تونس تسعى للتحول إلى مركز إقليمي لصناعة الأدوية

الأسواق الأفريقية تغري شركات القطاع بتكثيف أعمالها لزيادة التصدير رغم التحديات المحلية القائمة.
الاثنين 2025/01/27
الخبرات متوفرة، تنقصنا فقط التمويلات

يحدو تونس طموح للتحول إلى مركز إقليمي لتصدير الصناعات الدوائية والمستلزمات الطبية، ضمن رؤية تدفع باتجاه الارتقاء بالتدريب والتأهيل واستقطاب ودعم الشركات الأجنبية الناشطة في هذا المجال، بما يفرز تنافسية أقوى ستسهم في تعزيز نشاط القطاع لتغطية الطلب المحلي، وتعزيز إيراداته.

تونس- يحث المسؤولون التونسيون خطواتهم باتجاه انتزاع حصة أكبر من الاستثمارات في قطاع صناعة الأدوية في سياق خطط الدولة المتعلقة بدعم وتطوير الصناعات الحساسة، فيما يربط مراقبون ذلك بتذليل العقبات التي لا تزال تحيط بقطاع الأعمال عموما.

ويقول خبراء إن تطوير الصناعات الدوائية يندرج ضمن إستراتيجية وضعتها وزارة الصحة أملا في تطويرها، على غرار الأدوية البيوتكنولوجية واللقاحات في ظل تزايد الطلب المحلي والعالمي على الأدوية.

وتؤكد أرقام الصيدلية المركزية، وهي شركة حكومية يتركز نشاطها في استيراد وتسويق المنتجات الصيدلانية، أن تونس تصنّع أكثر من 70 في المئة من حاجياتها وتستورد في المقابل 30 في المئة.

وسبق أن ذكر وزير الصحة، مصطفى الفرجاني، أن تصنيع الأدوية محليا يغطي 75 في المئة من الاستهلاك السنوي، وهو قطاع قادر على تلبية نسبة 100 في المئة منها “بفضل قدراتنا الذاتية، وكفاءاتنا من صيادلة وأطباء، خريجي التعليم الطبي العالي التونسي.”

الهاشمي الوزير: ثمة إستراتيجية لتطوير اللقاحات والأدوية البيوتكنولوجية
الهاشمي الوزير: ثمة إستراتيجية لتطوير اللقاحات والأدوية البيوتكنولوجية 

وبحسب المعطيات المتوفرة، فإن القيمة المالية للأدوية المستوردة تساوي القيمة المالية للأدوية المصنّعة في السوق التونسية.

كما تشير الشركة إلى أن 95 في المئة من الأدوية التي تصنّعها البلاد جنيسة (مشابهة)، وهي كيميائية كلاسيكية، في حين تستورد الأدوية الحديثة باهظة الثمن والتي تتعلق خاصة بالأمراض السرطانية واللقاحات البيولوجية.

وقال مدير عام الصحة بوزارة الصحة، عبد الرزاق بوزويتة، إن “إرث الصناعات الدوائية العريق في تونس، سواء بالنسبة للمخابر التونسية أو المخابر الدولية الناشطة في البلاد، والمستوى المتميز للتدريب في القطاع كلها عناصر من شانها دعم تحويل تونس إلى منصة لتصدير الأدوية واللقاحات.”

وأكد خلال مشاركته في لقاء عقد مؤخرا للإعلان عن تفاصيل الدورة 24 للمنتدى الدولي للصيادلة الذي سيقام على مدار ثلاثة أيام بداية من يوم 30 أبريل المقبل أن “الظرف الحالي مناسب جدا للبحث عن إمكانيات تصدير الصناعات الدوائية باتجاه دول أفريقيا.”

واستشف بوزويتة ذلك من خلال رغبة مخابر الأدوية الأجنبية الناشطة في تونس تصدير منتوجاتها إلى جميع بلدان القارة.

واعتبر أن التدريب في مجال الصيدلة، الذي يستقطب عدد كبير من الطلبة الوافدين من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء، سيكون رافدا أساسيا لتحقيق هذه الأهداف والنفاذ إلى أسواق القارة التي تشهد طلبا كبيرا على الأدوية واللقاحات.

وشرعت وزارة الصحة، وفق بوزويتة، في قطع خطوات في اتجاه التركيز على رقمنة المعاملات الإدارية، وذلك باعتماد تطبيقات ومنصات يتمثل الهدف منها إحكام التصرف وتسهيل الإجراءات.

وذكر بأن “المنصة، التي تعد نقلة نوعية في حوكمة قطاع الدواء وتعزيز الأمن الصحي الوطني، ستمكن من تقريب الخدمات الإدارية من المتدخلين في القطاع بما يساعد على ربح الوقت وحصر الآجال لدى إسناد تراخيص الأدوية وتراخيص نشاط الصيدليات.”

وبين أن تطوير الفرص الاستثمارية والتصديرية في مجال الصناعات الدوائية يجب أن يسير على قاعدة حماية الجودة وذلك بالتثبت من مصدر الأدوية ومدى صلاحيتها ومكافحة ظاهرة التقليد، مؤكدا أنه يجب التعويل في ذلك على الرقمنة والذكاء الاصطناعي.

محمد صالح الجنّادي: تونس تصنّع الأدوية مع صعوبات في توفير المواد الأولية
محمد صالح الجنّادي: تونس تصنّع الأدوية مع صعوبات في توفير المواد الأولية

وتشير التقديرات الحالية إلى وجود 74 شركة تعمل في السوق المحلية، من بينها 36 شركة مختصة في صناعة الأدوية، فيما تركز البقية على صناعة المستلزمات الطبية، في سوق تبلغ قيمتها أكثر من ملياري دولار.

وتقدر تقارير دولية أن تنمو عوائد قطاع تصنيع الأدوية في تونس بواقع 12.9 في المئة لتناهز بحلول نهاية العقد الحالي الخمسة مليارات دولار.

وقال الهاشمي الوزير المختص في الأدوية البيوتكنولوجية، إن هذه “الصناعو قائمة في تونس، وهناك أكثر من 40 مصنع في البلاد، وهذا يندرج ضمن إستراتيجية وضعتها وزارة الصحة وتسعى لتطويرها، على غرار الأدوية البيوتكنولوجية واللاحقات وغيرهما.”

وأكد المدير العام السابق لمعهد باستور في تصريح لـ”العرب”، “هناك مخابر بحث يمكن أن تساهم في تطوير هذا البرنامج، وتم عقد عدة اجتماعات في وزارة الصحة في الفترة الأخيرة.”

ولفت إلى أن “البلاد تصنّع أكثر من 50 في المئة من حاجياتها من الأدوية، وخصوصا منها الأدوية الجنيسة والمستعملة من طرف عدة مخابر صيدلانية.”

وتابع الوزير “هناك توجه جديد نحو صناعة الأدوية البيوتكنولوجية (من الخلايا الحيّة) ويمكن أن تغطي حاجيات البلاد من الأدوية، وهي تعرف بغلاء أسعارها.”

وركز الوزير في حديثه على مسألة فقدان الصيدليات المحلية لعدد من الأدوية حاليا بسبب تعطيلات أو غياب المواد الأولية، لكن “الأدوية الحياتية متوفرة.”

وانطلقت صناعة الأدوية في تونس بشكل محدود، حيث كانت تقتصر على عدد قليل من الوحدات. وفي عام 1987، لم تكن هناك سوى 3 وحدات صناعية، لكن العدد ارتفع بشكل كبير ليصل إلى 30 وحدة بحلول عام 2006.

ويشغّل قطاع الأدوية في تونس بين 9 و10 آلاف شخص، 50 في المئة منهم خرّيجو التعليم العالي.

وأفاد الخبير الاقتصادي محمد صالح الجنّادي أن “تونس بصدد تصنيع الأدوية لكن هناك صعوبات في كيفية توفير المواد الأولية المتأتية خصوصا من الصين والهند، مع تزايد الطلب على الدواء وارتباطه بسبع شركات أميركية مصنّعة.”

وأكد لـ”العرب”، أن الطلب على الأدوية المتعلقة بالأمراض الخطيرة مثل السرطان وأمراض القلب والأمراض الجلدية، والأدوية تصنّع في تونس يتزايد، ولكن نسبة كبيرة منها تسوّق في الأسواق الخارجية.

5 مليارات دولار الإيرادات السنوية المتوقعة لقطاع يضم 74 شركة، بحلول العام 2030

ولفت الجنادي إلى “وجود اضطراب في توفّر الأدوية خصوصا بعد انتشار فايروس كورونا منذ سنوات والتغيرات المناخية الطارئة في العالم.”

وأوضح أن “تونس تعتمد خصوصا على الأدوية الجنيسة،” مشيرا إلى وجود 143 ألف طالب طب و6 آلاف طبيب في القطاع العام و7 آلاف طبيب في القطاع الخاص.

وفي وقت سابق، تطرق الرئيس قيس سعيد، خلال زيارة لإحدى مؤسسات تصنيع الأدوية إلى مسائل تتعلق بقطاع الأدوية وضرورة تطوير الصناعات الدوائية حتى تصير بلده دولة مصدّرة. وأكد حينها أن “تونس لا ينقصها شيء لتلبية حاجياتها من الأدوية.”

11