دروس التقوية في تونس عملية مربحة تستفيد من تراجع مستوى التعليم

تونس – باتت الأسر التونسية تتسابق من أجل المراهنة على دروس التقوية كحلّ لدعم فرص أبنائها في النجاح والاستعداد كأفضل ما يكون للامتحانات، لكن هذه الدروس أصبحت تثقل كاهل الأولياء ماديا في حين يلجأ إليها المدرسون كحل سهل لتحسين رواتبهم مستفيدين من ضعف الرقابة وعجز القرارات الحكومية عن منع الظاهرة التي يشتكي منها الجميع، لكنهم يُقبلون عليها.
وجدّدت وزارة التربية في بلاغ لها الثلاثاء التذكير بمنع تقديم المدرّسين العاملين بمختلف المؤسسات التربويّة العمومية، الابتدائية والإعدادية والثانوية، التابعة للوزارة دروس التقوية خارج فضاء المؤسسات التربوية العموميّة. وتسمى هذه الدروس في تونس دروسا خصوصية.
وتتكرر بيانات التحذير الصادرة من الوزارة مع بداية كل عام دراسي، لكن المدرسين والأولياء والتلاميذ يعرفون جميعا أن الوزارة لن تنفذ تهديدها، وهو ما يفسر توسع نشاط دروس التقوية بشكل علني وفي أماكن كثيرة، وصار المدرسون يضعون إعلانات في الأماكن العامة، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، وتزايدت أعداد من يقدمون الدروس على حسابات في فيسبوك، ودخلت على الخط المنصات الافتراضية.
وبات التلميذ الحلقة الأضعف، بين وليّ يحرص على تعليم يضمن لطفله المستقبل الأمثل، وأستاذ يريد تحسين وضعه المالي للمحافظة على مكانته في الطبقة الوسطى، ووزارة لم تعتمد حلّا جذريّا يقطع مع هذه الظاهرة نهائيا، فضلا عن أن مستوى التعليم يشهد تراجعا من سنة إلى أخرى.
وقال رئيس المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك لطفي الرياحي، في تصريح لإذاعة محلية، إنّ “كلفة التلميذ الواحد في المرحلة الابتدائية من دروس التقوية تتراوح بين 250 و300 دينار شهريا، طلية السنة الدراسية، وهي أرقام مكلفة جدا بالنسبة إلى الولي،” وفق دراسة أعدّتها المنظمة.
وأوضح أنّ “67 في المئة من تلاميذ الابتدائي (قرابة 1 مليون و576 تلميذا من بين 2 مليون و356 ألفا) يتلقون دروسا خصوصية في 3 مواد على الأقل والتي يقدّر أجرها بـ80 دينارا للمادة الواحدة،” لافتا إلى أنّ “51 في المئة من الدروس الخصوصية يقدّمها مدرس القسم ذاته.”
وقالت أستاذة التفكير الإسلامي باسمة المنوبي إن “مستوى التعليم تدنى كثيرا في تونس، ورؤية إصلاح القطاع تأخرت، ومن الغريب اليوم أن نجد تلميذا في الفصل الأول والثاني من التعليم الابتدائي تشمله دروس التقوية.”
وأكدت في تصريح لـ”العرب” أن “التلميذ لم يعد يستوعب ما يلقّن من معارف خلال الدرس، مع تأثير الهواتف الجوّالة ووسائل التواصل الاجتماعي، كما أن دروس التقوية أصبحت ظاهرة والكثير من التلاميذ اليوم يتغيّبون عن حصص الدروس الرسمية ويحضرون حصص التقوية لأنهم يدركون أنهم سيجدون المعلومة.”
وأضافت باسمة المنوبي أن “بعض المدرّسين يسرّبون المعلومات في حصص التقوية، وأحيانا يكون الامتحان قريبا جدا مما يقدّم أثناء تلك الحصص، كما أن التلميذ الآن يحتاج إلى إعادة المعلومة حتى يستوعبها.”
ويتراوح متوسط أسعار الدروس الخاصة بكل مادة من 100 دينار (حوالي 30 دولارا) إلى 200 دينار شهريا، ما يشكل عبئا على العائلات التي لديها العديد من الأطفال.
وأكد الخبير في علم النفس التربوي فريد الشويخي أن “المنظومة التعليمية برمتها ضعيفة، وهناك هاجس لدى الأولياء بضرورة أن ينال أبناؤهم أعدادا متميزة، وتحولت العملية إلى نوع من التباهي الاجتماعي، حتى أن الولي أصبح ينفق بأي طريقة ممكنة من أجل أن يتلقى ابنه دروس التقوية.”
وقال لـ”العرب” إن “هناك طرقا تعليمية للدعم والعلاج والتقييم تحدد مستوى التلميذ،” لافتا إلى أن “مسألة الربح المادي من تلك الدروس موجودة، حيث أن المدرّس اليوم يريد تحسين راتبه الشهري فيلجأ إلى ذلك كحل من الحلول، لكن دروس التقوية لن ترفع درجة التعليم ولن تحسن مستواه.”
ووفق أرقام رسمية يغادر ما بين 60 و100 ألف تلميذ سنويا مقاعد الدراسة وينقطعون نهائيا عن التعليم في مراحل مبكرة.
لكن متابعين يعتبرون أن عمليات إصلاح هذا القطاع الحيوي تستدعي شراكة واسعة بين مختلف المكونات المتداخلة في المجال، على غرار وزارة التربية والخبراء والبرلمان والنقابات، إلى جانب وضع آليات وبرامج مدروسة وواضحة، فضلا عن تنظيم حوار حقيقي حول المسألة يعالج مختلف الجوانب المتداخلة في العملية التربوية.