ماذا بقي من إرث كارتر للسلام في الشرق الأوسط

كارتر بذل جهودا ليعم السلام في المنطقة وأهمها مساعي حل القضية الفلسطينية حلا عادلا، لكن جهوده جوبهت بعداء شديد.
الثلاثاء 2024/12/31
إرث يذكر فيشكر رغم النتائج

صدر كتاب لجيمي كارتر بعنوان “فلسطين: سلام لا فصل عنصري”، هز هذا الكتاب الساحة السياسية الأميركية، من أهم ما كان يصبو إليه تحقيق سلام دائم بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وفي طيات الكتاب مضى كارتر يقول: لقد أصبح الشرق الأوسط أكثر هشاشة، فعدم استقراره يؤدي الى المزيد من الحروب. فالخلاصة حسب الرئيس الأميركي الراحل أن شعوب المنطقة لها آراؤها وآلامها وأحلامها، لكن يبقى مفتاح الحل بيد إسرائيل.

في الوقت نفسه كان كارتر متفهما لحاجة إسرائيل إلى الأمن، وعبر عن افتخاره عندما قال لدي أصدقاء في إسرائيل ذكر منهم إسحاق رابين وموشيه وديان وغيرهم، فحاول أن يجمع بين استمرارية الأمن لإسرائيل وبين إحلال السلام، فثمة عقبات كانت في الطريق تعوق خلق سلام يعم الشرق الأوسط؛ إسرائيل التي كانت ومازالت تضع العصي في الدواليب، هذه الحقيقة التي أقر بها، وقد لمح إلى أن إسرائيل هي العقبة الكؤود في طريق السلام.

لم يقتصر إرث جيمي كارتر على إحلال السلام، بل أراد أن يحل مشاكل العالم برمته السياسية والإنسانية بدءا بالولايات المتحدة بلده الأصلي وبلدان العالم الأخرى، لنذكر أهم القضايا التي ألح كارتر على معالجتها الجانب الإنساني، وأهم ما قاله: نحن نشعر بأن من حق الناس أن يحصلوا على الحد الأدنى من الرعاية الصحية، وأن يكون لديهم مكان لائق للعيش فيه، وأن تتاح لهم فرصة الحصول على التعليم، وأن يتمتعوا بحرية التعبير وحرية الدين والحق في انتخاب قادتهم.

لم يتبق من مشروع كارتر إلا الاسم، نحن نتذكر هذه الأيام الموقف الأميركي المنحاز إلى إسرائيل بشكل مطلق، وما فعلته الإدارة الأميركية برئاسة جو بايدن عندما مدت إسرائيل بالسلاح والقنابل الذكية لضرب المدنيين في غزة، وتعلم الإدارة الأميركية الحالية والقادمة أن تحقيق السلام في ظل وجود حكومة يمينية إسرائيلية ذات أفكار توراتية صعب.

لم يقتصر إرث جيمي كارتر على إحلال السلام، بل أراد أن يحل مشاكل العالم برمته السياسية والإنسانية

الفجوة في الطرح بين كارتر وبايدن ودونالد ترامب، الذي يترقب العالم تنصيبه رئيسا للولايات المتحدة خلال أيام، تدل على أن الولايات المتحدة تسير بسرعة الضوء نحو الولاء المطلق لإسرائيل، لنأخذ مثالا ما صرح به ترامب في الفترة الأخيرة حول الحرب في غزة: إن إدخال المساعدات مرهون بإطلاق الرهائن الإسرائيليين، وهو ما يدل على أن السنوات القادمة لا تحمل بشائر للفلسطينيين.

قال جيمي كارتر عن مفهوم السلام “إننا لا ننظر إلى السلام باعتباره حالة كامنة، بل باعتباره حالة يجب الكفاح من أجلها، مثل الفوز في صراع مسلح،” ونحن “نحاول أن نكون عدوانيين من أجل تحقيق هذا الهدف.”

أما عن فلسفة مركز كارتر فعبر عنها بقوله: لا نتقيد بسياسات حكومة الولايات المتحدة، ولو أننا مضطرون إلى الامتثال للقانون. كما انتقد بشدة صفقة القرن واعتبرها جهودا سلبية لتقويض عملية السلام. وقال بأن هذه الخطة -ويقصد صفقة القرن- تشجع أيضا على إنكار الحقوق المتساوية للفلسطينيين في إسرائيل.

ولعل ما زاد من تأجيج الانتقادات الغاضبة ما ذكره جيمي كارتر في خاتمة كتابه عندما كتب: خلاصة الأمر، لن تنعم إسرائيل أو الشرق الأوسط بالسلام ما لم تبد الحكومة الإسرائيلية استعدادها للانصياع للقانون الدولي وخارطة الطريق والسياسة الرسمية الأميركية وأماني ورغبات أغلب سكانها، وتفي أيضاً بالتزاماتها السابقة عبر القبول بحدودها القانونية.

لقد أُجمع على أنها المرة الأولى في التاريخ التي يكتب فيها رئيس أسبق للولايات المتحدة كتابا ينتقد به إسرائيل. وقد أثار الكتاب حفيظة اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة فساقوا له الكثير من الانتقادات الكاذبة.

إن جوهر ما قاله كارتر عن الحكومة الإسرائيلية الحالية يسجل له، إن السياسة التي تتبعها حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تدل على أنها لم تعد تتبنى حل الدولتين، وفي الوقت نفسه عبر عن أسفه لتخلي الإدارة الأميركية عن استخدام نفوذها لحل الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي. كل المؤشرات أمامنا تظهر أن حل الدولتين هذا تم التخلي عنه من حيث الأساس وشهدنا تحولا نحو إسرائيل الكبرى الذي أعتقد أنه مناقض لمفهوم حل الدولتين.

ختاما يمكن القول بأن كارتر منذ أن كان رئيسا للولايات المتحدة وحتى بعد انصرافه من البيت الأبيض بذل جهودا ليعم السلام في المنطقة، وأهمها مساعي تطويق الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي وحل القضية الفلسطينية حلا عادلا، ولكنه جوبه بعداء إسرائيلي واضح وخصوصا بعد كتابه “فلسطين: سلام لا فصل عنصري”. وما تريد هذه المقالة الوجيزة الخلوص إليه هو أنه لم يولد من رحم الولايات المتحدة من يقول لإسرائيل كفى، والسلام هو السبيل الوحيد لاستقرار المنطقة، وأن لب الصراع في الشرق الأوسط هو إنصاف الفلسطينيين في دولة ذات سيادة.

7