الحكومة التونسية تعمل على تنظيم قطاع الأدوية

مجلس وزاري يقر بإحداث لجنة موحّدة لتحديد أسعار الأدوية.
الخميس 2024/11/07
مستشفيات عمومية تفتقد فيها أهم الأدوية

تتجه الحكومة التونسية نحو تنظيم قطاع الأدوية المأزوم في السنوات الأخيرة، بسبب الاحتكار والتهريب، وذلك عبر تأسيس لجنة موحّدة لتحديد أسعار الأدوية بصفة دوريّة، تشرف عليها الوكالة الوطنيّة للدواء ومواد الصحّة بمعيّة عدد من الوزارات.

تونس - أقرت الحكومة التونسية جملة من الإجراءات التي تهدف إلى إصلاح القطاع الصحي، أبرزها إحداث لجنة موحّدة لتحديد أسعار الأدوية وتنظيم القطاع بعد سنوات من “الانفلات” لعبت فيه اللوبيات دورا كبيرا وتحكمت في القطاع الحيوي بالبلاد.

ويقول مراقبون، إنه تم تهريب بعض أنواع الأدوية والتحكم في مسالك التوزيع بعد 2011، كما أن بعض الوزراء الذين تقلّدوا منصب وزارة الصحة تمّ تعيينهم عبر الولاءات الحزبية والسياسية لوضع اليد على القطاع.

وبدا واضحا من خلال زيارات الرئيس قيس سعيد لمخابر الأدوية ودعواته المتكررة لمحاربة الفساد في مختلف القطاعات، حرص السلطة على إصلاح قطاع الصحة برمّته.

ويرى متابعون للشأن التونسي، أنه بعد فترة طويلة من فقدان أبرز أنواع الأدوية في المستشفيات العمومية والصيدليات، بدأت تلك الأدوية تظهر تدريجيا في الفترة الأخيرة بفضل جهود الدولة المتواصلة لتطهير القطاع.  

نبيل الرابحي: اتضح أن هناك لوبيات تتحكم في مسالك توزيع الأدوية
نبيل الرابحي: اتضح أن هناك لوبيات تتحكم في مسالك توزيع الأدوية

وأقر مجلس وزاري مضيّق بإشراف رئيس الحكومة كمال المدوري، حزمة من القرارات ذات الصبغة الطارئة بشأن الملفّات المتعلّقة بالقطاع الصحّي والتغطية الصحيّة أبرزها إحداث لجنة موحّدة لتحديد أسعار الأدوية بصفة دوريّة تحت إشراف الوكالة الوطنيّة للدواء ومواد الصحّة بمشاركة الوزارات المعنيّة.

وأفاد بلاغ لرئاسة الحكومة أنه تم إقرار تعزيز الموارد الماليّة بصفة فوريّة لفائدة الصيدليّة المركزيّة من خلال تخصيص مبالغ إضافيّة إلى جانب التحويلات الشهريّة من الصندوق الوطني للتأمين على المرض.

كما تم إقرار ضمان اقتطاع وتحويل مستحقّات الصّناديق الاجتماعيّة العالقة لدى عدد من الهياكل العموميّة ليتسنى خلاص مستحقّات الصيدليّة المركزيّة والهياكل العموميّة للصحّة واتخاذ جملة من الآليّات والإجراءات الرّامية إلى مزيد حوكمة التصرف في منظومة الأدوية والتكفّل بها، فضلا عن إحكام التّنسيق بين وزارة الصحّة والصّندوق الوطني للتأمين على المرض لتطوير شروط وإجراءات التكفّل بالخدمات الصحيّة طبقا للمقاييس المثلى والممارسات الفضلى المعتمدة دوليّا ضمن لجنة فنيّة مشتركة.

وأذن المجلس الوزاري المضيق بمراجعة شاملة لمنظومة التأمين على المرض بالاستئناس بالدّراسات التّقييميّة المنجزة وآراء ومقترحات الأطراف المتدخّلة في هذه المنظومة، فضلا عن تكوين لجنة قيادة تضمّ ممثّلين عن رئاسة الحكومة ووزارة الصحّة ووزارة المالية ووزارة الشؤون الاجتماعية ومهنيي الصحّة تعهد لها مهمّة وضع نظام للرفع من جاذبية الهياكل العموميّة للصحّة والتوظيف الأمثل للكفاءات والتّجهيزات الطبيّة وتوفير مقوّمات العمل اللائق للإطارات الطبيّة وشبه الطبيّة بما يضمن تحفيزهم والمحافظة على مرجعيّة القطاع العمومي.

وأقر المجلس أيضا المزيد من تعزيز آليات الحوكمة وتحقيق التحول الرقمي الشامل وتكثيف المراقبة وتحسين نجاعة التصرّف على مستوى الهياكل العموميّة للصحّة والإسراع في عرض مشروع الأمر المتعلق بنظام التبادل الإلكتروني للمعطيات بين الصندوق الوطني للتأمين على المرض ومسدي الخدمات الصحيّة في القطاعين العمومي والخاص وتوفير كل المتطلّبات لتعميم استعمال بطاقة العلاج الإلكتروني وذلك بعد استكمال توزيعها على المضمونين الاجتماعيين.

خليفة الشيباني: الأدوية المخصّصة للأمراض المزمنة تزايدت أسعارها
خليفة الشيباني: الأدوية المخصّصة للأمراض المزمنة تزايدت أسعارها

وعرفت تونس أزمة فقدان الأدوية من الصيدليات في السنوات طويلة، وهو ما يدل حسب المراقبين على أن ممارسات الفساد لم تكن حكرا على قطاعات بعينها، بل توسعت لتشمل مجال الأدوية والقطاع الصحي عموما.

وأكد المحلل السياسي نبيل الرابحي أن “الدولة كانت متكفّلة بملف الأدوية، لكن بعد 2011 رأينا انفلاتا في القطاع”.

وقال لـ”العرب”، “بعد إجراءات 25 يوليو 2021، وزيارات الرئيس قيس سعيد إلى مخابر الأدوية، اتضح أن هناك لوبيات تتحكم في مسالك توزيع الأدوية، وبعد 2011 تم تهريب بعض الأدوية إلى ليبيا خصوصا”.

ولفت الرابحي إلى أن “الدولة بدأت تسترجع دورها الاجتماعي بتوفير الأدوية التي يحتاجها المواطن”.

ويرى مراقبون أن ظروف ما قبل إجراءات الرئيس سعيد في 25 يوليو 2021 سمحت بوجود لوبيات تعبث بالأمن الغذائي والصحي وتفتعل الأزمات وتستهدف حياة التونسيين.

واختفت المئات من الأدوية من رفوف الصيدليات في أرجاء البلاد منذ شهور، بما في ذلك علاجات مهمة لأمراض القلب والسرطان والسكري، وبات من الصعب الحصول على كامل أنواع الأدوية في الوصفات الطبية التي يقدمها الأطباء، ما جعل الصيادلة يلتجئون إلى تعويضها بالأدوية الجنيسة، مقابل فقدان أنواع أخرى تتعلق خصوصا بالأمراض المزمنة.

وأفاد المحلل السياسي والخبير الأمني خليفة الشيباني أن “قطاع الأدوية مثل بقية القطاعات الأساسية في تونس، وهو قطاع إستراتيجي، وفي وقت ما تم التحكم فيه وبعض وزراء الصحة بعد 2011 تم تعيينهم بالمحاصصات الحزبية”.

وأوضح في تصريح لـ”العرب”، أن “قطاع الأدوية عبثوا به للتحكم في البلاد، وحان الوقت لتنظيمه عبر مراجعة وضعية الصيدلية المركزية والصناعات الدوائية”.

ولفت خليفة الشيباني إلى أن “هناك أنواعا من الأدوية المخصّصة للأمراض المزمنة تزايدت أسعارها في حين كانت تباع بأسعار رمزية، كما أن بعض الأدوية غير متوفّرة في المستشفيات العمومية”.

وتشير التقديرات إلى أن ثمة 74 شركة تعمل في السوق المحلية، من بينها 36 شركة مختصة في صناعة الأدوية، فيما تركز البقية على صناعة المستلزمات الطبية، برقم معاملات يبلغ سنويا 250 مليون دولار، لكن متابعين يؤكدون أن حجم الفساد في القطاع حال دون توفر أنواع الأدوية في الصيدليات وخصوصا تلك المتعلقة بالأمراض المزمنة والخطيرة.

4