"من المسافة صفر".. قصص غير محكية وأكثر من فيلم

نتابع الحرب على قطاع غزة عبر شاشات الأخبار وفيديوهات وسائل التواصل الاجتماعي، ولكن ذلك لا يقدم صورة شاملة لحقيقة ما يحدث؛ فالحقائق تكمن في التأثير النفسي للحرب والقصص المخفية والزوايا المهملة والشخصيات المهمشة والحياة التي تدب بين الأنقاض وروائح الموت، وكل ذلك لا يمكن رصده إلا عبر الفن، وهذا ما يؤكده فيلم "من المسافة صفر".
أسس المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي صندوق المشهراوي للأفلام وصانعي الأفلام في غزة وأطلق مشروع "جراوند زيرو"، سعى في مشروعه الأول إلى منح مجموعة الفنانين النازحين داخليا -الناجين من الهجوم الإسرائيلي الذي يستمر منذ أكثر من عام وأدى إلى ظروف إنسانية مروعة ودمار وقتل جماعي وتجويع ومرض وصدمة لا يمكن إصلاحها لسكان غزة- فرصة عرض “لوحة للتعبير عن القصص الشخصية”.
قدمت المجموعة 22 فيلما قصيرا تتراوح مدته بين ثلاث وست دقائق. وتقدم منظورا فريدا للواقع الحالي في القطاع الذي بدأت إسرائيل قصفه بعد وقت قصير من الهجوم الذي شنته حماس في 7 أكتوبر العام الماضي. وقد سويت غزة بالأرض إلى حد كبير منذ ذلك الحين. ووفقا للسلطات هناك، توفي أكثر من 43 ألف فلسطيني مع نزوح ما يقرب من 2 مليون شخص. وعلى الرغم من ظروف التصوير القاسية يتألق المشهد الفني النابض بالحياة في غزة ويقدم الفيلم صورا حميمية وقوية للحياة اليومية، باستخدام مزيج من الأنواع بما فيها الوثائقي والرسوم المتحركة والسينما التجريبية، وتلتقط الأعمال الظروف المأساوية في القطاع الفلسطيني بما في ذلك التحديات والمآسي ولحظات الصمود.
قصص مذهلة
قدم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي الفيلم الوثائقي “من المسافة صفر” في مهرجان تاورمينا السينمائي. وتحدث عن فيلمه قائلا “ولدت وترعرعت في غزة، وصنعت العديد من الأفلام في غزة كمخرج ومنتج، وهذه المرة بعد أن رأيت كل ما يجري، قلت: لا، لن أصنع فيلما وبدلا من ذلك سأعطي الفرصة للمخرجين الفلسطينيين الموجودين في غزة الآن، مشاركة ما يجري مع الناس”.
هذه المبادرة أطلقها المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي لمنح الفنانين والمخرجين في غزة فرصة التعبير عن حياتهم اليومية من خلال أفلام قصيرة. ونشاهد الأفلام: ”خارج الإطار” إخراج نداء أبوحسنة، ”جنة جهنم” إخراج كريم صتم، ”سحر” إخراج بشار البلبيسي، ”الصحوة” إخراج مهدي كريرة،”جاد وناتالي” إخراج أوس البنا، ”لا” إخراج هناء عوض، “كل شيء على ما يرام” إخراج نضال دامو، ”تاكسي ونيسة” إخراج اعتماد وشاح، “24 ساعة” إخراج علاء دامو، ”سيلفي” إخراج ريما محمود.
كما نشاهد الأفلام: “لا إشارة” إخراج محمد الشريف، ”بشرة ناعمة” للمخرج خميس مشهراوي، ”فلاش باك” لإسلام الزريعي، ”شظايا” لباسل المقوصي، ”القرابين” إخراج مصطفى النبيه، ”يوم دراسي” لأحمد الدانف، “فرح ومريم” إخراج وسام موسى، “مثقلة بالأعباء” إخراج علاء أيوب، ”المعلم” إخراج تامر نجم، ”إعادة التدوير” إخراج رباب خميس، ”صدى” إخراج مصطفى، ”سينما آسفة” إخراج أحمد حسونة.
وكل هذه القصص هي جزء من الواقع. من خلال سرد القصص المذهلة مع الواقعية الرمزية والإبداعية، فإن شهادات هؤلاء المخرجين عن الحصار تحت القصف المستمر والمجاعة المفروضة تعرض كفاحهم اليومي من أجل البقاء.
في فيلم ”بشرة ناعمة” يدخل المخرج خميس مشهراوي ورشة عمل للرسوم المتحركة تعالج بالفن الأطفال الذين أصبح الكثير منهم أيتاما حديثا بعد أن فقدوا أهاليهم من جراء القصف الإسرائيلي لمدينة غزة. في فيلم المخرج نضال دامو ”كل شيء على ما يرام”، يستعد ممثل كوميدي ارتجالي لأداء بعض المشاهد في مكانه المفضل ليصل إلى أعقاب المجزرة الأخيرة. قصص مؤثرة تجمعها الأفلام التي تؤرخ لحياة الناس التي غالبا ما تتم مناقشتها في إشارة إلى الأرقام ومخيمات اللاجئين.
الفيلم يقدم صورا حميمية وقوية للحياة اليومية باستخدام مزيج من الأنواع كالوثائقي والرسوم المتحركة والسينما التجريبية
هذه المجموعة من الأفلام تعيد الرؤى والتجارب وشرائح الحياة التي عمل عليها صانعو أفلام شباب من غزة الصامدة التي أراد الصهاينة “إسكاتها وخنقها”، وصنعت هذه الأفلام في “ظروف صعبة للغاية”، وبوسائل محدودة للغاية وتحت “قيود وثقل حرب الإبادة الجماعية”، ولا تزال مستمرة ضد السكان المدنيين في غزة.
هذا التآزر الذي يمثل صمود الشعب الفلسطيني ولد بمبادرة من المخرج والمنتج الغزاوي رشيد مشهراوي بعد العدوان الهمجي على غزة، الذي انطلق في أكتوبر 2023، وساهم العديد من المخرجين والأفراد والمؤسسات الإقليمية والدولية في دعمه ورعايته، بعد ثمانية أشهر، لينتج عملا سينمائيا يمثل 22 شهادة على الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، التي يرتكبها الجيش الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني.
نجح المشهراوي وفريقه المكون من 22 مخرجا في تحقيق هذا الهدف. تختلف القصص المقدمة في الفيلم عبر مجموعة من المشاعر، تتراوح من المرونة والمأساة إلى الأمل وإيجاد الفرح في أماكن غير محتملة. كما أنها تتضمن عناصر غير متوقعة، بما في ذلك الرسوم المتحركة والدمى والحركة.
أفلام ضد اليأس
في فيلم “سينما آسفة” يقدم المخرج أحمد حسونة، وهو مخرج مخضرم في المجتمع الغزي، رسالة اعتذار لهذا الشكل الفني، قائلا إنه غير قادر على مواصلة العمل لأنه مضطر إلى ضمان بقاء عائلته على قيد الحياة. الفيلم هو تكريم مؤثر للسينما، بقدر ما هو منظور مؤثر لحياة المبدع وسط الحرب. في البداية لم يتمكن حسونة من العثور على ما يؤهله لإنتاج الفيلم الروائي الطويل، على الرغم من أن القيام بذلك سيمثل ظهوره الأول في جميع أنحاء العالم كمخرج.
وقال مشهراوي “لم تتح الفرصة لأحمد أبدا لعرض أفلامه في المهرجانات أو حتى مشاهدة أفلامه على الشاشة الكبيرة. عندما اقتربت منه بشأن المشروع، أخبرته أن هذه هي فرصتك الآن وأنني أضمن أنه سيتم عرضه في جميع أنحاء العالم. لكنه اعتذر لا لأنه لا يستطيع أن يعمل بعد أن فقد شقيقه قبل بضعة أيام. كما يعيش في شمال غزة، حيث لا تستطيع سيارات الإسعاف أو الدفاع المدني الوصول إليها. والطريقة الوحيدة التي يمكن أن تصل بها المواد الغذائية والطبية إليهم هي من خلال الإسقاط الجوي”.
في حين تؤكد المخرجة هناء عوض في وثيقتها السينمائية على جانب مختلف من الحياة المعيشية في الحرب والدمار، بل أرادت التركيز على الميل البشري إلى البحث عن النور في أحلك الظروف. في فيلمها القصير تقدم مجموعة من شباب غزة وهم يغنون أغاني المقاومة والأمل، ويقدمون خطا من الفرح في مشهد يشوبه الدمار. تسير المخرجة هناء عوض ومصوراها السينمائيان، أحمد الدنف ويوسف المشهراوي عبر أنقاض غزة في محاولة للعثور على لحظة سعيدة لالتقاطها. في النهاية وجدوا مجموعة من الشباب يغنون، وهي إشارة إلى الحياة وسط الدمار. إنه الفيلم الوحيد في المشروع الذي يتضمن أغنية.
هناك أعمال، مثل فيلم “إعادة التدوير”، تظهر كيف يتعين على الناس التعامل مع الموارد الشحيحة. تتمحور أحداث الفيلم الذي أخرجته رباب خميس حول أم تستخدم دلوا واحدا من الماء لترطيب أطفالها وتحميمهم، وتستغل الماء في تنظيف أرضيات منزلهم وغسل الملابس لبيان شحة المياه في زمن حصار غزة، وهناك صورة مأساوية لأطفال يحملون أسماء مكتوبة على أذرعهم أو أرجلهم للتعرف عليهم في حالة الإصابة أو الموت، يحفرون في الأنقاض لأحبائهم أثناء مناداة أسمائهم، وينامون على الخرسانة. الفيلم يحكي التجربة الصادمة لمراهقة صغيرة أمها كتبت اسمها على جسدها حتى تتعرف عليها إذا ماتت، هذا الفيلم يوصل إلينا ما أحست به هذه المراهقة التي تحكي الصدمة التي عاشتها بسبب تلك الكتابات، وأنها لم تتمكن من النوم ومحت الكتابات عن جسدها وعن جسد أخيها الصغير.
في فيلم ”جنة جهنم” من إخراج كريم صتوم يستيقظ رجل في كيس جثث في غزة. في البداية لم يكن متأكدا من كيف انتهى به المطاف في البلاستيك السميك المخصص للموتى. يفك سحاب نفسه من الحقيبة، ويبدأ في المشي وسط خيام اللاجئين الموضوعة مقابل المناظر الطبيعية المدمرة، محاولا سرد يومه السابق. كان نائما على الخرسانة العارية، يرتجف من البرد، كما يتذكر. كان قد ذهب إلى إحدى المنظمات التي عرضت غسيل الموتى ودفنهم مجانا. كان قد طلب حقيبة، وعندما رفضوا في البداية جادلهم قائلا “ألا أحصل على حقيبة إلا إذا استشهدت؟ قد أستفيد منها الآن”. في النهاية حصل على الحقيبة. كان البلاستيك السميك هو فترة الراحة الوحيدة له من البرد، وهو انتصار ضئيل في نزوحه في “جنته في الجحيم”.
أما الفيلم القصير “تاكسي ونيسة” لاعتماد وشاح فيتمحور حول سائق سيارة أجرة ينقل الناس والبضائع في جميع أنحاء غزة مع قافلة وبغل. في منتصف الطريق تتوقف اللقطات وتظهر المخرجة وشاح نفسها على الشاشة، قائلة إنها تعتذر عن إكمال المشروع، لأنه في اليوم الثالث من التصوير وقعت مأساة عندما قتل أحد أفراد عائلتها في غارة جوية. على سبيل المثال، فيلم قصير آخر جميل ويظهر أشخاصا يجمعون أطفالا ويعلمونهم الرسم وكيفية عمل رسوم متحركة. من خلال هذه الرسوم المتحركة الأطفال يروون لبعضهم البعض آلامهم وتخوفاتهم.
أشرف رشيد مشهراوي على المشروع فنيا وسينمائيا بمساعدة العديد من المهنيين. هذه الأفلام تعبر عن آمالهم وهمومهم في ظروف بالغة التحدي وغير مسبوقة. ومن ثم إعادة التأكيد على صمود سكان غزة وقدرتهم على خلق الحياة وحبها على الرغم من القتل والدمار والتهجير. ”للأسف، كان لدينا العديد من المشاريع التي لم تنجح”، قال مشهراوي مضيفا “لم تتمكن بعض القصص من تحقيق ذلك لأن لقطات المخرج وجهاز الكمبيوتر الخاص به وكل ما لديه قد تعرض للقصف. على سبيل المثال، كان هناك فيلم عن امرأة تذهب إلى المستشفى وهي على وشك الولادة. لكن لا يوجد مكان لها في المستشفى. المستشفى مليء بالموت ولا مكان لحياة جديدة”.
وأكد أن هذا المشروع أعاد الثقة بالنفس وروح المبادرة للمشاركين فيه، وساعدهم على التغلب على اليأس والإحباط، وغرس فيهم بعض الأمل والتفاؤل المفقودين.
مخرجون شباب من غزة اختاروا التعبير عن أنفسهم من خلال السينما، للتنديد بالإبادة الممنهجة للفلسطينيين في قطاع غزة وإظهار ذلك للعالم. وإذ يأخذ العالم شاهدا، فإن الفيلم الروائي “جراوند زيرو “يعيد الرؤى والتجارب وشرائح الحياة التي عمل عليها صانعو أفلام من الشباب، وحققوا إنجازا في تصوير قصص حقيقية عن صمود شعب.
السينما مهمة جدا بالنسبة إلى الفنان مشهرواي الذي بدأ صناعة السينما داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ أكثر من 30 عاما. ويعبر المخرج عن أهمية السينما قائلا “أحتاج إلى حماية السينما من الاحتلال الإسرائيلي ويجب ألا تكون السينما مجرد رد فعل، يجب أن تكون عملا إبداعيّا. أيها الفلسطينيون، نحن أمة ولدينا التاريخ واللغة والموسيقى والألوان والطعام: لدينا أشياء كثيرة تخصنا، كل هذه الأشياء يمكن أن تكون أرضية قوية لصنع السينما”.
القصص تقدم مجموعة من المشاعر تتراوح من المرونة والمأساة إلى الأمل وإيجاد الفرح في أماكن غير محتملة
كما أكد مشهراوي على أهمية السينما في حياته ودورها في تصوير التجربة الفلسطينية. مخرجون ومخرجات شابات “كانوا يقاتلون لحماية حياتهم وعائلاتهم والبحث عن الطعام والحطب لإشعال النار. والنتيجة هي سلسلة من الأفلام القصيرة بعنوان ‘جراوند زيرو’، تفضح همجية العدوان الصهيوني وتروي مآسي القصف الإسرائيلي لغزة والأزمة الإنسانية الناجمة عنه من وجهة نظر المدنيين في المنطقة”.
ولد مشهراوي ونشأ في غزة لعائلة من اللاجئين أصلهم من يافا. وعلى الرغم من أنه لم يدرس السينما رسميا، إلا أنه أثبت نفسه كواحد من أبرز صانعي الأفلام في فلسطين. منذ بداية حياته المهنية، كانت أفلامه سياسية للغاية: أخرج فيلمه القصير الأول “جواز السفر” في عام 1986، حول زوجين عالقين عند المعبر الحدودي بين إسرائيل والأردن لأن الزوج فقد جواز سفره. ويشتهر مشهراوي بالعمل المكثف داخل الأراضي المحتلة. بعد بضع سنوات من العيش في هولندا انتقل إلى رام الله، حيث شارك في إنتاج عشرات الأفلام، سواء الروائية أو الوثائقية.
ويقول مشهراوي “هذه الحرب غيرتني. أنا لست نفس الشخص. ليس لدي حقا وقت أضيعه في إثبات إنسانيتي للعالم الذي فشل في إثبات إنسانيته لي ولشعبي”.
22 فيلما قصيرا تشهد على القتل الجماعي والتجويع والمرض والصدمات والحزن والمعاناة والقصف لسكان غزة، ولكنها أيضا تشهد على النضال من أجل البقاء والقيام بذلك بكرامة وأمل. وردت الأفلام في أنماط مختلفة بما في ذلك الأفلام الوثائقية والهجين والدراما والرسوم المتحركة والمقالات والعلاج بالفن التجريبي. وسبق أن أعلنت وزارة الثقافة الفلسطينية عن ترشيح الفيلم الروائي الطويل “جراوند زيرو“، وهو مجموعة من الأفلام القصيرة التي تكشف العدوان الصهيوني الهمجي على قطاع غزة، لتمثيل فلسطين رسميا في حفل توزيع جوائز الأوسكار الـ97، الذي سيقام عام 2025 في الولايات المتحدة ضمن فئة “أفضل فيلم روائي دولي“. وكان من المتوقع في البداية أن يتم عرض المشروع في الدورة الـ77 من مهرجان كان السينمائي، ولكن تم سحبه بعد ذلك. ثم قاد مشهراوي عرضا احتجاجيا في المنتجع الفرنسي دون دعم رسمي من مهرجان كان.
ظروف إنتاج صعبة
يقول مشهراوي إن صانعي الأفلام الذين شاركوا في المشروع علموا بعضهم البعض تقنيات التكيف مع الوضع. وفي معظم الأفلام يمكن سماع الصوت المروع للطائرات دون طيار والطائرات. بالنسبة إلى التعليقات الصوتية يقترح مشهراوي أن يعزل صانعو الأفلام أنفسهم في سيارة، ويغلقوا النافذة لتسجيل الصوت بأكبر قدر ممكن من النظافة. كما أن الظروف التي يمر بها المخرجون والمخرجات الأبطال هي الأخرى مأساوية. كانت فترة صعبة للغاية.
وحسب قول مشهراوي “كان على عدد كبير من صانعي الأفلام الانتقال من مكان إلى آخر خلال مشاريعهم. فعلى سبيل المثال، قصفت منازل بعضهم، واضطروا إلى العيش في خيمة. وفقد آخرون نصف أسرهم ومع ذلك استمروا في المشروع. صنع الفيلم كان كابوسا لوجستيا، وكذلك الحصول على لقطات من غزة. كانت إحدى مشاكلنا الرئيسية هي إخراج المواد من غزة وأيضا الاتصال طوال الوقت مع صانعي الأفلام. حتى لو تحدثنا عبر الإنترنت، من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، مثل فيسبوك وواتساب، كل هذه الأشياء، ولكن بمجرد عدم وجود كهرباء لشحن هاتفك المحمول لن يكون لديك شيء”.
وبيّن أن دمج 22 فيلما في عمل واحد كان تحديا كبيرا بالنسبة إلى الإخراج. أحد الأفلام القصيرة يحمل عنوان “آسف السينما”، يتحدث على وجه التحديد عن حدود إنشاء السينما في مثل هذه الظروف الصعبة. وواصل المخرج “هذا أحد الأفلام التي تربطني بها علاقة خاصة، لأنك تقضي حياتك في التفكير في أن السينما هي أولويتك في الحياة. وفجأة، لا، ليس كذلك. تحتاج إلى تناول الطعام. أنقذ عائلتك. البشر أهم من السينما”.
مخرجون شباب من غزة اختاروا التعبير عن أنفسهم من خلال السينما، للتنديد بالإبادة الممنهجة للفلسطينيين في قطاع غزة
ويضيف المخرج مشهراوي ”نحن نصنع أفلاما لجعل الحياة أفضل، لجعل الحياة أسهل، لجعلها أكثر فهما. لجعل البشر يشعرون بتحسن. يصف هذا الفيلم هذا العنصر بشكل جيد للغاية لأن المخرج في وضع يحتاج فيه إلى الاختيار بين الحياة والسينما، وقد اختار الحياة”.
غزة “من المسافة الصفر”، قصص غير محكية، هو أكثر من فيلم، هو عمل للذاكرة وللمقاومة الثقافية، وإقرار قوي بالإبداع الإنساني في مواجهة المحن. يوثق صانعو هذه الأفلام بلا تردد اليأس في هذه الأوقات، كما هو الحال في فيلم “المعلم” إخراج تامر نجم، عندما تخرج الشخصية الرئيسية لهذا اليوم فقط، لتكتشف أنها لا تستطيع شحن هاتفها وتحتاج إلى شيء تأكله، ولكن طابور الخبز طويل جدا. في بعض الأحيان، تتميز بعض الأفلام القصيرة بالفكاهة والرقص، وهي شهادة على روح الناجين الذين يتحدون الموت بالضحك ومعانقة أحبائهم في يوم آخر. “من المسافة صفر” هي وجهة نظر مؤثرة للخسارة على أرض الواقع ووجع القلب.
في الختام: يقول الشاعر الفلسطيني مروان مخول “لكي أكتب شعرا غير سياسي، يجب أن أستمع إلى الطيور/ ولكي أسمع الطيور/ يجب أن يصمت ضجيج الطائرات الحربية”. كان أحد الخيوط المشتركة في كل فيلم تقريبا هو الصوت المستمر للطائرات والطائرات دون طيار، ويذكرنا بالقصيدة أعلاه. تشعرك بالدمار وأنت تشاهد قصص هذه الأفلام القصيرة التي تبين الحياة في غزة ومشاغل أهل غزة، صمودهم وأحلامهم ومستقبلهم الذي تحطم، لكن أيضا إرادتهم الشرسة في البقاء في ديارهم.
يقدم هذا الفيلم الدرامي تنوعا غنيا من القصص التي تعكس الحزن والفرح والأمل المتأصل في حياة غزة. على الرغم من ظروف التصوير القاسية، يتألق المشهد الفني النابض بالحياة في غزة من خلال هذه المجموعة، ويقدم صورة حميمية وقوية للحياة اليومية والروح الدائمة لشعبها.
“من المسافة صفر” هو إنجاز مذهل من الصمود وشهادة على المثابرة التي لا تموت لسكان غزة. يقدم كل فيلم منظورا فريدا للواقع الحالي في غزة. ويجسد المشروع تجارب الحياة المتنوعة في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك التحديات والمآسي ولحظات الصمود التي يواجهها شعبه. ويعرض فيلم “من الأرض صفر” نسيجا غنيا من القصص التي تعكس الحزن والفرح والأمل المتأصل في حياة غزة.