الانتخابات البلدية التونسية في انتظار قانون تنظيمي

تنتظر الأوساط الشعبية والسياسية في تونس صدور نصّ قانوني ينظّم عمل المجالس البلدية ويحدد صلاحياتها وعلاقاتها ببقية الهياكل التشريعية، في وقت تتصاعد فيه الأصوات التي تشكو من تردي الخدمات البلدية على المستوى المحلي والتي أهملت جزءا كبيرا من أدوارها في علاقة بخدمة المواطن.
تونس - أكدت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس أن تنظيم الانتخابات البلدية محطة مدرجة في دستور 25 يوليو 2022، في انتظار صدور قانون يُنظّم المجالس البلدية وتنقيح الإطار القانوني المنظّم لها ولمهامها.
وترى أوساط سياسية أن القوانين التي تعمل بها المجالس البلدية الحالية لم تعد تتلاءم مع نصوص دستور 2022، وهو ما يفرض تنقيح القانون المنظم للمجالس البلدية صلب مجلة الجماعات المحلية التي تعود لسنة 2018، وهو ما يمثل خطوة مهمة في تحديد موعد الانتخابات.
وتضيف تلك الأوساط، أن هناك تداخلا على مستوى التنسيق بين هياكل الدولة وعدم وضوح الرؤية، وهذا ما يُسبّب عطالة في العمل البلدي، كما أن هيكلة الجماعات المحلية واللامركزية تغيرت بصدور دستور 2022. وأكّد رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات فاروق بوعسكر على أنّ “الانتخابات البلدية موجودة ولا مفرّ من تنظيمها.”
وأوضح بوعسكر، الأحد، بالعاصمة، لدى إشرافه على تنظيم قرعة التناوب على عضوية المجلس الجهوي والتداول على رئاسة المجالس المحلية والمجلس الجهوي بتونس، أنّ “المجالس البلدية موجودة، وهي أيضا جماعات محلية منصوص عليها في دستور يوليو2022.”
وأوضح أنّ “تنظيم الانتخابات البلدية، مسألة مرتبطة أيضا بصدور قانون يُنظّم المجالس البلدية وتنقيح الإطار القانوني المنظّم لها الذي سيصدر قريبا لتنظيم عمل هذه المجالس بشكل أكثر دقّة ووضوحا” مشددا أنّ “تنظيم القرعة الدورية الرابعة لعضوية المجالس الجهوية بكامل تراب الجمهورية وأيضا لرئاسة المجالس الجهوية ورئاسة المجلس المحلية هذا اليوم، جاء تطبيقا للمرسوم عدد 10 الذي ينصّ على التناوب والتداول كلّ ثلاثة أشهر وفي التاريخ والتوقيت نفسهما في 24 ولاية (محافظة).”
وبيّن أنّ “مجلس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات سيصادق اليوم الاثنين على محاضر القرعة التي أشرفت عليها الإدارات الجهوية لهيئة الانتخابات بحضور عدول التنفيذ، وسيتم في ما بعد نشر هذا القرار بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية، تليها دعوة التركيبة الجديدة للمجالس الجهوية للمباشرة في الولايات بداية من يوم 5 ديسمبر الجاري.”
كما أشار في السياق ذاته إلى أنّ “القانون الأساسي للمجالس المحلية والجهوية والإقليمية في لمساته الأخيرة، وأنّه سيضمن لهذه المجالس صفة الجماعة المحلية وسيضفي الصفة على كل هذه المجالس المنتخبة وذلك تطبيقا لما ينص عليه الفصل 133 من الدستور.” وكثيرا ما يثير نشاط المجالس البلدية في تونس الجدل، حيث لا زالت تلك المجالس تعتمد أساليب تقليدية في التعامل مع المواطن في ظل غياب المشاريع والإنجازات، فضلا عن التدخل السياسي الذي أهمل الدور الجوهري للبلديات وهو ما أفرزته انتخابات العام 2018.
ونظمت تونس أول انتخابات بلدية بعد ثورة الرابع عشر من يناير 2011، التي أطاحت بالرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، في العام 2018. وهو استحقاق نجحت خلاله حركة النهضة الإسلامية في اكتساحه بعد أن حلت في المرتبة الأولى بـ28.68 في المئة، فيما حل حزب الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي نداء تونس ثانيا بـ20.85 في المئة، وحل التيار الديمقراطي ثالثا بـ4.19 في المئة.
لكن وبسبب الصراعات السياسية دخلت المجالس في خلافات شديدة على خلفية الانتماءات السياسية لأعضائها، انتهت بحل عدد منها وإجراء انتخابات جديدة. وأكد الكاتب والمحلل السياسي مراد علالة، “هناك غياب العمل البلدي الضروري لأن الخدمات البلدية لم يعد موجودا منها سوى جانب إنارة الطرقات أو نقل النفايات، وهي لم تعد مسؤولة على توفير مقومات العيش الكريم للمواطن.”
وأضاف في تصريح لـ”العرب”، “نعيش اضطرابا على مستوى التنسيق بين هياكل الدولة وعدم وضوح الرؤية، وهذا ما يجعل هناك عطالة في العمل البلدي، فضلا عن الغموض والضبابية.”
وتابع مراد علالة “تنظيم الانتخابات البلدية مرتبط بتوفر الإرادة السياسية، ويفترض أن تجرى في أقرب وقت ممكن لتدارك عدة أمور، والانتخابات البلدية التي نظمت في 2018، لم تعط نتائج جيّدة” لافتا إلى أن “التأخير في تنظيم الانتخابات، يعود أساسا لطبيعة المشروع السياسي للرئيس قيس سعيد، وهو يمرّر ذلك المشروع بطريقة ناعمة مع نوع من البطء، ولاحظنا بين كل محطة انتخابية وأخرى هناك حيز زمني من الانتظار والتروّي.”
وأشار علاّلة إلى “ضرورة توضيح الرؤية ثم تحديد دور المجالس البلدية وعلاقتها ببقية المجالس والهياكل، والإشكال يتعلق أساس بتحديد المهام، كما أنه من الضروري ملاءمة التشريعات في ما بينها، وفي مشروع النص والممارسة بالنسبة للمجالس البلدية المنتخبة في 2018 ظهر وكأن هناك صلاحيات، وبالتالي هناك عمل تشريعي كبير مع ضرورة تحديد المواعيد”.
وتصاعد الجدل حول البلديات إثر تطرق الرئيس سعيد في وقت سابق إلى أزمة تكدّس النفايات في محافظة صفاقس (جنوب)، ووجه إلى المجالس البلدية تحذيرات وحتى اتهامات بـ”التنكيل” بالشعب التونسي، وهو ما فتح الباب على مصراعيه أمام التكهنات حول فرضية مضيه قدما نحو حلها. وقال قيس سعيد حينها إن “الشعب ائتمنهم (الجماعات المحلية) رغم أن القانون الذي وضع على المقاس لا يمكّن من محاسبتهم، ولكن لا مجال للجماعات المحلية أن تنشئ دولا داخل الدولة.”
وأفاد المحلل السياسي نبيل الرابحي أن “الانتخابات البلدية تنظم مرة كل خمس سنوات، وهي مدرجة في دستور 25 يوليو 2022، وكان من المبرمج أن يتم تنظيمها في مارس 2025.” وقال لـ”العرب”، “هناك العديد من تضارب المصالح بين العمل المحلي والعمل البلدي، ونحن في انتظار صدور قانون منظم لمهام المجلس البلدي والمجلس المحلي عبر مجلس نواب الشعب.”
ويبلغ عدد البلديات في تونس 350 بلدية، كانت إلى حدود نهاية 2014، 264 بلدية فقط، وتم إنشاء 86 بلدية إضافية في 2015 و2016 وذلك بهدف تغطية كامل تراب البلاد بالنطاق البلدي استعدادا للانتخابات البلدية التونسية 2018.