لطفي الزعبي لـ"العرب": الإعلام الرياضي يُستخدم أحيانا لأهداف سياسية

يرى الإعلامي لطفي الزعبي في حديث مع "العرب" أن الإعلام الرياضي يغذي أحيانا التعصب الجماهيري بدلاً من تهدئته وانسياقه إلى الترند بعيدا عن المهنية؛ حيث أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي لاعبًا رئيسيًا في سوق الإعلام الرياضي العربي.
أبوظبي - في كل أزمة تحدث في الملاعب الرياضية وخصوصا ملاعب كرة القدم في أي بلد عربي، يتجه الاهتمام دائما إلى الإعلام الرياضي، فقد أصبح من وجهة نظر كثيرين المغذي الأساسي للتعصب بين الجماهير، بعد أن بات أغلب الإعلاميين الرياضيين في الوطن العربي يسعون خلف الترند على مواقع التواصل الاجتماعي.
ودفع جنون الترند بعض العاملين في الإعلام الرياضي إلى الابتعاد عن المهنية والحياد المفترضين في كل من يعمل بهذا المجال والبحث عن اختلاق أخبار غير دقيقة، وإثارة النعرات بين جماهير الأندية، من أجل كسب المزيد من المتابعين ومن ثم تعظيم عوائدهم المادية التي يجنونها من تلك المواقع.
ووسط الجنون الذي يتحكم في أداء الإعلام الرياضي لا تزال هناك بعض الأصوات العاقلة التي تسعى خلف تقديم إعلام مهني، مثل الأردني لطفي الزعبي رئيس قسم الرياضة في قناة “المشهد” التي تبث من الإمارات.
وحقق برنامج “ملعبنا” الذي يقدمه الزعبي على شاشة “المشهد” أرقاما قياسية في فترة وجيزة، بعدما تخطى نصف مليار مشاهدة على مختلف المنصات، والأكثر أهمية أن البرنامج لا يعتمد الإثارة كمنهج عمل يداعب غرائز مجانين الرياضة على مواقع التواصل، كما أن الزعبي أول من طرح مبادرة لتدشين ميثاق الشرف الإعلامي الرياضي العربي خلال مشاركته في منتدى دبي للإعلام قبل أعوام.
ويتضمن الميثاق الذي لم ير النور كما يقول لطفي في حوار خاص مع “العرب” ضرورة الاتفاق بين الهيئات الإعلامية العربية على العودة إلى الأساسيات التي تمنع انحراف الرسالة الإعلامية، وأهمها احترام المهنية، والتركيز على التحليل الفني، والابتعاد عن الاستفزاز، كما يجب على العاملين في الإعلام الرياضي زيادة وعي الجمهور بتقديم محتوى يثري معرفته الرياضية بدلاً من استغلال عاطفته، ويؤمن بأن الالتزام بهذه المعايير السبيل الوحيد لعودة التوازن والحياد إلى الاعلام الرياضي العربي.
الهواة دخلوا مجال الإعلام الرياضي لكن المحترفين يمكنهم الاستفادة من منافسة الهواة والتميز عنهم بتقديم محتوى جيد
ويحمل الإعلام الرياضي وزر تأجيج الخلاف بين دولتين عربيتين في واقعتين شهيرتين، الأولى عام 2009 قبل مباراة الإياب بين منتخبي مصر والجزائر لكرة القدم في نهاية تصفيات أفريقيا المؤهلة لمونديال 2010 الذي استضافته جنوب أفريقيا، حيث نفخت بعض منصات الإعلام المصري في نار التعصب خلال الأيام التي سبقت المباراة لدفع الجمهور إلى مضايقة بعثة المنتخب الجزائري، وردت بعض منصات الإعلام الجزائري بنشر أخبار كاذبة عن وفيات وإصابات حدثت بين الجمهور الذي رافق منتخب بلاده إلى القاهرة، ما تسبب في اندلاع أزمة سياسية بين البلدين.
وحدثت الواقعة الثانية بين قطر والأردن عقب فوز المنتخب القطري على نظيره الأردني في نهائي كأس أمم آسيا في يناير 2023، حيث تضمنت تغطية الإعلام الأردني للمباراة غمزا إلى تحيز الحكم الصيني الذي أدار اللقاء للمنتخب القطري، وردت وسائل إعلام في الدوحة بالهجوم على منتخب الأردن ومسؤوليه، خصوصا الأمير علي بن الحسين رئيس الاتحاد الأردني الذي وقع في زلة لسان أمام الشاشات حين هنأ الحكم على فوز منتخب قطر، وتطور الأمر لتشتعل المواجهات بين شعبي البلدين على مواقع التواصل الاجتماعي لكن الأمور لم تصل إلى أزمة سياسية.
ولا ينكر الزعبي أن الإعلام الرياضي العربي يغذي التعصب الجماهيري، قائلا إن هناك جزءا من الحقيقة في هذا الاتهام للأسف، لأن بعض الإعلاميين يستخدمون المنصات المتاحة لهم لتغذية الخلافات والنزاعات بدلاً من تهدئتها، وهو ليس لديه مشكلة في أن يحب الإعلامي فريقا ويشجعه ويعلن ذلك، لكن من المهم ألا يؤثر على عمله وعلى تبنيه للمنطق والحياد في طرحه الإعلامي، ولا يكون متحيزا عند الحديث عن فريقه، ويتعمد توجيه النقاش والضيوف نحو الاحتفاء بما يراه هو عن فريقه.
كما لا ينكر أن الإعلام الرياضي يجري استغلاله أحيانا لتحقيق أهداف سياسية، مثلما حدث في أزمة مباراة مصر والجزائر، معترفا بأنه تعرض لضغوط خلال سنوات عمله لتوجيهه إلى اتخاذ موقف معين تجاه دول معينة، ولم يستجب، مفضلا التمسك بالمبادئ المهنية التي يؤمن بها، وأهمها أن الرياضة وسيلة للتقريب بين الشعوب، لكن الزعبي رفض أن يذكر تفاصيل أكثر عن تلك الضغوط ومن الذين مارسوها عليه.
الزعبي لا ينكر أن الإعلام الرياضي العربي يغذي التعصب الجماهيري
وبحسب الكثير من المتابعين للشأن الإعلامي، تسبب ظهور وانتشار مواقع التواصل في توجيه الإعلام الرياضي التقليدي نحو التعصب بحثا عن “ركوب الترند” ومزاحمة الهواة للمحترفين في تقديم محتوى إعلامي رياضي.
وأصبح تأثير مواقع التواصل الاجتماعي على الإعلام الرياضي واقعا، مثلما يقول الزعبي، فهي لاعب رئيسي في سوق الإعلام الرياضي العربي، باعتبارها أداة قوية للوصول السريع إلى الجمهور، وهذا الجانب الإيجابي مثل تعزيز التفاعل المباشر بين الإعلامي والجمهور الذي تحول إلى كيان فاعل ومؤثر بدلا من الاكتفاء بدور المتلقي، وفي المقابل فسحت مواقع التواصل المجال لمحتوى غير مهني أو مضلل.
وعادة ما يشار إلى مسؤولية مواقع التواصل عن تغييب المهنية بين الإعلاميين الرياضيين المحترفين الذين بات الكثير منهم يسعون خلف الترند باللعب على مشاعر الجمهور ونشر الأخبار المثيرة دون التحقق من صحتها، وهو ما يقره لطفي في حواره قائلا “الترند هو المقياس الأول للنجاح عند البعض، ما أدى إلى التضحية بالجودة والمهنية،” لكنه يرفض التخلي عن تفاؤله معتبرا أن الجمهور بدأ يميز بين المحتوى الجيد والمحتوى المثير للجدل.
وعن التأثير الذي تركته مواقع التواصل عبر إتاحة الفرصة أمام الهواة لتقديم محتوى إعلامي رياضي ومنافسة المحترفين، يرى الزعبي أن الهواة أضافوا تنوعًا، وحفزوا الإعلاميين التقليديين لإيجاد حلول للحفاظ على مكانتهم، لكن دخولهم العشوائي أثر على صورة الإعلام الرياضي بشكل عام، وأن الإعلاميين المحترفين يمكنهم الاستفادة من منافسة الهواة والتميز عنهم بتقديم محتوى مختلف وصادق.
عمل الزعبي في قناة "المشهد" يمثل تحديا خاصا لكونها قناة عامة، ولأنها قناة تمزج بين العمل التلفزيوني والسوشيال ميديا
وشهدت السنوات الماضية انتشارا هائلا للمواقع الإلكترونية الرياضية في كل البلدان العربية، الأمر الذي فسح المجال أمام الكثير من محبي الرياضة ومشجعي كرة القدم للتحول إلى إعلاميين، وهو تحول يرى البعض أنه أثر سلبا على المهنية المفترضة في الإعلاميين، بينما يرى آخرون أنه عزّز شفافية الإعلام الرياضي وعرّف الجمهور على انحيازات الإعلاميين. وهناك فريق يرى أن فكرة الإعلامي المشجع قديمة، منذ أن كتب الصحافي السعودي المعروف عثمان العمير في تسعينات القرن الماضي بجريدة “الرياض” السعودية مقالا بعنوان “هلاليون واشربوا من البحر”، أعلن فيه صراحة ميله إلى نادي الهلال ودعا المعترضين على ذلك إلى “الشرب من البحر”.
ويتفق الزعبي مع أنصار الرأي الأول باعتبار أن ظاهرة الإعلاميين المشجعين تعكس ضعفًا في المهنية أحيانًا، وقد يكون انحياز الإعلامي إلى هذا النادي أو ذاك نتيجة للضغوط أو الإغراءات التي تقدمها الأندية، وقناعته أن الحياد عنصر أساسي للحفاظ على المصداقية، وأنه يحترم رأي عثمان العمير، ومقتنع بأنه لا يوجد حياد في الإعلام الرياضي، “لكن لا أؤمن بأن الانحياز يعزز مكانة الإعلامي، إنما الحياد هو ما يعطي الإعلامي قوته، ولا مانع لدي في أن تكون إعلاميا محبا لفريق دون أن يؤثر ذلك على تحليلك للأحداث دون تعصب.”
ومن أصعب مهام أي مذيع في زمن القنوات المتخصصة أن يقدم محتوى متخصصا في قناة عامة، وهو تحد يخوضه الزعبي في قناة “المشهد” منذ التحاقه بها. ويقول لـ”العرب” إن عمله في قناة “المشهد” يمثل تحديا خاصا لكونها قناة عامة، ولأنها قناة تمزج بين العمل التلفزيوني والسوشيال ميديا ما يجعلها أكثر مرونة في تقديم المحتوى الرياضي، وخلطته السحرية لإنجاح برنامجه الرياضي في قناة غير متخصصة تكمن في تقديم مزيج من الجاذبية والبساطة للوصول إلى الجمهور، خاصة أن التحدي الأكبر يكمن في جذب الجمهور الرياضي ولفت انتباه المشاهدين غير المهتمين بالرياضة لمتابعة البرنامج.
وينقسم مشوار لطفي الزعبي الإعلامي إلى خمس مراحل كما يحلو له تصنيفه، بدأ من التلفزيون الأردني، حيث عمل مذيعا ومعلقا رياضيا ورئيسا للتحرير ومقدما للبرامج، ما أعطاه خبرات تراكمية ساعدته في الانتقال إلى المرحلة التالية من مسيرته وهي قناة الجزيرة التي عمل بها 6 سنوات مع الاعلامي السوري أيمن جادة، وهناك قدم برامج رياضية وثائقية أهمها “الرياضة الفلسطينية تحت الحصار” و”هموم ومشاكل رياضيي عرب 48″.
وكان أول صحافي عربي يطرح أزمة الرياضيين الفلسطينيين الذين يحملون جنسية إسرائيلية وظلوا محافظين على هويتهم الفلسطينية، ثم التحق بمجموعة”إم.بي.سي” التي عمل بها ست سنوات أخرى، ومنها إلى قناة “العربية” التي تصدر عن نفس المجموعة، وبقي هناك 12 عاما قبل أن ينتقل إلى مرحلته الخامسة وهي قناة “المشهد”.