قرارات جريئة لتطوير إذاعات وقنوات "ماسبيرو" تبعده عن التصفية

أحمد المسلماني يقرر عودة القناة الأولى والفضائية المصرية إلى "ماسبيرو" بعد أن ظلتا تحت إدارة الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية.
الخميس 2025/01/23
تطورات قد تؤدي إلى ترميم الفجوة بين العاملين والإدارة

القاهرة - تشير تحركات تقوم بها الهيئة الوطنية للإعلام في مصر إلى وجود رغبة حكومية في عودة الزخم إلى اتحاد الإذاعة والتلفزيون، المعروف بـ"ماسبيرو" بعد الاستقرار على تقوية قناة النيل الثقافية ودمج قنوات متخصصة، وإعادة القناة الأولى للفضائية المصرية بعد أن كانت تحت إدارة الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية.

وأعلن رئيس الهيئة الوطنية للإعلام أحمد المسلماني عن خطة متكاملة لنهضة اتحاد الإذاعة والتلفزيون وتطوير جميع قنواته ومحطاته الإذاعية، بشكل أغلق ملف التصفية، حيث كانت الحكومة على وشك الخلاص من التلفزيون الرسمي عقب إهماله سنوات طويلة، وتركه يعاني من أزمات مالية ومهنية شديدة التعقيد.

وقرر المسلماني عودة القناة الأولى والفضائية المصرية إلى “ماسبيرو” بعد أن ظلتا تحت إدارة الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية التي تمتلك أغلب الفضائيات والمواقع والصحف في مصر، حيث كانت هناك رؤية لتقوية المحطتين والاستفادة من إمكانياتهما وإدارتهما بعيدا عن الهيئة الوطنية للإعلام التابعة مباشرة للحكومة.

وتستهدف عودة القناة الأولى والفضائية المصرية حضور “ماسبيرو” كقوة ناعمة للدولة، ضمن خطة موسعة عنوانها “عام العودة”، في إشارة غير مباشرة إلى غياب دور الإعلام الحكومي طوال سنوات مضت، وهو ما لن يستمر.

حسن علي: قرارات إصلاحية داخل الإذاعة والتلفزيون بعثت الأمل في التغيير
حسن علي: قرارات إصلاحية داخل الإذاعة والتلفزيون بعثت الأمل في التغيير

وتزامنت الخطوة مع قرارات إصلاحية اتخذها رئيس الهيئة الوطنية للإعلام في عضون أسابيع قليلة، بعد تكليفه بالمنصب، أعادت شيئا من الأمل إلى العاملين داخل “ماسبيرو” وإنهاء خطة تصفية التلفزيون الرسمي، بعد أن كانت فكرة قابلة للتطبيق، وأصبحت الفرصة مواتية لتحقيق نجاحات تلفت نظر الجمهور والحكومة.

وتقرر إطلاق “بودكاست ماسبيرو” لمواكبة الصعود الكبير لهذا النوع من العمل الإعلامي، من خلال إنتاج مجموعة من البرامج السياسية والاقتصادية والثقافية والفنية والشبابية والرياضية عبر استغلال إمكانيات الإذاعة والتلفزيون والاستفادة منها لعودة التقارب مع الجمهور ومحاولة نيل ثقته مرة أخرى.

وتعهد أحمد المسلماني بأن تكون البرامج الجديدة على “بودكاست ماسبيرو” أكثر احترافية ومهنية بشكل يعيد دور إعلام الدولة في تعزيز المعرفة وتوسيع مساحة الرؤية والرأي ودعم قيم الانتماء والوسطية واحترام العقل وحماية الوطن، بحيث يتم تغيير النظرة السلبية عن التلفزيون الرسمي وأنه يميل إلى النمطية والتقليد.

وبعد سنوات من التهميش، تقررت تقوية قناة النيل الثقافية، والتي تمتلك رصيدا ضخما من الأعمال التراثية والثقافية، لكن كان يُساء استغلالها، واستقر الرأي داخل الهيئة الوطنية للإعلام على تحسين الخدمة في القناة وتطوير الأستديو ورفع الجودة على القمر الاصطناعي المصري (نايل سات)، ومخاطبة الجهات الرسمية لتسهيل عمل القناة في التواجد بالمناسبات والفعاليات المختلفة.

وشكا عاملون في قناة النيل الثقافية من عدم وجود مساحة للحركة أو مرونة في التعامل مع عدد أكبر من الضيوف بما يضمن التنوع والثراء، وتعهدت الهيئة بتحسين الأوضاع المالية وتوفير الخدمات اللوجستية لدعم التصوير الخارجي وتغطية الأنشطة الثقافية الرسمية وغير الرسمية لتعود المحطة صوت مصر الثقافي.

وظلت المشكلة الحقيقية لدى الحكومة أنها كانت تستسهل الاستعانة بخبرات من خارج ماسبيرو لتطويره، ما أفقد الكثير من العاملين الثقة في محطتهم، ومع الوقت تراكمت حالة من الإحباط لدى قرابة 20 ألف عامل في ماسبيرو، أغلبهم فقد الأمل في أن تهتم الحكومة بهم أو تعول عليهم في توصيل الرسالة الإعلامية بشكل أكثر مهنية.

وأدير ملف تطوير ماسبيرو بعيدا عن قياداته أو من خلال شخصيات لا تعي متطلبات التطوير والتغيير الحقيقي، وتراكمت التحديات في ذرورة حاجة الحكومة إلى منبرها الرسمي لمخاطبة الشارع بشكل احترافي، كي تتفرغ القنوات الأخرى إلى التصدي للحرب الإعلامية القادمة من خارج الحدود، أي من قبل جماعة الإخوان وداعميها.

◙ التحدي الحقيقي أمام إعادة الزخم لاتحاد الإذاعة والتلفزيون يكمن في توفير ملاءة مالية كبيرة وعودة شركات الرعاية والإعلانات 

ومنذ تعيين أحمد المسلماني في رئاسة الهيئة الوطنية للإعلام، بدأت عجلة التطوير تدور، ولم يعتمد على عناصر من خارج “ماسبيرو”، واستعان بمن لديهم خبرة وفهم لأبجديات التغيير، وتصعيد الكفاءات في القنوات والإذاعات المختلفة.

وتقرر تعيين رئيس جديد لقناة “النيل للأخبار”، هو أسامة راضي الذي يعد من الخبرات المصرية التي شغلت مناصب في عدة محطات فضائية، وقوبل هذا القرار بترحيب من العاملين في “ماسبيرو” واعتبروا ذلك بداية لتعود القناة كمحطة مؤثرة.

وكانت “النيل للأخبار” قبيل نهاية عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك محل اهتمام لافت من جانب الحكومة وتم تزويدها بمعدات تقنية حديثة، لكن تبددت الجهود التي بذلت لدعمها وجرى وأد الحلم، وكأن هناك من أراد أن تظل هذه المحطة تعمل في نطاق الحد الأدنى، أو موجودة وغير مؤثرة.

ويرى خبراء أن ميزة التطوير الحاصل داخل بعض الإذاعات والقنوات التابعة لماسبيرو، أنه يتحرك مدفوعا بمتطلبات الجمهور، وتلقى القرارات الجديدة تأييدا شعبيا، وهذا مطلوب بعد وصول العلاقة بين التلفزيون الرسمي والشارع حد القطيعة.

كما أن إذاعة القرآن الكريم التي تحظى بمكانة عند أغلب المصريين، أصبحت تبث برامجها من دون أن تتخللها إعلانات مستفزة، وكان ذلك استجابة من رئيس الهيئة الوطنية للإعلام لمطالب المستمعين، حيث قرر نقل إعلانات التبرعات المذاعة عليها، وإعادة توزيعها على محطات إذاعية أخرى.

وعلمت “العرب” أن هناك رؤية تستهدف إيقاف البث الفضائي للقنوات الإقليمية التابعة لاتحاد الإذاعة والتلفزيون، وعددها ست قنوات، والاكتفاء بالبث الأرضي لتوفير النفقات وتوجيه المخصصات المالية لصالح تقوية قنوات متخصصة بما يعيد إليها جماهيريتها، دون المساس بحقوق العاملين في القنوات الإقليمية.

◙ المسلماني تعهد بأن تكون البرامج الجديدة  أكثر احترافية ومهنية بشكل يعيد دور إعلام الدولة في تعزيز المعرفة

وقد تؤدي التطورات في ماسبيرو إلى ترميم الفجوة بين العاملين والإدارة، لأن الأخيرة نجحت في تثبيت قناعة مفادها أن هناك أملا في إصلاح الإعلام الرسمي، وبالإمكان العودة بقوة، ومن المهم أن يؤمن العاملون بقدراتهم.

وقال عضو لجنة تطوير ماسبيرو سابقا وعميد كلية الإعلام جامعة المدينة في القاهرة حسن علي إن هناك قرارات إصلاحية داخل اتحاد الإذاعة والتلفزيون بعثت الأمل في التغيير، لكن التطوير الحقيقي يتطلب تحديث المحتوى المسموع والمرئي، وإعادة ضبط شخصية كل قناة ومحطة وفق الهدف منها.

وأكد لـ”العرب” وجود إذاعات وقنوات لا يسمعها ولا يشاهدها أحد، مطلوب إعادة النظر فيها، مع إدارة ملف التمويل والديون باحترافية، والتركيز على تدريب وتأهيل العاملين وإعادة توزيعهم وفق الكفاءة وتصعيد أصحاب الخبرة والقيام بتعيينات جديدة.

ولم يكن لينجح رئيس الهيئة الوطنية للإعلام عبر قراراته في تغيير تلك القناعات، إلا مع وجود ضوء أخضر من دوائر فاعلة داخل النظام لديها اقتناع بضرورة إحياء دور التلفزيون الرسمي مرة أخرى، حيث يظل “ماسبيرو” له خصوصية كصرح تاريخي يتمتع بتأثير إعلامي كبير.

ويمتلك اتحاد الإذاعة والتلفزيون 23 قناة و76 محطة إذاعية، والتحدي الحقيقي أمام إعادة الزخم إليه يكمن في توفير ملاءة مالية كبيرة وعودة شركات الرعاية والإعلانات التي خرجت منه، بما يساعد على تطوير المحتوى في ظل التطورات المتسارعة الحاصلة في مجال الإعلام وتزايد الإقبال على المنابر الرقمية.

5