تونس تسعى لزيادة التمثيل الدبلوماسي لتعزيز انفتاحها على آسيا وأفريقيا

تجد الحكومة التونسية نفسها أمام تحدي الانتشار الدبلوماسي في قارتي أفريقيا وآسيا، بهدف إعطاء شراكاتها نفسا جديدا لإنعاش اقتصادها المتعثر، ومعالجة مشاكل الاستثمار، في وقت تتعالى فيه الأصوات المنادية بتوسيع دائرة العلاقات الدبلوماسية بعيدا عن الشركاء التقليديين مثل الاتحاد الأوروبي.
تونس - تسعى تونس، في إطار إعادة الانتشار الدبلوماسي، إلى التواجد أكثر في القارة الأفريقية التي تمثل عمقها الإستراتيجي مع دعم تواجدها في قارة آسيا، حسب الإمكانيات المتاحة، وسط تأكيد من وزارة الخارجية على دعم تعزيز التمثيل الدبلوماسي التونسي في دول أفريقيا الوسطى وبعض الأماكن الأخرى خلال السنتين القادمتين.
وترى أوساط سياسية أنه فضلا عن تعزيز التمثيل الدبلوماسي في الدول الأفريقية الغنية بالموارد على غرار النفط مثل جنوب أفريقيا ونيجيريا مع استغلال فرص الاستثمار الموجودة هناك، وجب أيضا تمتين العلاقات والروابط الدبلوماسية مع الشركاء التقليديين على غرار دول الاتحاد الأوروبي.
وتضيف الأوساط أن التمثيل الدبلوماسي يجب أن يأخذ بعين الاعتبار مختلف المعطيات ويكون نشاطا متكاملا، يضمن الحفاظ على العلاقات مع الاتحاد الأوروبي باعتباره الشريك الأول لتونس، مع الانفتاح على القارتين الأفريقية والآسيوية في إطار تنويع ذلك النشاط والبحث عن أسواق استثمارية جديدة.
وكشف وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج محمد علي النفطي، خلال جلسة عامة بالبرلمان، السبت، مخصّصة لمناقشة ميزانية مهمة وزارته، أن “الانتشار الدبلوماسي التونسي يعتمد على 60 سفارة موزعة في كافة أنحاء العالم".
وأوضح أنّ “من بين هذه السفارات 18 سفارة في العالم العربي و22 في أوروبا و7 في آسيا و5 في أميركا و10 في أفريقيا جنوب الصحراء موزعة على 48 دولة، إضافة إلى 23 ما بين قنصليات وقنصليات عامة".
وأكّد الوزير أنّه “على وعي بأنّ هذا الانتشار الدبلوماسي لا يفي بالحاجة، ولا يمكن أن يحقق الأهداف المرجوة من سياساتنا الخارجية، ولكن تونس حريصة على توسيع تمثيلها الدبلوماسي متى توفرت الظروف الملائمة لذلك".
كما لفت إلى أنّ "هذا الانتشار لا يمنع من تكثيف الجهود الدبلوماسية لإنجاح التحركات على مختلف الأصعدة وفي مختلف الفضاءات التي تنمي إليها تونس تقليديا مع الحرص على توسيع هذه الفضاءات والتعمق في بعضها.”
ولا يزال حجم التجارة التونسية مع دول أفريقيا أضعف من حجم التجارة الخارجية للبلاد سنويا، بينما تبلغ أكثر من 50 في المئة مع دول أوروبا، وفق أرقام مركز النهوض بالصادرات.
وتراهن تونس على إعطاء شراكاتها مع قارة أفريقيا جرعة تحفيز جديدة لإنعاش اقتصادها المتعثر ومعالجة مشاكل الاستثمار، التي تواجه المشاريع في فترة يتسم فيها الاقتصاد العالمي بالكثير من التقلبات بفعل انعكاسات التوترات السياسية والتغيرات المناخية.
ويعمل المسؤولون لطيّ صفحة الخمول في تنمية الاستثمارات لاستغلال موقع تونس الإستراتيجي في القارة على النحو الأمثل لمنافسة المغرب، بهدف الدخول في أسواق دول وسط أفريقيا وجنوبها وعدم الاقتصار على الشريك التقليدي الاتحاد الأوروبي.
وقال المحلل السياسي المنذر ثابت “قبل توسيع التمثيل الدبلوماسي، وجب تمتين العلاقات الدبلوماسية التقليدية على الواجهة الخارجية مثل الاتحاد الأوروبي، وهي أيضا مطالبة بحضور أوسع على الواجهة الأفريقية والآسيوية شريطة استغلال فرص الاستثمار.”
وأضاف في تصريح لـ“العرب”، “وجب البحث عن أسواق واستثمارات في علاقة بالمواد الأولية والشراكات المربحة مع عدة دول، مثل جنوب أفريقيا ونيجيريا، وخصوصا البلدان المنتجة للنفط والموارد الطبيعية، وهي أسواق استهلاكية بالأساس.”
وتابع ثابت “آسيا سوق هامة جدا، ولها احتياجات في مستوى التصنيع، وهي سوق مختلفة عن السوق الأفريقية، وتونس تحتاج إلى شراكة مع بلدان قريبة منها لكي نجوّد شروط اقتحام تلك الأسواق.”
ومنذ سنوات تتعالى الأصوات المنادية بالتقليص من التبعية للأسواق الأوروبية، وأيضا تركيا، والتوجه إلى فتح أسواق جديدة صاعدة كأفريقيا والصين.
وأفاد المحلل السياسي والخبير الأمني خليفة الشيباني بأنه “يجب تنويع الشراكات حسب المتغيرات الإقليمية، مع إعادة النظر في تعزيز تواجد تونس في أفريقيا، مع إعادة النظر في الأولويات، مع انتشار دبلوماسي جديد بإحداث عدد من السفارات في أفريقيا.”
وأكد في تصريح لـ“العرب”، “علينا أن نتواجد في جنوب القارة الأفريقية وغربها، مع حسن استغلال موقعنا الإستراتيجي، كما أن العمق الاقتصادي لتونس هو أفريقيا، ولدينا كل العوامل حتى نتواجد هناك، كما نحن في حاجة إلى السوق الآسيوية للخروج من الدبلوماسية الكلاسيكية (أوروبا والعالم العربي).”
وفي السنوات الماضية، سعت تونس إلى إطلاق مبادرات لمعالجة تأخرها في الانفتاح على أفريقيا بتقديم حوافز وتسهيلات للشركات، في ظل تنافس دولي شديد لانتزاع حصص في تلك الأسواق الواعدة مع الانطلاق الفعلي لمنطقة زليكاف.
وتبنت الحكومة التونسية إستراتيجية أكثر انفتاحا على أسواق القارة الأفريقية بعد دخولها السوق المشتركة لشرق وجنوب أفريقيا (كوميسا) التي تضم 480 مليون نسمة، من بينها خط بحري و13 خطا جويا مباشرا إلى وجهات مع القارة.
وتعتبر الكوميسا، التي انضمت إليها تونس صيف 2018، واحدة من أبرز الأسواق المشتركة التي تغطي 19 بلدا من دول شرق أفريقيا، وتنص الاتفاقية الإطارية على تحرير المنتوجات الزراعية والصناعية والخدمات بين الدول الأعضاء.
ويتيح انضمام تونس إلى هذا التكتل الاقتصادي تصدير منتجاتها في قطاعات كالصناعات الغذائية وصناعة الأدوية ومواد البناء والإنشاء والصناعات الميكانيكية والكهربائية.
وتتنافس الدول العظمى على الدخول إلى أفريقيا. وقد برز احتدام التسابق بشكل واضح بعدما أعلنت الصين عن إستراتيجية الطريق والحرير في عام 2013، وسط محاولات أوروبية وأميركية وروسية من أجل الحصول على حصة في هذه السوق الواعدة.