هل ينجح ترامب في مساعيه لترحيل الغزيين

الطوفان البشري الذي كان يعبر من جنوب ووسط القطاع باتجاه مخيمات اللجوء في شمال غزة ومدنها الشمالية برهن على حقيقة واحدة أن فكرة التهجير غير واردة عند الغزيين.
الأربعاء 2025/01/29
"طوفان".. رد أهل غزة على اقتراح ترامب

بدءا، يمكن استعراض ما تناولته قناة 12 العبرية: سأل الصحافيون دونالد ترامب عما إذا كان الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي سيوافق على استقبال اللاجئين من غزة، فقال “أود أن أفعل ذلك، أتمنى أن يأخذ بعضهم، لقد ساعدناهم كثيرا وأنا سعيد بذلك. أنا متأكد من أنه سيساعدنا، فهو صديقي. إنه في منطقة صعبة للغاية من العالم، إنها منطقة صعبة. لكنني أعتقد أنه سيفعل ذلك، وأعتقد أن ملك الأردن سيفعل ذلك أيضا.”

لقد أثارت تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب حول موافقة الأردن ومصر على قبول عدد لا بأس به من سكان غزة لتوطينهم في الأردن ومصر نفيا من حكومتي البلدين، وكان قد أجرى مكالمتين مع الملك عبدالله بن الحسين والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي لإقناعهما بقبول مبادرته تلك.

الرد الأردني جاء على لسان وزير الخارجية أيمن الصفدي، حيث قال في مؤتمر صحفي مشترك مع سيغريد كاغ، كبيرة منسقي الشؤون الإنسانية وشؤون إعادة الإعمار في غزة، إن “حل القضية الفلسطينية هو في فلسطين، وإن الأردن للأردنيين، وفلسطين للفلسطينيين.” وأكد على ثوابت الأردن في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، وقال “مواقفنا في المملكة واضحة ولن تتغير، وهي تثبيت الفلسطينيين على أرضهم ورفض التهجير.”

◄ تبدو معركة طرد سكان قطاع غزة في بدايتها، فحسب التصريحات الرسمية لكل من الأردن ومصر فإن مشروع التوطين فكرة غير مقبولة على الإطلاق

أما الرد المصري فجاء على لسان بدر عبدالعاطي، وزير الخارجية المصري، حيث  ذكر في بيان أن النقل المؤقت أو طويل الأجل للفلسطينيين “يخاطر بتوسيع الصراع في المنطقة.”

هذه ليست المحاولة الأولى لترحيل سكان قطاع غزة من القطاع، وسبقتها فكرة ترحيلهم عام 1956 لكنها فشلت.

الفكرة هي أنّ ما يطرحه ترامب اقتصادي خالص، الرجل دخل إلى البيت الأبيض بأجندة جلها اقتصادية وبزنس، وكأنه يريد أن يستثمر مشاريعه في القطاع. لقد نظر إلى الخارطة وتأمل غزة الواقعة على ساحل البحر المتوسط حيث الغاز والموقع الإستراتيجي المهم مما زاد من شهيته، فكان ذلك دافعا إلى إيجاد حل للتكتل البشري الذي يعيش في مساحة لا تتجاوز 370 كيلومترا مربعا والذي من شأنه أن يعرقل فرص الاستثمار. هذه الرؤية يوافقه عليها بنيامين نتنياهو، فضلا عن البعد التوراتي والنظرة الدينية الصهيونية، فثمة عوامل كلها متداخلة مع بعضها البعض تدفع باتجاه ترحيل الغزيين وتوطينهم في البلدان المجاورة أو إندونيسيا وألبانيا.

الاتحاد الأوروبي ضد فكرة الترحيل ومع حل الدولتين، وغزة هي جزء من حل الدولتين هكذا يجمع الاتحاد الأوروبي. لهذا أكدت وزارة الخارجية الألمانية الاثنين ضرورة عدم طرد السكان الفلسطينيين من قطاع غزة. وذلك تعقيبا على تصريحات ترامب بشأن القطاع.

إذن، هنالك رؤيتان حول تهجير سكان قطاع غزة: الأولى والتي تبناها ترامب بتخفيف العبء السكاني في القطاع وكانت حجته هي ترحيلهم مؤقتا حتى تتم إعادة الإعمار وهذا وهم، فالقضية ليست الإعمار وإنما ترانسفير. أما الرؤية الثانية والتي يتبناها الاتحاد الأوروبي فهي ضد طرد الغزيين والعمل على تسوية القضية الفلسطينية وإحلال السلام في منطقة الشرق الأوسط. لكن مدى تأثير الكتلة الأوروبية على ترامب وتسويق الحل النهائي للقضية الفلسطينية يبقى ضعيفا، أوروبا اليوم بحاجة إلى الحفاظ على سياستها الناعمة وعدم الدخول في معارك سياسية مع الولايات المتحدة، فرغم الفجوة الكبيرة في طريقة الحل المتعلق بالدولة الفلسطينية يبقى القرار الأوروبي غير فعال كما يجب.

◄ تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب حول موافقة الأردن ومصر على قبول عدد لا بأس به من سكان غزة لتوطينهم في الأردن ومصر أثارت نفيا من حكومتي البلدين

عندما شاهدنا الاثنين الطوفان البشري الذي كان يعبر من جنوب ووسط القطاع باتجاه مخيمات اللجوء في شمال غزة ومدنها الشمالية، وقفنا على حقيقة واحدة أن فكرة التهجير غير واردة عند هؤلاء الغزيين، فهم ما زالوا متشبثين بالبقاء في غزة، وأغلب هؤلاء الذين شاهدناهم يحملون بعض أمتعتهم من اللاجئين الذين هجروا عام 1948 وفي القرى والمدن والمخيمات الواقعة على تخوم غزة التي احتلت عام النكبة والذين ما زال يراودهم حلم العودة إلى ديارهم التي هجروا منها.

تبدو معركة طرد سكان قطاع غزة في بدايتها، فحسب التصريحات الرسمية لكل من الأردن ومصر فإن مشروع التوطين فكرة غير مقبولة على الإطلاق. ويبقى الموقف السعودي الذي له دور كبير في تبديد هذا المشروع، وهو إصرار السعودية على حل القضية الفلسطينية كشرط أساسي للتطبيع مع إسرائيل. فالسفير السعودي لدى بريطانيا قال “السعودية لن تطبع دون حل للقضية الفلسطينية.” تبقى اقتراحات ترامب مجرد بالونات اختبار وتحقيق ما يصبو إليه صعب في ظل رفض الأردن وإسرائيل والسلطة الوطنية الفلسطينية التي ترفض الفكرة من أساسها. من المتوقع أن تكون هنالك رزمة عقوبات أميركية ضد الأطراف الثلاثة وتعطيل إعادة الإعمار لسنوات طويلة.

للدولة العميقة في الولايات المتحدة قول مختلف، كما هو متوقع، فتهور ترامب الذي يريد أن يغزو العالم ويحتل جزرا ودولا قائمة ويفرض حلولا بالقوة قد يؤدي في النهاية إلى خسارة الولايات المتحدة مصداقيتها حول العالم، ويضعضع وضعها السياسي وهذا ما لا تريده الدولة العميقة، ولا يتناسب مع رؤيتها في حل القضايا العالقة وغير العالقة التي يضعها ترامب على طاولته.

8