطيع لأنه أصبح قطاعا غير مربح للمزارعين، كما أن أسعار إنتاج الحليب لا تغطي التكاليف.”

وأوضح لـ”العرب” أن “هناك غلاء في أسعار الأعلاف كما أن كلفة الإنتاج أصبحت مرتفعة، وهي مشكلة مرتبطة بالوضع العالمي وغلاء أسعار المواد الأولية في العالم.”

وتسبّبت أزمة الجفاف خلال السنوات الأخيرة في ارتفاع أسعار المواد العلفية في السوق المحلية، إلى جانب تواصل ارتفاع أسعار المواد العلفية المركبة المخصصة للأبقار المنتجة للحليب.

وخلّف ارتفاع أسعار الأعلاف تذمّرا شديدا بين المزارعين، خصوصا مربي المواشي والأبقار، وسط تحذير من انعكاسات ندرتها والتلاعب بمكونات إنتاجها ونسبه.

10