دعوات في تونس إلى الملاءمة بين المناهج التعليمية وحاجيات سوق الشغل

وزير التشغيل يؤكد على تجديد الرؤية المتعلقة بهندسة التأهيل في مجال التعليم.
الجمعة 2024/11/08
توجيه جامعي غير مدروس في علاقة بالتشغيل

تونس - تسعى الحكومة التونسية إلى سدّ الفجوة بين الأعداد الكبيرة لخرّيجي الجامعات وتراجع الإقبال على التأهيل المهني من جهة، ومتطلبات سوق الشغل وما تحتاجه البلاد من جهة أخرى، من خلال تجسيد رؤية جديدة تنهض بالتأهيل.

وبدا واضحا بعد 2011، وجود انخرام في المعادلة بين التأهيل التربوي وميولات المتعلمين واهتماماتهم المستقبلية وبين احتياجات السوق التي لم تخضع لدراسات منذ البداية تأخذ بعين الاعتبار كل تلك المعطيات لتفادي تنامي ظاهرة البطالة في البلاد.

وتقول أوساط تربوية، إنه تمت التضحية بقطاع التدريب المهني، وسط دعوات لضرورة توجيه أكثر من نصف خريجي الجامعات نحو الميدان التقني الذي تحتاجه البلاد، مع الحرص على وضع التلميذ التونسي في مسار مهني في سنّ مبكّرة.

ناجي جلول: يجب وضع التلميذ في مسار مهني منذ بلوغه 12 سنة
ناجي جلول: يجب وضع التلميذ في مسار مهني منذ بلوغه 12 سنة

وأكد وزير التشغيل والتدريب المهني، رياض شوّد، الأربعاء، أنّ “قطاع التدريب المهني يواجه تحديات إستراتيجية جوهرية، مما يتطلب تجديد الرؤية في ضبط المنهجيات المتعلقة بهندسة التأهيل والتجديد التعليمي بما يتناسب وانتظارات القطاع عموما”.

وشدّد، خلال زيارة أدّاها إلى المركز الوطني لتأهيل المتدرّبين وهندسة التأهيل للاطلاع على ظروف العمل، على “ضرورة تطوير وتجديد المقاربات والمناهج التعليمية والتربوية بمؤسسات التأهيل المهني وتطوير مقاربات التقييم والتصويب”.

ولفت الوزير إلى “ضرورة إيلاء المتدرّب والمكوّن الأولوية الفضلى في مختلف المعالجات والمقاربات، باعتبارهما محور العمليات التكوينية”، موصيا بمزيد “تعزيز علاقات التعاون وتبادل الخبرات مع الهياكل النظيرة على المستويين الوطني والدولي وتحيين برامج التأهيل المهني ومرافقة عمليات تركيزها بمؤسسات التدريب المهني”.

ودعا إلى “إنتاج الوسائل التربوية والتعليمية المرافقة للمقاربات والمنهجيات الجديدة وتطوير مخطّطات التأهيل التعليمي والتقني والوظيفي الرامية لتدريب ورسكلة إطارات التدريب المهني مع الحرص على تنفيذها وتقييمها وتطوير عمليات البحث في ميدان هندسة التأهيل والتجديد التربوي ودعم مؤسسات التأهيل المهني لتركيز نماذج جديدة للتنظيم التعليمي”.

ويرى مراقبون أنه، فضلا عن فشل الحكومات المتعاقبة في إرساء منوال تنموي واقتصادي ووضع إستراتيجيات لمعالجة الأزمات ومحاربة الفقر والبطالة، فإنها لم تنجح أيضا في إيقاف نزيف خريجي الجامعات أمام محدودية فرص العمل في سوق الشغل.

وأكد ناجي جلول، الناشط السياسي ووزير التربية الأسبق أن “الجامعة التونسية تعطي علما وثقافة، وليست مؤسسة مشغّلة، وجدنا أنفسنا اليوم نضحي بمنظومة التأهيل المهني”.

أرقام المعهد الوطني للإحصاء تؤكد أن نسبة البطالة خلال الثلاثي الثاني للسنة الجارية بلغ 16 في المئة

وأضاف في تصريح لـ”العرب”، “لا بدّ من توجيه 60 في المئة من المتعلمين إلى الجانب التقني و20 في المئة على الأقل إلى الجامعة، لكنه تم في السنوات الأخيرة تحويل أدفاق كبيرة من التلاميذ إلى الجامعة وبتأهيل غير صلب”.

ولفت ناجي جلول إلى أن “سوق الشغل في تونس لا يستقطب خريجي الجامعات، ونحن بلد نستورد كل شيء تقريبا واقتصادنا غير قادر على استيعاب تلك الأعداد الكبيرة كما أن ميزانية البحث العلمي مضحكة”.

وأشار وزير التربية الأسبق على أن “ولايات الشمال الغربي تفتقر إلى مؤسسات صناعية، وبالتالي وجب إلحاق وزارتي التدريب المهني والتعليم العالي بوزارة التربية، مع ضرورة وضع التلميذ في مسار مهني منذ بلوغه 12 سنة”.

وتؤكد أرقام المعهد الوطني للإحصاء في تونس أن نسبة البطالة خلال الثلاثي الثاني للسنة الجارية بلغ 16 في المئة.

وتواجه مختلف الأنشطة الاقتصادية صعوبات كبيرة، فضلا عن عجز السلطات منذ أكثر من عشر سنوات عن توفير فرص العمل، بينما كان الشغل على رأس المطالب التي رفعتها ثورة يناير 2011.

وقال الكاتب والمحلل السياسي باسل الترجمان “يجب أن يتمّ إلغاء فكرة أن التأهيل المهني ملاذ للفاشلين من الطلاب في دراستهم، ولا بدّ من تغيير منهجي في طرق التشغيل أمام العدد الكبير من طالبي الشغل”.

باسل الترجمان: لابدّ من إلغاء فكرة أن التأهيل المهني ملاذ للفاشلين
باسل الترجمان: لا بدّ من إلغاء فكرة أن التأهيل المهني ملاذ للفاشلين

وأوضح في تصريح لـ”العرب”، “هنالك عدد مهول جدا من خرّيجي الجامعات، وهناك كليات تنتج آلاف الطلاّب ولا تقدم لهم فرص عمل، وبالتالي وجب تركيز جامعات متخصصة في التشغيل وكليات تعطي فرصة من أجل تحقيق حلم الشباب”.

ودعا باسل الترجمان إلى “ضرورة إنشاء منوال تنموي واقتصادي جديد لأن المنوال السابق الذي تمّ تقديمه منذ سنة 1956 فشل في توفير مناخ تشغيلي يلائم بين خريجي الجامعات ومتطلبات السوق، فضلا عن ضرورة فتح المناطق الداخلية أمام الاستثمار للدفع بعدد كبير من الشباب نحو التشغيل”.

وفي وقت سابق أكد تقرير أعده البنك الدولي بعنوان “مشهد الشغل في تونس”، جملة من التوصيات لواضعي سياسات التشغيل في تونس بتحديد بعض المجالات التي تستحق مزيداً من الدراسة والبحث.

وأوصى التقرير بإجراء تحليل متعمق للصلات بين درجة تنافسية أسواق المنتجات والافتقار إلى الحيوية على مستوى الشركات الذي يبدو أنه كان عاملا رئيسيا في ضعف النمو الاقتصادي في البلاد، مشدّدا على أنه بالإمكان تسليط الضوء على أدوات السياسات اللازمة لتعزيز نمو الشركات وإحداث فرص الشغل ما يعزز معدلات المشاركة والتشغيل الخاصة بفئتي النساء والشباب.

واعتبر تقرير البنك الدولي حول مشهد التشغيل في تونس أن عدم توافق المهارات مع احتياجات السوق، وجودة التعليم والتدريب، والسياسات التنظيمية للعمل، وسياسات تنشيط سوق العمل، يمكن أن يساعد واضعي السياسات في إعطاء أولوية لتدابير مصممة بما يتلاءم مع الأوضاع الوطنية من أجل تقليص أعداد الأفراد خارج دائرة التعليم والعمل والتدريب وتسهيل التحاق خريجي الجامعات بسوق العمل والبقاء فيها.

ويستدعي تحقيق تحسينات طفيفة في معدلات مشاركة النساء في سوق العمل، والفجوات الكبيرة بين الجنسين في التحصيل التعليمي الاهتمام بالعوامل التي قد تساعد على تعزيز انخراط النساء في سوق العمل مثل خدمات رعاية الأطفال. ويرى التقرير أن العامل الرئيسي وراء ضعف أداء سوق الشغل هو ضعف النمو الاقتصادي، الذي كان سمة ثابتة في العقد الذي أعقب ثورة عام 2011.

وسلط التقرير الضوء على العديد من النقاط البارزة في سوق الشغل في تونس منها أن أقل من شخص واحد من كل شخصين في سن العمل يشارك بنشاط في سوق العمل، أي أنهم إما يعملون أو يبحثون عن شغل، كما تتميز فئتان على وجه الخصوص بانخفاض معدلات مشاركتهما في سوق الشغل: النساء والشباب.

4