هل تقدر وزيرة المالية الجديدة في تونس على ترجمة توجهات قيس سعيد

عيّن الرئيس التونسي قيس سعيّد مشكاة سلامة الخالدي وزيرة للمالية خلفا للوزيرة المقالة سهام البوغديري نمصية التي تولّت حقيبة المالية منذ أكتوبر 2021، في خطوة حملت حزمة من التساؤلات حول قدرة الوزيرة الجديدة على تخطي العقبات التي تعترض قطاع المالية وفيما كان سيساعدها ترؤسها للجنة الصلح الجزائي في مهامها الجديدة.
تونس - طرح قرار تعيين مشكاة سلامة الخالدي على رأس وزارة المالية في تونس تساؤلات لدى الأوساط السياسية والشعبية في البلاد حول ما يمكن أن تقدمه الوزيرة الجديدة للوزارة في الظرف الراهن، وفيما كان سيساعدها إشرافها على لجنة المصالحة في حلحلة مشاكل الوزارة.
وكان الرئيس التونسي قيس سعيّد قد عيّن مشكاة سلامة الخالدي وزيرة جديدة للمالية، خلفا لسهام البوغديري نمصية، التي تمّت إقالتها، في مسعى لضخّ دماء جديدة للعمل الحكومي وتحسين المؤشرات المالية والاقتصادية للبلاد.
وذكر بيان للرئاسة التونسية، نشرته مساء الأربعاء، أن الوزيرة الجديدة أدت اليمين أمام الرئيس قيس سعيّد، وذلك قبل البدء رسميا في مهامها.
وتقول أوساط سياسية إنه بإمكان الوزيرة الجديدة تقديم الإضافة المرجوّة منها على رأس الوزارة، خصوصا في ظل الصعوبات المالية، كما لم تنف أن إشراف مشكاة الخالدي على لجنة المصالحة سيساعدها في مهامها.
وتضيف تلك الأوساط أن الوزيرة تحتاج إلى فريق من المتخصصين والخبراء في المجال المالي، من أجل حسم مصير المؤسسات العمومية ومعالجة ملف الاستثمار في البلاد.
ومشكاة سلامة الخالدي قاضية من الرتبة الثالثة تولت سابقا رئاسة لجنة الصلح الجزائي التي شكلّها قيس سعيد، وتعمل على إبرام اتفاق بين المتورطين والدولة على أساس استرجاع الأموال التي حصلوا عليها مقابل إسقاط الملاحقة القضائية.
كما ستتولى الخالدي، حقيبة المالية، في مرحلة حساسة تمر بها البلاد، مع استمرار الأزمة المالية، وفي ظلّ حالة من التململ الشعبي، بسبب النقص المستمر في بعض السلع الأساسية، إضافة إلى أزمة ديون مقابل تراجع الموارد المالية وضعف نسب النمو.
وقال المحلل السياسي المنذر ثابت “تخصص الوزيرة الجديدة سيساعدها في أداء مهامها، وهي مطالبة أولا باسترجاع الأموال المهربة إلى الخارج ومتابعة ذلك الملف، إضافة إلى الأملاك المصادرة وخاصة منها الشركات.”
وأكد في تصريح لـ”العرب” أنه “يجب البحث عن تمويل للميزانية، خصوصا وأنه من الواضح أن هناك عدم رضا على قانون المالية لسنة 2025، المعتمد أساسا على الاقتراض والجباية.”
ولفت ثابت إلى أن “اختيار مشكاة الخالدي، قد يستند أساسا إلى قاعدة النظافة في المعنى السياسي وبعدها عن الأحزاب واللوبيات، وبالتالي التزام الحياد الذي يعتبر معيارا في العمل، كما تحتاج إلى فريق من المتخصصين والخبراء في المجال المالي لأخذ قرارات مناسبة.”
وأشار المنذر ثابت إلى أنه “في مقدور الوزيرة الجديدة الكثير، وعليها حل ملف المؤسسات العمومية التي حان الوقت لحسم مصيرها إما بالخصخصة التامّة أو الجزئية، فضلا عن مسألة حلحلة ملف الاستثمار في ظلّ الركود الاقتصادي.”
وأدى الرئيس التونسي زيارة إلى وزارة المالية ومقر لجنة المصادرة بوزارة أملاك الدولة والشؤون العقارية، الأربعاء، عبّر خلالها عن استنكاره الشديد لعدم تسجيل أيّ تقدم في هذا الملف بعد مضي 13 عاما من صدور تقرير لجنة المصادرة، مشيرا إلى وجود تلاعب في التفويت في العديد من المنقولات والعقارات والأملاك دون وجه حق ودون ثمنها الطبيعي.
وأكّد قيس سعيد على أنّ “الأموال التي تم التلاعب بها من حقّ الشعب التونسي وأنّه على كل مسؤول أن يتحمل مسؤولياته كاملة على المستوى المحلي والجهوي والمركزي.”
في المقابل، لم يخف مراقبون سياسيون محدودية التدرّج الوظيفي في الوزارات من مهمة فرعية إلى ترؤس الوزارة، ذلك أن غالبية من أوكلت إليهم صفة الوزير تراجع مستوى مردودهم بالمقارنة مع تلك المستويات في مهامهم صلب الوزارة.
وأكد الكاتب والمحلل السياسي مراد علالة أن “الرئيس رأى في مشكاة الخالدي مواصفات الوزيرة التي يمكن أن تستجيب لانتظارات التونسيين ومنها تعبئة الموارد المالية وحلّ ملف الصلح الجزائي وأملاك المصادرة، ويفترض أن توقف النزيف أولا ثم تستكمل بقية الملفات.”
وأوضح لـ”العرب” أن “أوضاع الأملاك المصادرة صعب وما ينقص هو ترجمة الأقوال إلى أفعال،” لافتا إلى أن “استجلاب وزراء مروا بالوزارة لم يعط نتائج جيّدة وهو ما جعل الرئيس سعيد يضطر إلى إحداث تغييرات في فريقه الحكومي من حين إلى آخر.”
واستطرد علالة قائلا “هناك مواصفات سياسية يجب أن تتوفر إلى جانب المواصفات التقنية في الوزير.”
وأظهرت بيانات للبنك المركزي التونسي، نشرت نهاية شهر يناير الماضي، أن احتياطيات البلاد من النقد الأجنبي تراجعت إلى ما يغطي 104 أيام من الواردات بعد أن سددت 1.1 مليار دولار من الديون الخارجية، مشيرة إلى أنّ الاحتياطات هبطت إلى 23.325 مليار دينار (7.3 مليار دولار).
وكان آخر نشاط حكومي للوزيرة المقالة سهام البوغديري نمصية التي تتولى المنصب منذ شهر أكتوبر 2021، داخل البرلمان، أين شرحت مطلع الأسبوع الماضي، للجنتي التشريع والنظام العام، تفاصيل القانون الأساسي المتعلّق بالمجالس المحلية والمجالس الجهوية ومجالس الأقاليم.
وفي 25 أغسطس الماضي، أجرى الرئيس التونسي تعديلا موسعا على الحكومة شمل 19 وزيرا و3 كتّاب دولة.
واستثنى التعديل الحكومي حينها 5 وزارات هي: المالية والداخلية والعدل والصناعة والتجهيز.
وفي 8 أغسطس 2024 أعلن سعيد تكليف وزير الشؤون الاجتماعية كمال المدوري، برئاسة الحكومة خلفا لأحمد الحشاني، الذي عيَّنه رئيسا للحكومة في 1 أغسطس 2023، بعد إنهاء مهام رئيسة الحكومة السابقة نجلاء بودن.
وعانت البلاد أزمة اقتصادية حادة فاقمتها تداعيات جائحة كورونا، ثم ارتفاع تكلفة استيراد الطاقة والمواد الأساسية، إثر اندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية في 24 فبراير 2022.