فوضى التعاقدات مع اللاعبين تشوش على الدوري المصري

تسود الشارع الرياضي ومواقع التواصل الاجتماعي في مصر حالة من الجدل حول المبالغ الطائلة التي يتقاضاها بعض لاعبي كرة القدم في الدوري المصري، إذ أنها لا تتناسب مع الظروف الاقتصادية للأندية، والعوائد التي تحققها الكرة. ويُطرح ذلك بالتزامن مع الأخبار المتداولة حول مماطلة لاعب النادي الأهلي أكرم توفيق ولاعب نادي الزمالك أحمد السيد زيزو في تجديد عقديهما بسبب الخلاف على المقابل المالي.
القاهرة - يطلب أحمد السيد زيزو من الزمالك 230 مليون جنيه (حوالي 4 ملايين و550 ألف دولار) للتجديد معه لثلاث سنوات، بداية من يونيو المقبل موعد انتهاء عقده الحالي، بينما كان النادي يأمل في إقناعه بالاستمرار مقابل نفس المقابل المالي الحالي، نحو 30 مليون جنيه سنويا (حوالي 600 ألف دولار)، في حين وصلت مفاوضات أكرم توفيق مع الأهلي إلى طريق مسدود بعدما طلب اللاعب 30 مليون جنيه (600 ألف دولار) في الموسم الواحد للتجديد، بينما عرض عليه الأهلي 12 مليونا (237 ألف دولار) فقط.
وبرر اللاعبان مطالبهما المرتفعة بامتلاكهما عروضا من أندية خليجية بمبالغ تفوق الأرقام التي يعرضها عليهما الناديان، وتتجاوز المبالغ التي يطلبونها للتجديد، حيث يملك زيزو أكثر من عرض قطري وسعودي براتب سنوي يصل إلى 3 ملايين يورو سنويا (156 مليون جنيه مصري)، في حين يبلغ الراتب المعروض على أكرم توفيق من نادي الشمال القطري 3.7 مليون دولار (186.8 مليون جنيه مصري) خلال 3 سنوات هي مدة العقد.
ولا تزال إدارة نادي الزمالك تبذل مساعيها لتمويل عقد زيزو الجديد من رجال أعمال محبين للنادي، بينما ذكر مسؤول في الأهلي لـ”العرب” أن مجلس الإدارة رفض التفاوض مع أكرم في طلباته المالية، وتمنوا له التوفيق في رحلته الاحترافية مع نادي الشمال، انطلاقا من أن النادي لا يقف على لاعب، وقناعة الإدارة بأن الأهلي هو النادي الأكبر في مصر عليه أن يتخذ موقفا صارما تجاه مبالغة اللاعبين في مطالبهم.
سوق الانتقالات في مصر أصيبت بـ"الجنون" في السنوات الماضية مع ظهور نادي بيراميدز الذي رفع سقف التعاقدات
وأكد أن النادي يقود مبادرة إعادة سوق الانتقالات إلى وضعها الطبيعي الذي كان سائدا لسنوات طويلة قبل أن يصيبها الجنون، ومحمود الخطيب رئيس النادي قال نصا للمسؤولين المجتمعين معه لمناقشة عقد تجديد اللاعب الدولي “موش عايز (لا أريد) أسمع رقم 30 مليون في الموسم ده تاني (مرة أخرى).”
وأصيبت سوق الانتقالات في مصر بـ”الجنون” في السنوات الماضية مع ظهور نادي بيراميدز الذي رفع سقف التعاقدات إلى آفاق لم تكن موجودة من قبل، مع اللاعبين المحليين والأجانب، وبدأت المزايدة مع استقدام اللاعب البرازيلي كينو عام 2017 بمبلغ 3.5 مليون دولار، فيما كان يعتبر نقلة ملفتة في أسعار اللاعبين الأجانب وقتها.
وتعاقد النادي (بيراميدز) مع رمضان صبحي في صيف 2019 وقت أن كان يلعب مع الأهلي معارا من نادي ستوك سيتي الإنجليزي مقابل 5 ملايين دولار حصل عليها النادي الإنجليزي، وحصل رمضان على راتب يصل إلى مليوني دولار سنويا (32 مليون جنيه وفقا لسعر الدولار في ذلك الوقت) ما كان يمثل ضعف الراتب الذي عرضه عليه الأهلي.
ووجدت بعض أندية الدوري خاصة الأهلي والزمالك نفسها، نتيجة ارتفاع سخونة التنافس، أمام “اختيار صفري” متمثل في ضرورة التماشي مع الأسعار الجديدة للتعاقدات، فتعاقد الأهلي مع حسين الشحات من نادي العين الإماراتي مقابل 5 ملايين دولار في يناير 2019، وسبقه الزمالك بالتعاقد مع التونسي فرجاني ساسي والمغربي أشرف بنشرقي صيف 2018 مقابل 6 ملايين دولار بخلاف الراتب السنوي لكلاهما وبلغ 1.5 و2 مليون دولار على التوالي.
أما الأندية التي لم تجد مصادر لتمويل الصفقات الجنونية أو للاحتفاظ بنجومها، فقد دفعت الثمن بتراجع نتائجها بشكل ملفت، وعلى رأسها الإسماعيلي الذي تحول من المنافسة على الألقاب إلى السعي لتفادي الهبوط إلى الدرجة الأدنى، وقبله غزل المحلة الذي لا يكاد يصعد إلى الدوري الممتاز حتى يهبط مجددا إلى الدرجة الأدنى.
مزاد إجباري
في تعليقه على فوضى سوق الانتقالات في مصر، قال علاء نبيل المدير الفني للاتحاد المصري لكرة القدم لـ”العرب” إن الفجوة التمويلية بدأت مع بداية القرن الحالي بظهور أكثر من ناد تابع لشركة أو هيئة توفر له تمويلا ثابتا ومستقرا، وهو ما أثر على الأندية الجماهيرية التي عجز معظمها عن مجاراة تلك الأندية في الإنفاق، خصوصا بعدما فقدت الأندية الجماهيرية مصادر التمويل التي كانت تأتي من الرعاية أو الإعلانات، بحكم أن بعض الشركات ورجال الأعمال حولوا ميزانيات الرعاية والإعلانات التي كانت تدفع للأندية إلى تمويل إنشاء أندية خاصة بهم.
وبدأت الظاهرة في الزيادة بسبب اضطرار بعض الأندية الجماهيرية إلى الدخول في المزاد “الإجباري” لجلب نجوم أفضل ممن تجلبهم أندية الشركات المنافسة لها، أو للاحتفاظ بنجومها من إغراءات تلك الأندية، ما فتح الباب واسعا لمغالاة النجوم في مطالبهم المالية استغلالا لذلك الوضع، وارتفاع حدة التنافس بين بعض الأندية، والذي بدأ يأخذ شكلا أكبر من مجرد منافسة رياضية.
ويتفق علاء نبيل مع الآراء التي تنادي بضرورة وضع لوائح وقوانين تنظم التعاقدات وتضع معايير واضحة لها حتى تتوقف المزايدة التي تضر معظم الأندية وتضر سمعة المسابقات المحلية، مؤكدا صعوبة، إن لم يكن استحالة، تطبيق قواعد اللعب المالي النظيف في مصر، لأن العوائد التي تحصل عليها معظم الأندية الجماهيرية هزيلة لن تسمح لها بالتعاقد مع لاعبين أو ثلاثة على أقصى تقدير.
زيزو يطلب من الزمالك 230 مليون جنيه (حوالي 4 ملايين و550 ألف دولار) للتجديد معه لثلاث سنوات، بداية من يونيو المقبل
ولا توجد أمام الأندية الجماهيرية مصادر منتظمة للتمويل سوى تبرعات رجال الأعمال، وتطور الأمر في بعض الأندية كي يتولى هؤلاء رئاسة النادي مثل ناديي المصري والاتحاد السكندري، أو عقود الرعاية والإعلانات وهي هزيلة لا تغطي تكلفة عقد لاعب واحد، أما مكافآت البطولات المحلية فهي “مضحكة” حرفيا إذ لا تزيد مكافأة الفوز بالدوري الممتاز عن 5 ملايين جنيه (حوالي 100 ألف دولار) بينما تصل مكافاة الفوز بالكأس إلى نصف هذا المبلغ، وتقل مكافأة الفوز بكأس الرابطة التي استحدثتها رابطة الأندية المصرية إلى مليون ونصف المليون جنيه فقط (حوالي 30 ألف دولار).
وتفتقد الأندية عوائد بيع تذاكر المباريات بسبب تحديد أعداد الجماهير المسموح بدخولها إلى الملاعب بخمسة آلاف لكل فريق، لكن حتى هذا العدد لا يحضر إلى الملاعب بسبب ارتفاع أسعار التذاكر وإقامة المباريات عصرا في أيام العمل إلى جانب الإجراءات الطويلة لتسجيل الراغبين في شراء التذاكر على منصة “تذكرتي” المسؤولة عن بيع التذاكر.
أما عوائد حقوق البث التلفزيوني فلا تقل هزلا عن عقود الرعاية، حيث يحصل الزمالك على حوالي 45 مليون جنيه (حوالي 900 ألف دولار) سنويا من عوائد بث مبارياته في الدوري وكأس مصر، وهو ما يقل عن قيمة العقد السنوي لمهاجمه التونسي سيف الجزيري ناهيك عن بقية اللاعبين، بينما ينخفض الرقم مع بقية الأندية الجماهيرية إلى 25 مليونا للإسماعيلي وأقل منها للمصري والاتحاد والمحلة.
وعن تفسيره للتفاوت الضخم بين أسعار اللاعبين الأجانب الذين تتعاقد معهم أندية وسط الجدول وأسعار النجوم الذين ينضمون إلى الأندية الكبيرة، أشار علاء نبيل لـ”العرب” إلى وجود أكثر من سبب لذلك، أهمها الفارق في جودة اللاعب وسيرته الذاتية، حيث تستطيع أندية الوسط التعاقد مع لاعبين مغمورين في بلادهم بمبالغ بسيطة، قد يتألقون في الدوري المصري، وهو نوع من الترف لا يملكه الأهلي والزمالك مثلا، لأن إدارة الناديين لا تستطيع جلب لاعبين مغمورين خوفا من إثارة غضب الجمهور الكبير لكل ناد. كما أن الضغوط الجماهيرية والفنية التي يعاني منها لاعبو الأهلي والزمالك غير موجودة في أندية الوسط أو أندية الشركات، مدللا على رأيه بأن هناك أكثر من لاعب أجنبي تألقوا مع الأندية الصغيرة، لكنهم فشلوا حينما انتقلوا إلى أحد الناديين.
شبح الإفلاس
مع ازدياد حدة الأزمة وانتشارها ظهرت مناشدات للجهات المعنية في الدولة بضرورة التدخل لوقف ما اعتبره البعض “فوضى التعاقدات” التي تسود سوق الانتقالات في أندية الدوري الممتاز المصري خصوصا أندية القمة الأهلي والزمالك وبيراميدز، ووصل الأمر إلى قيام أكثر من مسؤول رسمي في أندية الدوري الممتاز بالتحذير من أن استمرار الفوضى لفترة أطول سوف يقود أندية عريقة عديدة إلى إعلان إفلاسها، وهو ما قاله أمين صندوق نادي الاتحاد السكندري حازم الرجال، حين أكد أن الأندية الجماهيرية على وشك الإفلاس، في ظل عدم وجود موارد تغطي المصروفات الكبيرة، وعدم القدرة على منافسة أندية الشركات التي تملك إمكانيات اقتصادية كبيرة.
ووصلت الأزمة المالية التي تمر بها معظم الأندية الجماهيرية في مصر حدا دفع الاتحاد الدولي للاعبين المحترفين (فيفبرو) إلى إصدار بيان عام 2023 حذر فيه اللاعبين من الانتقال إلى الأندية المصرية بسبب كثرة الشكاوى التي تلقاها من المحترفين الأجانب نتيجة عدم دفع مستحقاتهم.
ودفعت الأزمات المتلاحقة حمزة الجمل نجم ومدرب الإسماعيلي السابق إلى مناشدة الجهات المعنية في مصر إصدار قانون يحجم فوضى التعاقدات يشبه قوانين اللعب المالي النظيف المطبقة في أوروبا، مبررا طلبه بالرغبة في إنقاذ الأندية الجماهيرية من الإفلاس ومن ثم الاختفاء من الساحة الرياضية مثلما اختفت أندية كانت شهيرة في أزمنة سابقة وحقق بعضها بطولات كبيرة مثل الترسانة والأوليمبي بجانب المنصورة ودمياط وجمهورية شبين وغيرها.
ويضم الدوري المصري حاليا 12 ناديا مصنفة ضمن أندية الشركات والهيئات وليست أندية جماهيرية، من أصل 18 ناديا تشارك في البطولة أي بنسبة تصل إلى 66.6 في المئة، وهي أندية: بيراميدز وسيراميكا كليوباترا والبنك الأهلي وفاركو وطلائع الجيش وحرس الحدود وإنبي وبتروجيت وزد ومودرن سبورت وسموحة والجونة، مقابل 6 فرق جماهيرية فقط هي: الأهلي والزمالك والإسماعيلي والاتحاد والمصري وغزل المحلة.
وكرر عضو اللجنة المؤقتة لإدارة نادي الزمالك سابقا إبراهيم عبدالله نفس التحذيرات، وأن من بين الأندية المهددة بالإفلاس النادي الأهلي الذي يملك أكبر ميزانية بين كل الأندية في أفريقيا، حيث بلغت ميزانية النادي في العام المالي المنتهي 7 مليارات و144 مليون جنيه مصري (الدولار= 51 جنيها).
الأهلي الرابح الوحيد
ورغم أن الأهلي النادي الوحيد في مصر الذي نجح في تحقيق فائض ربح من نشاط كرة القدم في السنة الماضية حيث بلغت مصروفات كرة القدم مليارا و107 ملايين جنيه مصري (21.92 مليون دولار) مقابل إيرادات بلغت مليارا و175 مليون جنيه (23.27 مليون دولار بفائض ربح تجاوز قليلا 68 مليون جنيه 1.35 مليون دولار) إلا أنه فائض هزيل لا يغطي تكلفة العقد السنوي للاعب واحد من المحترفين الأجانب في الفريق، فضلا عن أن النادي تكبد خسائر بقيمة 642.2 مليون جنيه (12.7 مليون دولار) من نشاط كرة القدم خلال السنوات من 2020 وحتى 2022.
وإذا كان هذا هو الحال في الأهلي الذي يملك اتفاقيات رعاية توفر له ما يتجاوز 500 مليون جنيه سنويا (10 ملايين دولار) وهو عائد يفوق عوائد الرعاية التي تحصل عليها كل أندية الدوري مجتمعة، فإن الوضع في الأندية الجماهيرية الأخرى يمكن وصفه بالكارثي بما فيها نادي الزمالك، الذي يعيش “شيزوفرينيا كروية” بين تصنيفه كثاني أكبر ناد جماهيري في مصر، بما يفرض عليه جلب أفضل النجوم المحليين والأجانب، وبين أوضاعه الاقتصادية المزرية التي عرضت النادي لعقوبة وقف قيد لاعبين جدد في أكثر من مناسبة بسبب تراكم الديون عليه إلى درجة التخلف عن سداد مستحقات اللاعبين والمدربين الأجانب.