الاستنجاد بالهندسة العسكرية ينقذ مشاريع تونسية من المماطلات والبيروقراطية

لئن مثّل استنجاد السلطة التونسية بمؤسسة الجيش في الإشراف على إنجاز بعض المشاريع المهمّة، خطوة تعكس انزعاج الرئيس قيس سعيد من تعثر العمل البلدي وتلكؤ الإدارة، فإنه أظهر في المقابل نتائج إيجابية وسريعة في خدمة الشعب التونسي، ويمكن تثمينها في عدد من المشاريع الأخرى.
تونس - أعطى التعويل على المؤسسة العسكرية في تونس، نتائج سريعة وفعّالة في بناء عدد من المشاريع كان قد أذن الرئيس قيس سعيد الإدارة العامة للهندسة العسكرية بالإشراف عليها، وآخرها مستشفى ميداني بمدينة بئر علي بن خليفة من محافظة صفاقس (شرق) البلاد.
وتقول أوساط سياسية، إن الاعتماد على الهندسة العسكرية ومن ورائها وزارة الدفاع، مكّن السلطة من بناء بعض المشاريع في وقت وجيز مع توفر عاملي الانضباط وجودة العمل المقدّم، بعيدا عن الروتين البيروقراطي وممارسات الفساد التي كانت تنخر مختلف المؤسسات وتحول دون سيرورة المشاريع واستكمال إنجازها.
كما ترى تلك الأوساط أن قيس سعيد يدرك خطورة أن يتحدث ويَعد بإنشاء المشاريع ويعلّق الناس آمالهم على حديثه، ثم بعد ذلك لا يحدث شيء، لذلك يلجأ إلى المؤسسة العسكرية لتنفيذ ما يريده وبالسرعة القصوى.
ومنذ تأسيسها، تحظى وزارة الدفاع بثقة كبيرة لدى الشعب التونسي، كما أن الموقف العام من تلك المؤسسة إيجابي جدا، نظرا لكونها تتوفر على عناصر الجدية في العمل وسرعة تنفيذ المهمات الموكولة إليها.
وزار الرئيس سعيد الأربعاء، المستشفى الميداني الذي أذن ببنائه في مدينة بئر علي بن خليفة، في انتظار الانتهاء من أشغال إصلاح مستشفى المدينة المذكورة.
وثمّن سعيد إنجازه في وقت قياسي، استجابة لمطالب المواطنين إلى حين إصلاح المستشفى الحالي، مبينا أن “من أهم المطالب الأساسية لمتساكني بئر علي بن خليفة أثناء زيارته الأخيرة، كان توفير المستشفى باعتبار أن الصحة هي حق من حقوق الإنسان”، قائلا “نحن في سباق ضد الساعة لنصنع تونس جديدة ولنشيد من جديد“.
وتطرق قي سعيد إلى الوضعية المتردية للمرفق العمومي للصحة، مبرزا وجود “عمل دؤوب يتم القيام به في عديد الجهات حتى يجد المواطن ظروفا صحية تليق بالإنسان،” مشيرا إلى أن “تونس تزخر بالإمكانيات وأن تركيز هذا المستشفى الميداني دليل على أن الإرادة السياسية للبناء والتشييد ستمضي بسرعة.”
ويتوفر المستشفى الميداني المذكور على أقسام مختلفة واختصاصات متنوعة، فضلا عن أجهزة حديثة مطابقة للمواصفات، كوحدة الفرز ومستلزمات قاعة الجراحة وقاعة العناية المركزة وقسم الأشعة ووحدة الجراحة بالمنظار، إلى جانب قسم الإقامة الذي يشمل من 12 إلى 14 سريرا.
وقال الكاتب والمحلل السياسي باسل الترجمان، إن ” ثقة الشعب التونسي والرئيس سعيد في المؤسسة العسكرية كبيرة وعمياء، والجيش دائما ما يكون حاضرا في اللحظات الحاسمة، كما أن الموقف العام من المؤسسة إيجابي جدا.”
وأضاف لـ”العرب”، أن “دور المؤسسة العسكرية في التنمية ليس جديدا، بل كان منذ سبعينيات القرن الماضي بإصلاح الواحات في منطقة رجيم معتوق (جنوب)،” لافتا أن “قيام الهندسة العسكرية بإنجاز المشاريع بسبب ممارسات الفساد وتورّط عدة أطراف في ذلك، ولاحظنا أن وزير الدفاع خالد السهيلي يقوم بدور مهم جدا، وكسر تقاليد الوزير الذي يبقى في مكتبه وبعيدا عن الأضواء.”
واعتبر الترجمان أن ” نجاح الهندسة العسكرية في بناء مستشفى ميداني ببئر علي بن خليفة أمر مشرف جدا، وأيضا فيه رسالة بكون الجيش قادر على أن يكون دائما جاهزا في كل اللحظات الصعبة، كما أنه السند الداعم في خدمة الشعب.”
وفي شهر أكتوبر الماضي، أعاد الرئيس التونسي، فتح المسبح البلدي بالبلفدير (وسط العاصمة) بعد أن تعهده وأمر بترميمه وإصلاحه إلى جانب إعادة تهيئة ساحة باستور.
وبلغت كلفة إعادة تأهيل المسبح البلدي 18 مليون دينار (5.7 مليون دولار) والتي انطلقت يوم 28 مارس الماضي بإشراف ومتابعة الإدارة العامة للهندسة العسكرية ووزارة التجهيز، وبتمويل من بنك تونس العربي الدولي وبمتابعة وتنسيق من المهندس حافظ كسكاس.
وانتهت أشغال المسبح البلدي بالبلفدير في ظرف 6 أشهر فقط مع العلم أنه كان مغلقا لمدة 20 سنة.
وأفاد المحلل السياسي والخبير الأمني خليفة الشيباني، أن ” ذلك تثمين للدور الذي تقوم به المؤسسة العسكرية نتيجة انضباطها وجديتها في العمل، ولكن على بقية الوزارات أن تعمل بنفس الانضباط الذي تشتغل به وزارة الدفاع.”
وأكد في تصريح لـ”العرب”، أنه “من المفترض نقل الخصال الجيّدة مثل احترام المواعيد المحددة ومقاييس العمل الجيد إلى بقية الوزارات والمؤسسات، وأهمها وزارة التجهيز.”
كما لفت خليفة الشيباني إلى ضرورة أن “يكون المسؤولون في الجهات بنفس صفات الرئيس قيس سعيد، وأن إشراف الهندسة العسكرية على بعض المشاريع فيه رسائل بكون تونس قادرة على العمل والإنجاز.”
وتحرص تونس على تحييد الجيش عن الحياة المدنية، لكنه يمتلك خبرات كبيرة في العمل المدني، سواء في مرحلة حكم قيس سعيد أو قبل الثورة، حيث كانت الدولة توكل إليه مهام مختلفة مستفيدة من سرعة أداء المؤسسة العسكرية والتزامها بالمواعيد مثل التدخل أثناء الفيضانات أو تساقط الثلوج بكثافة أو نشوب حرائق الغابات أو بناء الجسور، فضلا عن لعب دور أمني فعال مثلما حصل بعد ثورة 2011، حيث حمت المؤسسة الأرواح والممتلكات وحالت دون اتساع دائرة الفوضى.
ويندرج التجاء قيس سعيد إلى المؤسسة العسكرية في إطار صلاحياته باعتبار أن الجيش ينضوي تحت سلطاته الدستورية. ويدخل انتقادُ استعانةِ الرئيس التونسي بالمؤسسة العسكرية لإنجاز مشاريع عمومية في سياق الحملات السياسية، لكن ما يهم الناس هو تحويل الوعود إلى مشاريع فعلية، وهناك رأي ثان مقتنع بفكرة وجود لوبيات تعرقل عمل الدولة سعيًا لخدمة أجندات خاصة.
وكثيرا ما يراهن الرئيس التونسي على دور الجيش خصوصا بعد الإجراءات الاستثنائية في الخامس والعشرين من يوليو 2021، فبالإضافة إلى دوره الدفاعي عن الوطن، لعب الجيش التونسي أدوارا فعّالة في عدد من المحطات السياسية والاجتماعية التي مرت بها البلاد منذ الاستقلال في العام 1956.
ولا يملك الجيش في تونس دورا مؤثرا في الحياة السياسية، بل على العكس يعد أكثر المؤسسات استحواذا على ثقة التونسيين كما تبين ذلك نتائج استطلاعات الرأي، لكونه حافظ على دوره الحيادي طيلة فترة الانتقال الديمقراطي منذ عام 2011.