المصريون يترقبون مرونة صندوق النقد أملا في تجنب القرارات الصعبة

الحكومة المصرية تتعامل مع تعديل برنامج صندوق النقد كأولوية سياسية وضمانة لتثبيت الأمن والاستقرار.
الجمعة 2024/11/01
المواطن لم يعد يتحمل المزيد من قفزات الأسعار

القاهرة- أظهرت نقاشات المصريين في العالم الافتراضي ووسائل المواصلات العامة حول تفاوض الحكومة مع صندوق النقد الدولي على مراجعة برنامجه معها، إلى أيّ درجة أصبح بعض المواطنين يهتم بمرونة الصندوق مع بلادهم أكثر من الحكومة، أملا في تخفيف معدلات التضخم والسيطرة على الغلاء وتجنب القرارات الصعبة.

وهدّأ حديث الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي عن مراجعة برنامج الحكومة مع صندوق النقد، مخاوف شريحة من المواطنين، لأن ذلك يقود إلى كبح جماح الأسعار، حيث كانت الحكومة تداوم على تحريكها كل فترة التزاما بتعليمات الصندوق.

ويتابع سمير مجدي، سائق تاكسي، الحديث عن مفاوضات الحكومة مع صندوق النقد، ويداوم على تصفح الصفحات الاقتصادية في الصحف لمعرفة ما إذا كان الصندوق سيوافق على تعديل برنامجه أم سيلزم القاهرة بتنفيذ الاتفاق السابق.

طلعت خليل: الحكومة عوّلت على صمت الناس حتى اكتشفت وجود الغضب
طلعت خليل: الحكومة عوّلت على صمت الناس حتى اكتشفت وجود الغضب

ومجدي، رب أسرة مكونة من أربعة أبناء، وحاصل على مؤهل عالٍ، لكنه يعمل سائقا لإخفاقه في العمل بأيّ وظيفة حكومية أو خاصة، ويقول “لم أعد قادرا على تحمل الغلاء، وتسبب قرار الحكومة برفع أسعار الوقود مؤخرا في انتكاسة مادية، وسبقها تحريك أسعار الكهرباء ومياه الشرب والانسحاب تدريجيا من الدعم”.

وقال الأب لـ”العرب” إن الحكومة ما لم تنجح في إقناع الصندوق بأن الشارع يغلي ولم يعد يتحمل المزيد من قفزات الأسعار، ستجد نفسها في مواجهة مع المواطنين، “لكن أسمع أخبارا إيجابية، عن وقف تحريك أسعار الكهرباء ومشتقات البترول لأشهر مقبلة، والبقاء على سعر الدولار مقابل الجنيه دون تعويم جديد”.

ورفعت الحكومة أسعار الطاقة بنسب تراوحت بين 7 و17 في المئة، ما تسبب في غضب واسع قاد الرئيس السيسي إلى تكليف الحكومة بسرعة التفاوض مع صندوق النقد لمراجعة برنامجه مع مصر، لأن الناس لم يعد باستطاعتهم تحمل المزيد من قفزات الأسعار.

وستزور رئيسة صندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا القاهرة في الثاني من نوفمبر للتفاوض حول برنامج مصر، وبحث جاهزية برامج الحماية الاجتماعية هناك، ودراسة تأثير قرارات تحريك الأسعار على محدودي الدخل.

وترغب القاهرة في إعادة النظر بالأهداف والجداول الزمنية المتفق عليها في إطار صفقة قرض الصندوق التي تبلغ قيمتها 8 مليارات دولار وحصلت عليها مصر في مارس الماضي، نظرا إلى التحديات الإقليمية المستجدة التي فرضت ضغوطا إضافية على الاقتصاد، حيث تواجه الحكومة تحديات في تنفيذ الاتفاق.

وأعلن صندوق النقد عن استعداده لإجراء تعديلات في برنامج مصر، لكنه ألمح إلى ضرورة استمرار إصلاحات العملة، وهي النقطة التي تثير مخاوف المصريين، لأن تعديل برنامج الحكومة مع الصندوق دون أن يشمل ذلك ثبات سعر الصرف، سيقود إلى المزيد من انهيار الجنيه أمام العملات الأجنبية، بما يضاعف الغلاء.

وتوقعت شركة “فيتش سوليوشنز”، التابعة لمؤسسة “فيتش” للتصنيف الائتماني، أن يُبدي صندوق النقد مرونة في المفاوضات مع مصر بخصوص تعديل برنامج التمويل الحالي، مع احتمالية الموافقة على تأجيل رفع أسعار السلع التي تديرها الحكومة، مثل الكهرباء ومشتقات البترول وإبطاء وتيرة برنامج الخصخصة.

◄ الحكومة المصرية تتحرك في التفاوض مع صندوق النقد بخطوات محسوبة، لأنه حال انهيار التوصل إلى تفاهمات حول تعديل البرنامج ستكون أمام خيارات بالغة الصعوبة

وأعلن جهاد أزعور المدير الإقليمي للصندوق، الثلاثاء، أن التركيز سيكون على مدى توفير الحماية للفئات الأكثر فقرا، بينما تصل معدلات الفقر في مصر إلى مستويات قياسية، ويصنف أكثر من نصف المصريين على أنهم ضمن “محدودي الدخل”.

وأصبح صندوق النقد مقتنعا بتأثر مصر اقتصاديا بسبب التقلبات الإقليمية، حيث انخفضت حركة مرور السفن في قناة السويس بأكثر من النصف.

وفي حال اتفقت الحكومة مع الصندوق على تعديل البرنامج فإن ذلك سيقود إلى ثبات قيمة الدعم المقدم لقطاعات الطاقة والكهرباء والدواء ودعم السلع الأساسية الفترة المقبلة.

ولم تفلح خطط الحكومة لتمرير زيادات الأسعار بشكل تدريجي في تجنب انقلاب الشارع عليها، لكن يبدو أنها تضع في اعتبارها ردة فعل المصريين على أيّ تحرك جديد في خفض فاتورة الدعم للقطاعات الحيوية ما قد يتسبب في منغصات لها.

وقال منسق المحور الاقتصادي بالحوار الوطني وأمين عام حزب المحافظين طلعت خليل إن المصريين يرفضون كل ما يرتبط بصندوق النقد، لأنه يرونه سبب ما يعانونه من غلاء وتضخم وانفلات في الأسعار، وهو بالنسبة إلى الكثير من المواطنين عنوان لكوارثهم الاقتصادية، لذلك هناك حالة غضب من كل توجه مرتبط بالصندوق.

وأضاف لـ”العرب” أن الحكومة تأخرت عندما قررت إعادة النظر في اتفاقاتها مع صندوق النقد، لكن ذلك أيضا لا يُرضي الناس، ولو كانت الحكومة تستمع لرأي المتخصصين والخبراء والمواطنين العاديين لقررت منذ فترة عدم الاعتماد عليه والتقيد بشروطه القاسية، لكنها عوّلت على صمت الناس حتى اكتشفت وجود غضب شعبي مكتوم.

◄ صندوق النقد أصبح مقتنعا بتأثر مصر اقتصاديا بسبب التقلبات الإقليمية
صندوق النقد أصبح مقتنعا بتأثر مصر اقتصاديا بسبب التقلبات الإقليمية

وبدأت الحكومة تتحسب من ردة فعل المصريين أكثر من أيّ وقت مضى، في ظل تزايد منسوب اليأس والإحباط الاقتصادي، لذلك تتعامل مع تعديل برنامج صندوق النقد كأولوية سياسية وضمانة لتثبيت الأمن والاستقرار.

ويرفض غالبية المصريين أن تظل بلادهم تعيش على المعونات الخارجية وتلتزم بتطبيق شروط مؤسسات دولية لإنقاذ اقتصادها، لأن ذلك يكرس للتبعية ويجعل حكومتهم خاضعة لرؤى جهات ومؤسسات مانحة، وما يترتب عليها من تداعيات.

وتتحرك الحكومة في التفاوض مع صندوق النقد بخطوات محسوبة، لأنه حال انهيار التوصل إلى تفاهمات حول تعديل البرنامج ستكون أمام خيارات بالغة الصعوبة، إما الالتزام بتنفيذ التوصيات والدخول في مواجهة مع الشارع، أو الرفض وخسارة دعم الصندوق وصرف ما تبقى من قرض الثمانية مليارات دولار، وربما خسارة مساعدات واستثمارات أوروبية بقيمة كبيرة.

لكن مهما نجحت الحكومة في إقناع صندوق النقد بتخفيف الأعباء ستظل متهمة من البعض بأنها عاجزة عن إيجاد حل للأزمة الاقتصادية، حيث تتعامل مع الملف بأنه يخصها وحدها، دون مشاورات مع خبراء ومتخصصين مشهود لهم.

وتظل قدرة المصريين على تحمل عبء المشاركة في إنقاذ اقتصاد بلادهم مرتبطة بمدى شفافية الحكومة والكف عن الوعود المتكررة بأن الشارع اقترب من جني ثمار النجاحات التي تحققت، وعليها التعامل بتواضع وواقعية بعيدا عن تخدير الرأي العام والتسويق لإنجازات غير ملموسة لشريحة كبيرة من المواطنين.

2