تونس تقرّ إجراءات استثنائية لقطع الطريق أمام إمكانية عودة عناصر مقاتلة من سوريا

تحويل الرحلات القادمة من تركيا إلى محطة منفصلة عن مطار قرطاج الدولي.
الجمعة 2025/01/03
خطوة أمنية استباقية

دفعت التحوّلات السياسية والأمنية في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد السلطات التونسية إلى اتخاذ إجراءات أمنية للتوقّي من سيناريو عودة مقاتلين تونسيين من جبهات القتال في سوريا وأهمها تحويل الرحلات القادمة من تركيا إلى محطة منفصلة عن مطار قرطاج الدولي.

تونس - أقرّت السلطات التونسية إجراءات جديدة تقضي بتحويل الرحلات القادمة من تركيا إلى محطة منفصلة عن مطار قرطاج الرئيسي، في خطوة يرى مراقبون أنها تتخذ صبغة أمنية بالأساس وقطع الطريق أمام إمكانية عودة عناصر كانت تقاتل في سوريا، خصوصا بعد سقوط نظام بشار الأسد.

وترى أوساط أمنية وسياسية أن السلطات التونسية تستبق كل السيناريوهات التي من شأنها أن تعرض البلاد لتهديدات أمنية وعودة مجموعات من المقاتلين المتشددين من الأراضي السورية.

ويعتقد مراقبون أن القرار على علاقة بما يجري في سوريا، بعد سقوط نظام الأسد وما رافقه من إطلاق سراح المعتقلين في عدة سجون من بينهم جهاديين قاتلوا بصفوف التنظيمات المتشددة في سوريا سواء منهم من وقع في قبضة النظام أو الذين علقوا في المدن والمحافظات التي كانت تخضع لسيطرة قوى المعارضة بمختلف تشكيلاتها.

وقالت شركة الخطوط التونسية المملوكة للدولة إنه سيجري استقبال الرحلات القادمة من تركيا في محطة منفصلة عن مطار تونس قرطاج الدولي الرئيسي. وسيجري استقبال هذه الرحلات عبر المحطة الثانية المحاذية للمطار الرئيسي، والمخصصة عادة لرحلات الحجيج والمعتمرين إلى البقاع المقدسة.

ويعني ذلك إخضاع المسافرين القادمين من تركيا إلى إجراءات تفتيش بمحطة جمارك منفصلة. وأوضحت الشركة، في بيان مقتضب، أن هذا الإجراء يأتي بقرار من السلطات التونسية، دون تقديم المزيد من التفاصيل.

خليفة الشيباني: تركيا كانت جسرا لذهاب المقاتلين التونسيين إلى سوريا
خليفة الشيباني: تركيا كانت جسرا لذهاب المقاتلين التونسيين إلى سوريا

وقال المحلل السياسي والخبير الأمني، خليفة الشيباني “كنت أوّل من دعا إلى اتخاذ هذا الإجراء منذ سنوات لأن تركيا كانت جسرا لذهاب المقاتلين التونسيين إلى سوريا، والطائرات القادمة من سوريا يفترض أن تخضع للتفتيش.”

وأكد في تصريح لـ”العرب”، “من حقّنا أن نتخذ هذا الإجراء السيادي الأمني مع المراقبة الدقيقة لحماية الأمن القومي التونسي، وهذه خطة أمنية يجب أن تتخذ.”

ولفت خليفة الشيباني إلى أن "هناك إعادة انتشار للجماعات الإرهابية المسلحة من أفغانستان إلى ما يسمى بدول الربيع العربي، ودول الساحل والصحراء، ثمّ سوريا (تنظيم داعش وجبهة النصرة)، والإرهاب المتلبّس بالإسلام السياسي ينتشر من جديد، مع إعادة توزيع الأدوار."

ويشير هؤلاء المراقبون إلى أن تحديد المحطة الثانية بمطار قرطاج لهبوط الطائرات القادمة من تركيا يتعلق بالاتهامات التي وجهتها الحكومة التونسية في 2015 لأنقرة بتسهيل عبور الجهاديين إلى سوريا.

وقبل أسابيع أثارت منظمات من المجتمع المدني مخاوف من توافد متشددين تونسيين عائدين من سوريا عبر تركيا بعد سقوط نظام بشار الأسد وسيطرة كتائب “هيئة تحرير الشام” على الحكم.

وإلى حدّ الآن لا توجد أرقام رسمية عن عدد المقاتلين التونسيين في سوريا، خاصة أن الكثير منهم قتل في الحرب الأهلية السورية، وليس معروفا عدد المسجونين منهم في سوريا، كما لا توجد معلومات مؤكدة عن خروج سجناء تونسيين من السجون السورية.

ويعود ذلك بالأساس حسب المراقبين، إلى قرار قطع العلاقات الدبلوماسية بين تونس وسوريا الذي اتخذه الرئيس المؤقت الأسبق منصف المرزوقي في فبراير 2012، ما تسبب في توقف التعاون الأمني وتبادل المعلومات بين الأجهزة الأمنية والاستخباراتية في البلدين.

نبيل الرابحي: كل عمليات تسفير المقاتلين تمت عبر تركيا
نبيل الرابحي: كل عمليات تسفير المقاتلين تمت عبر تركيا

وأفاد المحلل السياسي نبيل الرابحي أنه “بعد التحوّلات السياسية الأخيرة في سوريا، كان لابدّ على السلطات التونسية أن تأخذ تلك الخطوة، لأن هناك العديد من العناصر التونسية المقاتلة في سوريا، والمقدرة ما بين 5 و6 آلاف.”

وأوضح لـ”العرب”، “لا أعتقد أنه سيكون هناك رجوع بأعداد كبيرة، بل ربما سيتم إدماج هؤلاء في الجيش السوري ومنحهم مسؤوليات جديدة، خصوصا للذين حاربوا في جبهة تحرير الشام.”

وتابع نبيل الرابحي “اليوم هناك من يريد التسلّل إلى تونس، وهناك من تحوّل من تونس إلى مطار إسطنبول، وكل عمليات تسفير المقاتلين تمت عبر تركيا، ولذلك فالحيطة الأمنية واجبة.” وكان رئيس الحكومة التونسية الأسبق يوسف الشاهد قد صرح في وقت سابق، بأن أعداد التونسيين الذين شاركوا في القتال في سوريا يقدر بنحو ثلاثة آلاف.

وعلى الرغم من إعادة الرئيس التونسي قيس سعيد للعلاقات الدبلوماسية بين تونس وسوريا منذ بداية العام الماضي، فلم يتم تسليم دمشق لتونس بعض المتشددين المطلوبين للعدالة، ولا تسليم قاعدة بيانات في الملف.

وتحدثت تقارير أمنية لاحقا عن عودة المئات إلى تونس وإيداع عدد منهم السجون فيما تمّ إخضاع آخرين إلى الرقابة الإدارية والأمنية وإجراءات المنع من السفر. وفي سبتمبر 2022، أمرت النيابة العمومية في تونس بفتح تحقيق في قضية “تسفير” التونسيين للقتال إلى جانب التنظيمات الإرهابية في الخارج.

وشملت التحقيقات في هذه القضية، نحو 100 شخصية سياسية وأمنية، على رأسهم القيادي في حركة النهضة الإسلامية علي العريض، الذي كان وزيرا للداخلية بين عامي 2011 و2012، قبل تكليفه برئاسة الحكومة حتى 2014، في ذروة فترة التحاق مئات التونسيين المتشددين للقتال في الخارج.

وتم اعتقال العريض وأصدر القضاء أمرا بسجنه على ذمة التحقيق في قضية “تسفير الجهاديين” إلى الخارج، في ديسمبر 2022. وفي عام 2017، قضت محكمة تونسية بالسجن 20 سنة على أحد العائدين من سوريا بعد أن ثبت انتمائه لتنظيم داعش.

4