الحكومة المصرية توسع الشروط لضبط الدعم النقدي لفائدة المستحقين

القاهرة- أثار قانون الضمان الاجتماعي الذي يناقشه مجلس النواب المصري، اليوم الأحد، مخاوف دوائر سياسية وحقوقية، حيث يضع شروطا عديدة أمام استمرار تقديم مساعدات مالية شهرية من الحكومة إلى البسطاء، ويمنحها الحق في حرمان البعض من الدعم النقدي، إذا خالفوا المعايير الخاصة بالصرف.
وأعلنت لجنة التضامن الاجتماعي بمجلس النواب أن القانون يستهدف تحقيق العدالة بتبني قواعد الاستهداف وتحديد مستوى الفقر للأسرة من خلال معادلة اختبارية تقيس مؤشرات الفقر وآليات الاستحقاق، لكنّ ثمة نصوصا مطاطة في القانون أثارت مخاوف البسطاء من أن تقود لخفض فاتورة الدعم النقدي.
ونص القانون على أن يكون من حق كل مواطن مصري يعيش تحت خط الفقر القومي، ولا يتمتع بنظام التأمين الاجتماعي، أن يحصل على دعم نقدي متى توافرت في شأنه حالة من حالات الاستحقاق التي تحددها الحكومة، ومقابل ذلك هناك شروط يجب أن تلتزم بها الأسرة البسيطة لمواصلة الصرف.
◄ أصوات برلمانية تدافع بأن القانون الجديد يقضي على التجاوزات الحاصلة في ملف الدعم لأن الكثيرين يحصلون على مساعدات مالية شهريا دون وجه حق
ومن بين الشروط الالتزام بتعليم الأبناء ومنع عمالة الأطفال وتعزيز السلوكيات الصحية وخفض معدلات الإصابة بأمراض سوء التغذية، وعدم تزويج أيّ من أطفال الأسرة قبل بلوغ السن المحددة للزواج قانونا (18 عاما)، والتزام الأمهات في سن الإنجاب بتلقي الخدمات الصحية الوقائية المقررة للطفل والأم.
ومن حق الحكومة وقف صرف الدعم النقدي وفق مراجعات دورية لظروف المستحقين، وتضمن القانون مادة خاصة بمراجعة حالات الاستحقاق كل فترة، لدراسة استمرار المساعدة المالية أو تعديلها وفقا لما يتناسب مع حالة المستفيد، بحيث إذا تغيرت ظروف الفقير، يُصدر قرار بخفض قيمة الدعم أو إيقافه.
ويخشى معارضون أن يأتي التشريع الجديد بارتدادات عكسية على مظلة الحماية الاجتماعية، لأن الكثير من شروط استحقاق الدعم النقدي يخالفها البسطاء أمام الظروف المعيشية الصعبة، مثل تشغيل الأبناء في سن صغيرة لمساعدة أسرهم، وبينهم من لا يُعلّم أولاده أمام ارتفاع التكلفة المادية للانتظام في الدراسة.
ويحصل أكثر من خمسة ملايين أسرة في مصر على دعم نقدي من الحكومة ضمن مشروع “تكافل وكرامة”، ويمثلون قرابة عشرين مليون نسمة، لكن مخاوف تلك الفئة تضاعفت منذ الإعلان عن خطة حكومية لاستبدال الدعم العيني للسلع الأساسية إلى نقدي، للتأكد من وصول المساعدات إلى مستحقيها.
ورغم حالة الجدل حول ملف الدعم، النقدي أو العيني، لم تبدد الحكومة هواجس الفقراء بتوضيح الصورة كاملة عبر خطاب بسيط يتناسب مع ثقافتهم ومستوى تفكيرهم، ما منح خصومها السياسيين فرصة تأليب بعض الفقراء ضدها بزعم أنها تخطط للإلغاء التدريجي للدعم بالنسبة إلى الفئات الأكثر احتياجا.
وتتناقض تلك النظرة مع رؤية النظام الحاكم في مصر للبسطاء، حيث يتعامل معهم بخصوصية لأنهم يمثلون بالنسبة إليه الكتلة الشعبية الأكثر قدرة على تثبيت الأمن والاستقرار، ومن دونهم يصعب على الدولة مجابهة التحديات، ما يفسر المداومة على تخصيص مساعدات مالية لهم كلما ارتفعت معدلات الغلاء في البلاد.
وترى دوائر سياسية أن منظومة الدعم النقدي في مصر كانت في حاجة إلى تشريع ينظمها والحكومة محقة في رهن المساعدات بسلوكيات منضبطة مثل التعليم والصحة، وعليها أن تقوم بواجبها وتوفر تعليما ورعاية طبية دون أعباء على البسطاء قبل أن تحرمهم من الدعم إذا خالفوا شروط الحصول على المساعدات.
وإذا كانت خطة ترشيد الدعم النقدي مطلوبة، فالتعاطي مع البسطاء يتطلب حسابات سياسية دقيقة، لأنهم اعتادوا تسيير أمورهم الحياتية اعتمادا على مساعدات الحكومة، وعندما تتراخى عن القيام بهذا الدور تتسلل جمعيات إسلامية لتعويض غيابها وتقوم باستقطاب البسطاء وهناك حقب سياسية شاهدة على ذلك.
وأكد رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة القاهرة إكرام بدرالدين أن الحكومة يصعب أن تستغني عن دعم البسطاء وهذا نهج ثابت عندها مهما بلغت الظروف الاقتصادية من تعقيدات، والتشريعات التي تستهدف حوكمة المساعدات الحكومية تصب في صالح محدودي الدخل مهما حاولت بعض التيارات المناوئة إظهار عكس ذلك.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن وجود غير مستحقين ضمن منظومة الدعم يضر بالفقراء، ومن المهم تنقيح قاعدة البيانات من الأفراد الذين يحصلون على المساعدات، ووضع معايير للدعم بما يضمن للدولة تحقيق الهدف، فالحياة الكريمة بينها التعليم والصحة، والثابت أن هناك خصوصية في علاقة النظام بالبسطاء.
ومشكلة بعض المعارضين مع القانون أنه لم يُلزم الحكومة باستمرارية صرف الدعم النقدي بل تضمّن مادة خاصة تتيح لها مراجعة حالات الاستحقاق كل فترة، لدراسة استمرار المساعدة المالية أو تعديلها، بحيث إذا تغيرت ظروف الفقير تُصدر قرارا بخفض قيمة الدعم أو إيقافه.
ويحق للحكومة وقف صرف الدعم النقدي للأفراد وأرباب الأسر المستفيدة، إذا كانوا قادرين على العمل أو رفضوا فرص التوظيف وكسب العيش التي توفرها لهم الجهة الإدارية، دون تحديد هوية الوظائف أو آلية توفيرها، مع أن الظرف الاقتصادي تسبب في شح الكثير من فرص العمل.
◄ القانون ينص على أن يكون من حق كل مواطن يعيش تحت خط الفقر، ولا يتمتع بنظام التأمين الاجتماعي، أن يحصل على الدعم
ويتفق مع هذا النهج أن هناك أفرادا يتحصّلون على دعم نقدي من الحكومة بدعوى أنهم بسطاء، رغم كونهم مقتدرين ماديا، وبعضهم يمتلك وحدة سكنية ومحال تجارية، واستفادوا من الترهل الإداري في الدعم وأدرجت أسماؤهم كفقراء بطرق ملتوية.
ورغم مخاوف البعض أن يكون قانون الضمان الاجتماعي مقدمة للانسحاب من الدعم النقدي، فإن أصواتا اقتصادية تقول إن الحكومة ليست بالسذاجة التي تجعلها تدخل في مواجهة مع الملايين من الأسر التي تعتمد على مساعدات الدولة لتسيير شؤونها.
وتدافع أصوات برلمانية بأن القانون الجديد يقضي على التجاوزات الحاصلة في ملف الدعم لأن الكثيرين يحصلون على مساعدات مالية شهريا دون وجه حق واستبعاد هؤلاء وإدخال آخرين أكثر حاجة إلى الدعم يزيد المكاسب السياسية للحكومة ويوسع مظلة الحماية الاجتماعية في مواجهة الغلاء.
ويعكس اتساع الفجوة بين الفقراء والحكومة المصرية مع كل خطوة تتعلق بمنظومة الدعم وجود أزمة لدى جهات رسمية بشأن طريقة التعاطي مع الشارع حول تصورات الدولة تجاه حقوق البسطاء، حتى بدت الحكومة متهمة بالتآمر عليهم.
وبقطع النظر عن أهداف القانون يصعب فصله عن توصيات صندوق النقد الدولي بخفض فاتورة الدعم، ورفض الحكومة أن تظل مؤسسة خيرية، وهي إشكالية أوحت بأن الدعم “عوّد” البعض على الاتكالية والظروف الاقتصادية لم تعد تسمح بذلك.