"ضع روحك على يدك وامش".. وثائقي عن صمود غزة يتحول إلى مرثية

تحاول الأفلام الوثائقية تقديم حقيقة ما يحدث في غزة من إبادة جماعية والتقاط صمود سكان القطاع ويومياتهم، ورغم كل المحاولات لتقديم الحقيقة فإن لواقع الغزيين تقلباته، من ذلك ما حدث لبطلة الفيلم وثائقي "ضع روحك على يدك وامش"، التي قتلت قبل أيام من عرض فيلمها في مهرجان كان، فتحول الفيلم من قضية صمود إلى مرثية وحداد.
أحد أكثر الأفلام التي تم الحديث عنها في مهرجان كان السينمائي لهذا العام هو فيلم “ضع روحك على يدك وامش”، وهو فيلم وثائقي للمخرجة الإيرانية سبيدة فارسي، قُدِّم ضمن عروض “جمعية السينما المستقلة”، وتصاعدت المشاعر عند عرض الفيلم عن المصورة الصحافية فاطمة حسونة التي قتلت في غزة.
“ضع روحك على يدك وامش”، فيلم وثائقي مهم يخلد الشابة التي وثقت الحياة اليومية في القطاع الفلسطيني، ما يعطي صوتا للفلسطينيين في قلب مهرجان كان السينمائي.
رحلت وبقي صوتها
في الساعة الثامنة مساء في قاعة سينما أولمبيا في كان، يوم الخميس 15 مايو، نهض الجمهور بشكل متزامن لتكريم المصورة الصحافية في غزة فاطمة حسونة. ففي 16 أبريل، عن عمر يناهز 25 عاما، قتلت حسونة في غارة جوية مع 10 من أفراد عائلتها. الصحافية الشابة ذات الابتسامة المشرقة، وجهها اللطيف محاط بالحجاب.
في قلب الفيلم الوثائقي لسبيدة فارسي، نتابع من خلال سلسلة من مكالمات الفيديو الحياة في غزة تحت النار، ومن خلال عيون المصورة الصحافية الشابة فاطمة حسونة، في حين أن الفيلم ولد من إحباط للمخرجة والمؤلفة لعدم قدرتها على الذهاب إلى هناك بعد منعها من قوات الاحتلال. في ربيع عام 2024، كانت فارسي في القاهرة، في محاولة للوصول إلى غزة عبر رفح، مدفوعة برغبتها في جعل العالم يرى بطريقة مّا ما يجري في الشريط الصغير من الأرض المحاصرة.
تبدأ المخرجة محادثة طويلة الأمد مع امرأة شابة تعيش في غزة، هي فاطمة حسونة. بعد ستة أشهر من الرعب الذي أطلقته إسرائيل على القطاع الفلسطيني المحاصر، وتظهر من خلال هذه الشابة روح التحدي للشعب الفلسطيني الذي يمر بهذا الجحيم. “ليس لدينا ما نخسره”، هذا هو تفسير حسونة البسيط. ليس لديها نية لمغادرة غزة، وتعتقد أن العالم يجب أن يرى صورها لفهم ما يحدث. كما أنها تريد توثيقها لأطفالها، حتى تتمكن من إظهار ما نجت منه. وفُاتها هي تذكير كئيب بأن الآمال والأحلام تتحطم أيضا في غزة، وليس فقط المباني، بل آمال الشباب وأحلامهم في حياة أفضل وحياة أكثر أمانا والسفر إلى الخارج، كانت الشابة حسونة تتمنى رؤية روما، وتعرب عن رغبتها في الذهاب إلى مدينة ملاه.
باستخدام فيديوهات غير مُفلترة وروايات مباشرة يجسد الفيلم الواقع اليومي لصراع البقاء بعيون شابة صحافية حالمة
نظرا إلى القيود المفروضة على جانبي كاميرا الهاتف، تضطر المخرجة إلى تصوير هاتفها بهاتف آخر أثناء المحادثات من أجل أبراز وجه فاطمة حسونة. تكشف فارسي محادثاتهما من خلال فواصل تظهر فيها صور حسونة الدمار وإراقة الدماء التي سببها الجيش الإسرائيلي، بالإضافة إلى مقتطفات من التقارير الإخبارية التي تسمح للمشاهد بتتبع تقدم الإبادة الجماعية من خلال اللحظات الحاسمة في فترة الأشهر العشرة التي يغطيها الفيلم. من وقف إطلاق النار الفاشل إلى عرقلة إسرائيل للمساعدات الإنسانية، ومع ذلك، فإن الجزء الأكبر من الفيلم هو حديث الصحافية فاطمة عن صعوبة الحياة في غزة المحاصرة.
تضيف وفاة الصحافية فاطمة حسونة إلى الفيلم عاطفة مفجعة وبعدا إنسانيا في فضح تعسف الاحتلال وقسوته، حولت المخرج سبيدة فارسي موضوع فيلمها إلى تشريح جثة: تشريح وسائل الإعلام وإخفاقاتهم وأهمية استخدامهم كأداة إدانة على الإبادة الجماعية الجارية. قتلت فاطمة حسونة وأقاربها، لكن صوتها ترك صداه في مهرجان كان، بفضل هذا الفيلم الذي عرض بالتوازي مع المهرجان.
أضيف اسم فاطمة حسونة إلى قائمة من حوالي 200 صحافي قتلوا منذ بدء الهجوم البري الإسرائيلي، ردا على هجمات حماس في 7 أكتوبر 2023. منذ ذلك التاريخ، كانت حسونة توثق الحياة اليومية لسكان القطاع، التي تمنع إسرائيل الصحافيين الأجانب من الوصول إليه.
“لا أعرف كيف أصف الأشخاص الذين يعطون مثل هذه الأوامر، للقضاء على امرأة شابة تلتقط الصور فقط. هل هذه الصور مزعجة حقا؟ أعتقد ذلك،” قالت المخرجة سبيدة فارسي. طوال فترة المهرجان، تم عرض صور حسونة في فندق ماجستيك، في كرواسيت، وكذلك في الجناح الفلسطيني في القرية الدولية.
قالت فاطمة “أريد موتا صاخبا ومذهلا، لا أريد أن أكون مجرد رقم في الصفحة الأخيرة من الصحيفة. ستلتقي بها، إنها رائعة،” أضافت فارسي قبل عرض فيلمها. على مدار عام، صورت المخرجة محادثاتها مع فاطمة، التي لم تر شيئا آخر غير غزة. يروي الفيلم قصة الصداقة بين المرأتين اللتين تبادلتا الأخبار وتحدثتا عبر مكالمات الفيديو. لا بد أن المخرجة (فارسي) كانت تخشى دائما على حياة صديقتها، وتبتعد عن احتمال موتها، تؤمن بالمعجزات، بينما تشعر أن فيلم الصداقة هذا سيصبح أيضا شاهد قبر سينمائي.
تحدثت المخرجة قائلة إن “فيلم ‘ضع روحك على يدك وامش‘ هو ردّي كمخرجة على المذابح المستمرة بحق الفلسطينيين. حدثت معجزة عندما وجدت فاطمة حسونة، قدمها لي صديق فلسطيني. منذ ذلك الحين، أعطتني عينيها لرؤية غزة حيث قاومت من خلال توثيق الحرب، وأصبحت حلقة وصل بينها وبين بقية العالم، من ‘سجن غزة‘ كما أسمته. حافظنا على شريان الحياة هذا لأكثر من 200 يوم. أصبحت أجزاء الصور من خلال جهاز الآيفون والأحاديث التي تبادلناها هي الفيلم الذي تراه.”
نافذة على الوجع
قبل قتلها، كان كل شيء قد أخذ بالفعل من فاطمة، “الأشياء الكبيرة والصغيرة”. الطعام، لحظات خالية من الهموم، المستقبل. مثل جميع سكان غزة، فقدت العشرات من أحبائها، الذين قتلوا تحت قصف الجيش الإسرائيلي. ومع ذلك بقيت قادرة على الابتسام. هذه سمة مشتركة للأفلام الوثائقية العظيمة عن السكان الذين مزّقتهم الحرب والموت والدمار، إنها أيضا أفلام رائعة عن الحياة.
الفيلم استكشاف مؤثر للحياة في غزة تحت الحصار، يتمحور حول محادثات فيديو بين فارسي وفاطمة حسونة، التي قتلها صاروخ أصاب منزلها، بعد يوم واحد فقط من إعلان عرض الفيلم في مهرجان كان.
باستخدام فيديوهات غير مُفلترة وروايات مباشرة، يُجسّد فيلم “ضع روحك على يدك وامشِ” الواقعَ اليوميَّ لصراع البقاء من خلال عيون أولئك الذين عاشوا حربا مُستمرة، كما يُصوّرها صُنّاع الفيلم. وفارسي معروفة بأفلامها “حورية البحر” (مهرجان برلين السينمائي الدولي)، عن الحرب العراقية – الإيرانية، و”الوردة الحمراء” (مهرجان تورنتو السينمائي الدولي)، و”طهران بلا إذن” (مهرجان لوكارنو السينمائي الدولي). وقالت عن فكرة مشروع الفيلم الوثائقي “انبثق الفيلم من حاجة ملحة لفهم كيفية تعامل الأفراد مع الحياة في غزة. كان اكتشاف فاطمة بمثابة معجزة، ما أدى إلى رابط عميق خلال عام من الحوار. برزت شجاعتها وإنسانيتها في كل حوار تترك أثرا.”
وأضافت فارسي “يُكرّم هذا الفيلم فاطمة وجميع المدنيين الذين يعانون من الحرب، لكنهم متمسّكون بطموحاتهم. ‘ضع روحك على يدك وامش‘ يسرد مأساة شعب من خلال قصة شابة تعيش، تكتب القصائد وتحلم بالسفر. من هذه النافذة الصغيرة المنقطة، التي ترمز إلى السجن الذي تجد نفسها فيه، تروي فاطمة قصتها، وتلفت انتباهنا إلى أدنى شيء يدخل الإطار: الحجاب الملون المختلف الذي يؤطر ويضيء وجهها بطرق مختلفة، الابتسامة الخجولة لأخ أصغر (قتل أيضا)، الدخان المتصاعد من مبنى مقصوف. التواصل معلق أيضا بخيط، يخضع لتقلبات الاتصال بالإنترنت في غزة.”
وتابعت المخرجة “في الكثير من الأحيان، يتجمد وجه فاطمة ويختفي الصوت أو الإشارة. فاطمة هي حضور مشع تقاوم الاكتئاب بسبب الفترة الزمنية للفيلم الوثائقي من أبريل 2024 إلى أبريل 2025. لقد مر عام أصبح فيه الحصول على الطعام أصعب وأصعب وصوت القنابل وطائرات الهليكوبتر أباتشي هو موسيقى تصويرية يومية.” يضيء ضوء داخل فاطمة حيث تخبرها المخرجة أنها ستأتي إلى كان وسوف تحضر عرض فيلمها في المهرجان.
هذا الفيلم الوثائقي ضروري بقدر ما هو مؤثر. قالت فاطمة “لقد اعتدنا على ذلك ولكننا لسنا معتادين عليه، لأننا لا نستطيع أن نعتاد على القتل أو القصف أو هذه المعاناة.” في بداية محادثاتهما، تشع فاطمة بابتسامة بيضاء عريضة حتى وهي تروي الموت والدمار الذي شهدته. إنها فخورة بكونها فلسطينية في غزة. تتطرق المحادثات إلى التفاصيل الجزئية للعيش في مكان مدمر تحت القصف اليومي. في بعض الأحيان تذهب فاطمة إلى الشرفة لتظهر لصديقتها بالمراسلة المنظر، وقربها من هذا الدمار يعيد إحياء رعبها من جديد. لديها سجل على الواتساب، لوفيات الأسرة، كل منها مصحوب بصورة توصف للظروف. هناك العديد من صور الأطفال. وجدوا رأس زوجة عمها في الشارع. كما قالت، فاطمة معتادة على استشهاد أحبائها وغير معتادة عليه.
الفيلم يقدم للمشاهدين نافذة على منطقة مقفرة في شمال قطاع غزة، من دون الإصرار على الأبعاد السياسية للصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، تختار المخرجة سبيدة فارسي تضخيم صوت مواطنة فلسطينية تنقل إليها، يوما بعد يوم، أصداء الحياة اليومية تحت القنابل. ما كان من المفترض في البداية أن يكون صورة ترتكز على البقاء على قيد الحياة، بعد الاختفاء المفاجئ لمحاورها الرئيسي، فاطمة حسونة، تحول إلى فيلم يطارده الغياب والحداد.
عين غزة
من خلال صوت فاطمة ونظرتها، تقدم لنا المخرجة هذه الصحافية وحياتها وحياة أهلها في شمال غزة. هذه المنطقة الضيقة التي تبلغ مساحتها 365 كيلومترا مربعا، حكم على سكانها بالعيش والموت تحت الأنقاض. فاطمة لم تغادر قطاع غزة قط، ومع ذلك فهي تحلم بالتعلم والسفر إلى الخارج. ونظرا إلى حرمانها من كل شيء باستثناء حريتها في المراقبة، أصبحت فاطمة “عين غزة”، حيث يحظر على الصحافيين الأجانب دخول البلاد. من خلال كاميراتها، تلتقط الأنقاض والغياب والوجوه والصمت.
في 16 أبريل 2025، بعد يوم من الإعلان عن برمجة الفيلم في مهرجان كان، قتلت فاطمة حسونة وأفراد عائلتها في قصف إسرائيلي. لن يعقد الاجتماع المخطط له في كان بين المخرجة و”بطلتها”. يصبح الفيلم وصية هذه الشابة، ورسالة مفتوحة إلى السلام، وأغنية للحياة، فيلم حداد، لكن تسكنه كرامة أولئك الذين حاولوا، حتى النهاية، إبقاء أرواحهم في أيديهم وهم يسيرون نحو مستقبل أفضل. “لديّ أمل في أن أعيش الحياة التي أريدها. يجب أن أستمر في التوثيق، حتى أتمكن من إخبار أطفالي بما مررت به وما نجوت منه،” بكلمات الأمل والصمود هذه، ينتهي الفيلم الوثائقي.
الفيلم الذي تبلغ مدته 110 دقائق، والذي أنتجته فلسطين وفرنسا وإيران، هو ثمرة تعاون دام قرابة عام بين المخرجة الفرنسية – الإيرانية والمصور الصحافية الفلسطينية فاطمة حسونة. من خلال التبادلات عبر الزووم وإرسال الصور التي تم تصويرها في غزة، عرضت فاطمة وجهة نظرها حول الصراع، وأعطت صوتا لسكان غزة، ضحايا العدوان الإسرائيلي العنيف. وكشفت المخرجة الإيرانية “هذا الفيلم هو نافذة، تفتحها معجزة لقاء مع فاطمة سمحت لي برؤية شظايا من المجزرة المستمرة بحق الفلسطينيين. أصبحت فاطمة عيني في غزة، وأصبحت حلقة وصل بيني وبين العالم الخارجي. حافظنا على شريان الحياة هذا لمدة عام تقريبا. أصبحت الصور والأحاديث المتبادلة بيننا هي الفيلم الموجود هنا.”
كانت سبيدة فارسي تأمل في وجود فاطمة في كان وبدأت الإجراءات الإدارية اللازمة للسماح للبطلة لحضور عرض الفيلم في مايو، لكن آلة القتل الإسرائيلية اختطفت روحها. وأثار مقتل الصحافية مشاعر الفنانين المشاركين في مهرجان كان ما جعل، بيدرو باسكال وجولييت بينوش يضيفان اسميهما إلى رسالة مهرجان كان التي تدين “الإبادة الجماعية” في غزة، وقّع المزيد من النجوم والمبدعين على الرسالة حول مقتل بطلة الفيلم الوثائقي. وكان من بين الموقعين بيدرو ألمودوفار، وروبن أوستلوند، وجاي بيرس، ورالف فينيس، وميليسا باريرا، ويورغوس لانثيموس، وسوزان ساراندون، وألفونسو كوارون، وديفيد كروننبرغ. وشجبوا الإبادة الجماعية في غزة “لا يمكننا أن نبقى صامتين أثناء حدوث الإبادة الجماعية في غزة،” كما جاء في الرسالة التي بدأها العديد من المجموعات الناشطة المؤيدة للفلسطينيين ونشرت في صحيفة “ليبراسيون” الفرنسية ومجموعة متنوعة من المجلات الأميركية.
بينما ظهرت على السجادة الحمراء دبابيس بألوان العلم الفلسطيني. رئيسة لجنة تحكيم المهرجان، الفرنسية جولييت بينوش، بدورها لم تخفِ تأثرها، وقالت في الكلمة الافتتاحية “كان ينبغي أن تكون بيننا هذا المساء. الفن يبقى شهادة قوية على حياتنا وأحلامنا؛ ونحن، الجمهور، نحتضنه،” وبينما تتحدث، كانت صورة فاطمة تلمع على الشاشة، لا باعتبارها ضحية، بل شاهدة على الحقيقة، وشهيدة الصورة، فاطمة التي لم يتجاوز عمرها الخامسة والعشرين، كانت توثق الحياة في غزة بعدستها لصالح وسائل دولية كـ”الغارديان” و”موندوويس”، وتستعد لزفافها بعد أسبوع من رحيلها. قُتلت مع عشرة من أفراد عائلتها، بينهم شقيقتها الحامل، في مشهد يلخص ببشاعة حجم الثمن الذي يدفعه الصحافيون الفلسطينيون لنقل الحقيقة من قلب الجحيم.
بيان مهرجان كان، الذي نادرا ما يدخل السياسة، جاء استثناء حزينا، أعرب فيه عن “الحزن العميق” لفقدان فاطمة، معتبرا الفيلم الذي خُلّد فيه اسمها “تحية فنية لضحايا العنف في المنطقة،” ورسالة لا تقل تأثيرا عن أيّ جائزة.
الفيلم يقدم للمشاهدين نافذة على منطقة مقفرة في شمال قطاع غزة، من دون الإصرار على الأبعاد السياسية للصراع
قبل بدء الفيلم، صعدت المخرجة سبيدة فارسي إلى المسرح. قاومت الدموع وهي تقدم الفيلم. طوال فترة العرض، اندلع بكاء عال في جميع أنحاء الغرفة. وبعد الانتهاء من عرض الفيلم، وقف الجميع في الصالة وصفقوا للمخرجة السينمائية التي رفعت صورة كبيرة لفاطمة وهي ترفع قبضتها في تحد للاحتلال الإسرائيلي. لقد كان بلا شك أكثر العروض المشحونة عاطفيا التي شهدتها في مهرجان كان.
ومن الجدير بالذكر، عندما تم الإعلان عن وفاتها، أشادت المخرجة بذكرى الشابة في بيان قالت فيه “كانت ابتسامتها سحرية مثل مثابرتها: الشهادة، وتصوير غزة، وتوزيع الطعام على الرغم من القنابل والحداد والجوع. لقد وصلت قصتها إلينا، لقد ابتهجنا بكل ظهور لها لنعرفها على قيد الحياة، وكنا نخشى عليها. بالأمس علمنا برعب أن صاروخا إسرائيليا استهدف منزلها وقتل فاطمة وأفراد عائلتها.”
وتخلص إلى القول “لم يعد الفيلم نفسه الذي سنحمله وندعمه ونقدمه في جميع المسارح، بدءا من مهرجان كان. يجب علينا جميعا، صانعي الأفلام والمتفرجين، أن نكون جديرين بنوره.”
هذه المأساة هي جزء من سياق مميت بشكل خاص للصحافة. ووفقا لأحدث الأرقام الصادرة عن منظمة مراسلون بلا حدود ونقابة الصحافيين الفلسطينيين، فقد قتل ما يقرب من 200 صحافي في غزة منذ بداية النزاع. كانت فاطمة حسونة قد نجت بالفعل في 13 يناير 2024 من قصف قتل فيه 12 فردا من عائلتها.
وختمت سبيدة فارسي قائلة “لقد قالت فاطمة حسونة مرارا وتكرارا إنها توثق هذه الحرب والحياة في غزة، لتنقلها إلى الآخرين وإلى الأطفال الذين أرادت إنجابهم.” وأضافت “كنتُ أرى ذلك رائعا، لكنها للأسف لن تنجب أي أطفال.”
وقد عُرض فيلم “ضع روحك على كفك وامش” في مهرجان كان، تكريما لبطلته الراحلة فاطمة حسونة، التي ارتقت قبل أيام من احتفالها بزفافها، وكانت قد كتبت قبل استشهادها “أريد موتا يسمعه العالم، وأثرا يبقى عبر الزمن، وصورة خالدة لا يمحو أثرها الزمان ولا المكان.” وقد أحدث مقتلها صدمة في عالم السينما. لقد نجح الفيلم في ما سعت إليه الشهيدة فاطمة في حياتها: أن تُرى غزة كما هي، أن تُسمع أصوات ساكنيها دون فلاتر سياسية، وأن تُحفظ الحقيقة من التشويه.
كانت لدى فاطمة حسونة آمال متواضعة، لم يتحقق سوى واحد منها. طلبت “موتا صاخبا”، موتا من شأنه أن يوقظ العالم من سباته. منذ هذا الحدث المأساوي، استمر صوتها في النمو.
في الختام “ضع روحك على يدك وامش” ليس مجرد فيلم. إنه مرثية واحتجاج وسجل للمقاومة. إنه يخلد صوتا حاول أن يجعل العالم يرى، حتى عندما نظر هذا العالم بعيدا. من خلال عدسة المخرجة ( فارسي)، يتبقى لنا أكثر من مجرد ذكرى لفاطمة حسونة. لقد تركنا مع التزام. للشهادة. لنتذكر مقاومة شعب لا يهزم.